فلسفة كافنديش في وضوح قدرات المادة

اقرأ في هذا المقال


أعادت الفيلسوفة مارجريت لوكاس كافنديش صياغة أفكارها حول الفلسفة الطبيعية طوال حياتها، وحسّنتها عندما وسعت قراءتها وغيرت مفرداتها وفهمها للقضايا التي كانت تكتب عنها، ومن بين أعمالها في الفلسفة الطبيعية ربما يكون أفضلها وأكثرها إثارة للاهتمام هو كتابها الأخير (أسباب الفلسفة الطبيعية)، حيث تعرض مادتها في أكثر أشكالها تنظيماً، وعملين سابقين قليلاً وهما رسائل فلسفية وملاحظات حول الفلسفة التجريبية، وهذان الأخيران مثيران للاهتمام بشكل خاص لأنّ كافنديش فيهما تضع وجهات نظرها الخاصة ضد تعليق على العديد من المفكرين البارزين في عصرها.

فلسفة ديكارات ومالبرانش في قدرات المادة:

أحد الاعتراضات التي يتعين على كافنديش معالجتها من باب المجاملة لخصومها في القرن السابع عشر، هو أنّ احتمالية التفكير بالمادة غير مفهومة، وبالتالي فإنّه من الخطأ أن تكون كل الحقيقة ماديًا، فعلى سبيل المثال يصر رينيه ديكارت على أنّ شيئًا ما ليس خاصية لجسد ما لم يكن هناك ارتباط مفاهيمي بينه وبين جوهر الجسد.

فبالنسبة إلى ديكارت الشكل هو خاصية للأجسام لأنّ الشيء لا يمكن أن يكون شكلاً ما لم يكن شكل شيء ممتد، والحركة هي خاصية للأجسام لأنّ شيئًا ما لا يمكن أن يكون له حركة ما لم يكن له موقع وبالتالي لا يمكن أن يكون له حركة ما لم يتم تمديده، ومع ذلك لا يمكن تصور أفكارنا وإراداتنا على أنّها ذات طول أو عرض أو عمق.

هناك حجة مماثلة في عمل مالبرانش حيث بالنسبة إلى مالبرانش فإنّ طرق وجود الجسد تقتصر على ما يمكن فهمه على أنّه علاقة المسافة مع الأشياء الأخرى، ومن المستحيل تصور فكرة أنّ لها حجمًا أو أنّها مسافة معينة من فكر آخر أو عن جسد لذا فإنّ الفكرة ليست جسداً أو ملكاً لجسد.

فلسفة كافنديش في قدرات المادة:

لا يمكن أن تختلف كافنديش أكثر من ذلك، ففي معالجة مسألة طبيعة العقل فإنّ أول أمر لها في عملها هو إثبات أنّ هذه المسألة تفكر، وعندها فقط تنظر في مسألة ما إذا كان بإمكاننا فهم كيفية تفكيرها أم لا، وتجادل بأننا لا نفعل ذلك وأنّه ليس من المستغرب أننا لا نفعل ذلك، حيث نظرًا لأننا لا نعرف الإجابة على أي من الأسئلة المتعلقة بكيفية ولماذا حول الأشياء التي نواجهها في الطبيعة.

بالنسبة إلى كافنديش فإنّ حقيقة أننا لا نفهم كيف تفكر المادة ليست دليلاً على أنّ المادة لا تفكر، وإذا كان الأمر كذلك فعندئذ سيكون لدينا دليل ضد حدوث العديد من الظواهر التي نواجهها على أساس يومي، وتجادل كافنديش توقعًا لهيوم أنّ العلاقات السببية المعينة ليست معروفة مسبقًا، وأنّه إذا لم تكن لدينا الخبرة ذات الصلة، فإنّ كل علاقة سببية ستبدو اعتباطية مثل أي علاقة أخرى، وهناك سحر الطبيعة (Natural Magick) وفقًا لكافنديش حتى في حالة الأشياء التي نعتبرها غير غامضة تمامًا.

وهنا تكتشف كافنديش هيوم مسبقًا مرة أخرى، وتصر على أنّ جاذبية المغناطيس غامضة، ولكن قوة النار كذلك والمعرفة التي نمتلكها من عدة أشياء على قدم المساواة، وهذا هو موضوع ثابت في جميع أنحاء مجموعتها، فعلى سبيل المثال لا نفهم سبب عمل الأجسام التي تشارك في عملية الهضم معًا للهضم، بدلاً من القيام بشيء آخر، كما أننا لا نعرف لماذا تكون الأجسام المكونة للماء والجليد شفافة، في حين أنّ الأجسام التي تتجمع لتشكل كائنات أخرى ليست كذلك، ويمكننا التكهن بهذا لكن في النهاية أفعال الطبيعة ليست غريبة فقط ولكنها متنوعة للغاية، وليست متنوعة فقط ولكنها غامضة للغاية.

والتفكير ليس استثناء فمن الواضح أنّ الأجسام في العالم الطبيعي لها قدرات، وتحافظ عليها كافنديش وبهذه القدرات يفعلون ما يفعلونه، ونحن لا نفهم سبب امتلاك جسم معين أو تكوين أجساد للقدرات الخاصة التي يمتلكها، ولا توجد مشكلة خاصة تطرحها حقيقة أننا لا نستطيع فهم كيفية تفكير المادة.

كما إنّ ميتافيزيقيا كافنديش مقيدة بقدر ما لا تهدف إلى تكوين سرد كامل لكل ما هو موجود، بالإضافة إلى ذلك ستقدم فقط حسابات محدودة للأشياء التي يستحوذ وجودها، وتدرك كافنديش تمامًا حدود مشروعها والواقع أنّ جزءًا من هذا المشروع هو تحفيز وجهة النظر القائلة بأننا لا نفهم بقدر ما نفهمه عادةً، وبعد توقع ديفيد هيوم مرة أخرى وكذلك جون لوك تفترض أنّه بمجرد تحديد الخط الذي لم يعد بعده البحث الفلسفي منتجًا، وسنكرس طاقاتنا في مكان آخر ولتحقيق تأثير أفضل.

بالنسبة إلى كافنديش وهيوم فإنّ العديد من أكثر العقول ذكاءً منخرطون في السعي وراء أهداف هي في الواقع طريق مسدود، ويمكن أن يعمل هؤلاء الأفراد في مشاريع واقعية تفيد البشرية بشكل عام، ومن خلال التعبير عن طبيعتهم بطريقة أكثر استدامة سيكونون أكثر سعادة بأنفسهم، والحالة الأخرى هي المحاولة التي قد يقوم بها الفلاسفة لتقديم تعريفات أو حسابات واضحة تمامًا للمفاهيم الأساسية، مثل تلك المتعلقة بالمادة والحركة وقابلية التجزئة والاعتماد والوكالة والسلطة.

تناقش كافنديش هذه الأمور بالطبع وهي بالفعل من بين الركائز الأساسية لنظامها الفلسفي، لكنها لا تحاول في أي مكان أي شيء مثل سرد كامل لما هي عليه، وما تقوله عن المادة وخصائصها يخبرنا بشكل خاص لأنّ جميع أفعال الطبيعة مادية وطبيعية، ولا يمكن أن يكون هناك تجريد من الحركة أو الشكل، ومن المادة أو الجسم لكنهما شيء واحد لا ينفصلان.

في رأيها لا يمكن أن يكون هناك تجريد للحركة من الجسد، ولا حقًا ولا بطريقة التصور، لأنّه كيف من الممكن تصور ما ليس في الطبيعة، ولا يمكن أن يكون أي تصور الحركة بدون جسد؟ ولذلك فإنّ الحركة ليست سوى شيء واحد مع الجسد دون أي انفصال أو تجريد على الإطلاق.

بالنسبة إلى كافنديش لن يكون هناك تفسير لطبيعة الحركة من حيث المادة أو العكس، ولكن هذا لا يعني أنّها تفترض أننا لا نعرف المادة أو الحركة عندما نواجهها، كما إنّها تفترض أننا نعرف هذه جيدًا بما يكفي لاستخلاص الاستنتاجات ذات الصلة بالمسائل الأكثر إلحاحًا التي تهمنا، ولكنها لا تعتقد أنّه من أجل التمكن من تحديد الحالات (للحركة وما إلى ذلك)، ويجب أن نكون في متناول اليد حساب لكل منها.

يبدو أنّ ترتيب النهج هو العكس، فالحساب الكامل يجب أن ينصف القضايا النموذجية التي لا جدال فيها، ولكن تحديد الحالات النموذجية لن يتطلب أن يكون لدينا نظرية أكثر عمومية من المفترض أن تساعدنا الحالات النموذجية على توليدها، ويبدو أنّ كافنديش يفكر في أننا إذا انتظرنا سردًا واضحًا وكاملًا لأفكارنا الأكثر حضيضًا قبل أن نتعامل مع القضايا الملحة اليوم، وبالتالي فلن نصل إليها أبدًا في الواقع وسيفقد نظام الفلسفة أهميته إن لم يكن بريقه.


شارك المقالة: