اقرأ في هذا المقال
بقولها أنّ كل حركة هي حياة وأنّ كل الأشياء في الطبيعة تتكون من مادة بدرجة من الحركة، بحيث تؤكد الفيلسوفة مارجريت لوكاس كافنديش أنّ الحياة تتخلل كل العالم الطبيعي، بما في ذلك ما يمكن أن نسميه الأشياء الجامدة، وبالنسبة إلى كافنديش فإنّ الأجسام الجامدة هي على قيد الحياة لأنّها تمتلك الحركة، على الرغم من أنّها قد تكون أقل درجة من الحركة وبالتالي درجة أقل من الحياة من الحيوان أو الإنسان.
فلسفة كافنديش في علاقة المعرفة مع الطبيعة:
في الواقع تعتقد كافنديش أيضًا أنّ المعرفة تنتشر بالمثل عبر كل الطبيعة إلى درجات أكبر وأقل، ولهذه الأسباب قد نطلق على كافنديش لقب عالمة الطبيعة التدريجية فيما يتعلق بالمعرفة والحياة، أي أنّها تأخذ سمات بشرية مميزة مثل المعرفة والحياة لتكون خصائص طبيعية موجودة بدرجات متفاوتة في جميع أنحاء الطبيعة، وخلال عملها تجادل كافنديش بأنّ كل ما له حركة وله معرفة وأنّ المعرفة فطرية أو حركة موجهة داخليًا.
وتواصل في الفصل آخر في عملها الفلسفي تخيلاتها الفلسفية المجادلة بأنّ كل المادة تظهر حركة منتظمة، والتي تحدث لأنّ كل المادة مشبعة بأرواح حساسة، ولكن امتلاك أرواح حساسة هو القدرة على الإحساس، وهكذا فإنّ كل مادة تستشعر الأشياء.
الآن في عملها الأول تقدم في أحسن الأحوال نوعًا من الحجة التي تفكر بها المسألة: “من يدري فلماذا لا” قائلة: “إذا كان الأمر كذلك فمن يدري ولكن قد تحتوي الخضروات والمعادن على بعض من تلك الأرواح العقلانية وهي العقل أو الروح فيهم وكذلك الإنسان؟” وأضافت أنّه إذا لم تكن معرفتهم (الخضروات والمعادن) هي نفس المعرفة، ولكنها تختلف عن معرفة الحيوانات بسبب أشكالها المختلفة التي تم إجراؤها بواسطة نوع آخر من الحركة على مادة أخرى فهي معرفة.
في وقت لاحق على سبيل المثال في ملاحظاتها تجادل بأنّ انتظام الطبيعة يمكن تفسيره بشكل أفضل -أو ربما فقط- من خلال الاعتراف بأنّ جميع الأجسام المادية تمتلك المعرفة، كما تجادل بأنّ المادة والكائنات المادية تظهر حركة منتظمة ثم تجادل بأنّه لا يمكن أن تكون هناك حركة منتظمة بدون المعرفة والحس والعقل.
علاوة على ذلك تجادل بأنّ كل جزء من الجسم وكل كائن في الطبيعة يُظهر نشاطًا مميزًا، فيعتقد الدماغ هضم المعدة تنتج الخاصرة ذرية وهي تفعل ذلك بطرق منتظمة ومتسقة، وفي الواقع كل من هذه الأعضاء أو أجزاء الجسم هي نفسها أيضًا مركبة، وتتكون من عدد لا حصر له من الأجسام الأصغر، ومع ذلك فإنّ ما يوحدهم هو حركاتهم المميزة وإنتاج سلوكياتهم المميزة، وتتخذ كافنديش كل من هذه الحركات المميزة نوعًا من المعرفة.
كما تجادل كافنديش بأنّه يجب علينا التفكير في هذه الحركات المميزة على أنّها معرفة، لأنّ هذه هي أفضل أو ربما فقط طريقة لشرح انتظام واستقرار هذه المركبات، وإذا كان على هذه الأجزاء القيام بهذه الأشياء فيجب أن يعرفوا ما يفعلونه، خاصة بالنظر إلى الطرق المنتظمة والمتسقة التي يقومون بها، وفي الواقع دون أن تعرف المادة حركاتها المميزة، وكما تقول سيكون الإدراك مستحيلًا.
وتقول كافنديش بأنّ المعرفة القزم هي الأساس أو السبب الأساسي للإدراك، حيث لولا معرفة الذات لا يمكن أن يكون هناك إدراك، وباختصار كل الكيانات المادية أي كل الأشياء في الطبيعة تمتلك المعرفة، وإنّ الرأي القائل بأنّ كل الأشياء في الطبيعة تمتلك عقلًا أو خصائص عقلية هي نظرة عامة والتي يلتزم بها كافنديش هنا.
استخدام آخر كافنديش لمفهوم المعرفة (Panpsychism):
ومع ذلك فإنّها تستخدم مفهوم المعرفة بطريقة غير عادية، وعندما تنسب المعرفة إلى صخرة أو إلى عضو كبدي، فعلى سبيل المثال لكنها لا تعني بالضرورة أنّ الصخرة أو الكبد لديهما حالات عقلية مثل حالتنا، ولا أنّهما يستطيعان إدراك بيئاتهما بالطريقة نفسها التي نفعلها، وبالنسبة إلى كافنديش فإنّ معرفة شيء مثل المرآة في الواقع مشروط بنوع الحركات التي تشكل المرآة، والحركات التي تجعلها الشيء الذي هو عليه، وعلى هذا النحو تختلف معرفة المرآة وإدراك المرآة اختلافًا كبيرًا عن نظائرها البشرية.
وعلاوة على ذلك فإنّ إدراك المرآة ومعرفتها يتشابهان في بعض النواحي مع الإدراك والمعرفة البشرية، حيث كلاهما يتضمن نمط الكائن خارج المادة الخاصة به بطريقة تنسخ أو تشبه كائنًا خارجيًا، وعلى الرغم من هذا التشابه بين المرآة والإنسان فإنّ الإنسان يتألف من مادة قادرة على العديد من أنواع الإدراك والمعرفة المختلفة، في حين أنّ المرآة لديها قدرة محدودة للغاية على تصميم بيئتها أو عكسها، كما أنّه لدى الإنسان كميات كافية من الأرواح العقلانية التي توحد أجزائه ليتمكن من إجراء تحقيق عقلاني، في حين أنّ المادة العقلانية للمرآة محدودة للغاية بالفعل.
قد يبدو هذا كما لو أنّها تتراجع عن التزامها بالنزعة النفسية الشاملة ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، وبالنسبة لهذه الأجزاء أو الدرجات من المادة التي تمتلك مستويات مختلفة من الإدراك هي في الواقع مختلطة تمامًا معًا في كل الأشياء، وتوضح كافنديش بأنّ هناك تصور مزدوج في جميع أجزاء الطبيعة، فالذكاء العقلاني والحساس، وأعتقد أنّ هناك منطقًا وسببًا أو معرفة حساسة وعقلانية، وليس فقط في جميع المخلوقات بل في كل جزء من كل مخلوق بعينه، وهكذا على الرغم من أنّ الصخرة تمتلك قدرًا كبيرًا من المواد الباهتة، إلّا أنّها تمتلك أيضًا أرواحًا حساسة وحتى عقلانية في الداخل.
هكذا توضح كافنديش بأنّ الحركة الذاتية هي سبب جميع من أعمال الطبيعة المختلفة، ولا يمكن القيام بهذه دون إدراك وذلك لأنّ جميع الأفعال هي معرفة وإدراك، وإذا لم تكن هناك تصورات فلا يمكن أن يكون هناك أي من هذه الأفعال، فكيف يجب أن تتفق الأجزاء سواء في تكوين أو تشكيل أو تفكك الأشكال المكونة، وإذا لم يكن لديهم معرفة أو تصور لبعضهم البعض؟
باختصار فلسفة كافنديش الطبيعية هي فلسفة مادية وحيوية وروحانية عامة، بالإضافة إلى مناهضة للذرات ومناهضة الميكانيكا، وعلى عكس العديد من خصومها الذين يفضلون الفيزياء الرياضية فإنّها تأخذ الكائنات الحية -والوعي المحدود لعلوم الحياة- كنموذج لفلسفتها الطبيعية كما يتضح من عضويتها وكذلك استخدامها الخاص للاستعارة، وبعبارة أخرى تتفق مع الفيلسوفان رينيه ديكارت وتوماس هوبز ضد التفسيرات الغامضة للسكولاستس، ومع مور وفان هيلمونت ضد الآلية الاختزالية لهوبز وديكارت ومع هوبز والمادية الرواقية ضد المبادئ المادية لمور وفان هيلمونت.