اقرأ في هذا المقال
- المبادئ الليبرالية للفيلسوف ميل
- المبادئ الليبرالية والنهج القاطع في فلسفة ميل
- فلسفة ميل في الفئات والحقوق والمرافق
“إن فرض ضريبة على الدخل الأكبر بنسبة مئوية أعلى من الأصغر، يعني فرض ضريبة على الصناعة والاقتصاد، وفرض عقوبة على الأشخاص الذين عملوا بجد أكبر وأدّخروا أكثر من جيرانهم”.
جون ستيوارت ميل
المبادئ الليبرالية للفيلسوف ميل:
عمل ميل الفلسفي في الحرية هو البيان الأكثر تأثيرًا لمبادئه الليبرالية، حيث يبدأ بالتمييز بين التهديدات القديمة والجديدة للحرية، ويوجد التهديد القديم للحرية في المجتمعات التقليدية التي يحكم فيها شخص (ملكية) أو عدد قليل (أرستقراطية).
على الرغم من أنّه قد يقلق المرء بشأن القيود المفروضة على الحرية من قبل الملوك أو الأرستقراطيين المحسنين، فإنّ القلق التقليدي هو أنّه عندما يكون الحكام غير خاضعين للمساءلة سياسيًا أمام المحكومين فإنّهم سيحكمون لمصالحهم الخاصة بدلاً من مصالح المحكومين، على وجه الخصوص سوف يقيدون حريات رعاياهم بطرق تفيد أنفسهم بدلاً من المحكومين.
وكانت هذه التهديدات التقليدية للحرية هي التي قصدت الإصلاحات الديمقراطية للفلسفة الراديكالية معالجتها، ولكن ميل يعتقد أنّ هذه التهديدات التقليدية للحرية ليست هي الوحيدة التي تقلق بشأنها، ويوضح أنّ الديمقراطيات تحتوي على تهديداتها الخاصة للحرية، وهذا هو الاستبداد وليس من واحد أو قلة ولكن من الأغلبية، ويشرع ميل في توضيح المبادئ التي ينبغي أن تنظم كيف يمكن للحكومات والمجتمعات سواء أكانت ديمقراطية أم لا، والتي تقييد الحريات الفردية.
المبادئ الليبرالية والنهج القاطع في فلسفة ميل:
في فقرة مبكرة وشهيرة تصور ميل الليبرالية من منظور (مبدأ واحد بسيط للغاية):
“الهدف من هذا المقال هو التأكيد على مبدأ واحد بسيط للغاية، حيث يحق له التحكم بشكل مطلق في تعاملات المجتمع مع الفرد بطريقة الإكراه والسيطرة، سواء كانت الوسائل المستخدمة هي القوة الجسدية في شكل عقوبات قانونية أو الإكراه الأخلاقي للرأي العام، وهذا المبدأ هو أنّ الغاية الوحيدة التي من أجلها يُبرر الجنس البشري فرديًا أو جماعيًا وفي التدخل في حرية التصرف لأي عدد من أفرادها هو الحماية الذاتية.
أنّ الغرض الوحيد الذي من أجله يمكن ممارسة السلطة بشكل صحيح على أي فرد من أفراد المجتمع المتحضر رغماً عنه هو منع إلحاق الأذى بالآخرين ومصلحته سواء كانت مادية أو معنوية وليست ضمانًا كافيًا، ولا يجوز إجباره على فعل ذلك أو تحمله، ولأنّه من الأفضل له أن يفعل ذلك، لأنّه سيجعله أكثر سعادة ولأنّه في رأي الآخرين سيكون من الحكمة أو حتى الصواب.
وهذه أسباب وجيهة للمعارضين معه أو استجوابهم أو إقناعه أو استجوابه ولكن ليس لإلزامه أو زيارته بأي منكر في حال فعل غير ذلك، ولتبرير ذلك يجب أن يُحسب السلوك الذي يُرغب في ردعه على أنّه ينتج الشر لشخص آخر، والجزء الوحيد من سلوك أي شخص يكون مناسباً تجاهه للمجتمع هو ما يتعلق بالآخرين، وفي الجزء الذي يتعلق فقط بنفسه فإنّ استقلاله حق مطلق على نفسه وعلى جسده وعقله ويكون الفرد صاحب السيادة“.
في هذا المقطع يميز ميل القيود الأبوية والأخلاقية للحرية عن القيود المفروضة على الحرية بناءً على مبدأ الضرر ويدعي أنّ منع الضرر هو الأساس الشرعي الوحيد لتقييد الحريات الفردية:
- يكون تقييد حرية (أ) أمرًا أبويًا إذا تم ذلك لمنفعة (ب) الخاصة.
- يعتبر تقييد (أ) لحرية (ب) أمرًا أخلاقيًا إذا تم ذلك للتأكد من أنّ (ب) يتصرف بطريقة غير أخلاقية أو غير أخلاقية.
- تقييد أ لحرية (ب) هو تطبيق لمبدأ الضرر إذا تم القيام به لمنع إلحاق ضرر بشخص آخر غير (ب).
لاحقًا يميز ميل بين الأذى الحقيقي ومجرد الإساءة، من أجل الوفاء بمبدأ الضرر يجب أن ينتهك الإجراء أو يخاطر بانتهاك تلك المصالح الهامة للآخرين التي لهم حق فيها.
تسمح هذه الفروق لميل بالدفاع عن مقاربة قاطعة للحقوق الليبرالية، لتقرير ما إذا كان يجب حماية حرية الفرد، ويجب أن نتأكد من الفئة التي ينتمي إليها التقييد المحتمل للحرية، أي بمعمى الإساءة والأخلاق والأبوية ومنع الضرر، ويبدو أنّ ميل يسمح أو يمنع القيود على الحرية حسب الفئة مدعيا أنّ القيود الوحيدة المسموح بها تشمل منع الضرر.
بالطبع قد تندرج لائحة معينة تحت أكثر من فئة واحدة، وقد يتم تصميم العديد من أحكام القانونالجنائي مثل حظر القتل والاعتداء لتطبيق الأحكام الأخلاقية الأساسية ولمنع إلحاق الأذى بالآخرين، ولا يعترض ميل على التشريع الأخلاقي أو الأبوي الذي يمكن الدفاع عنه أيضًا من خلال استئناف مبدأ الضرر، وبدلاً من ذلك فإنّ الاعتراض هو القيود التي لا يمكن تبريرها إلّا بهذه الطرق ولا يمكن تبريرها من خلال الاستئناف لمنع الضرر.
منع الضرر هو أساس ضروري ولكنه ليس كافياً لتقييد الحريات الفردية، وإنّ منع الضرر كافٍ لإثبات حالة مؤيدة للتنظيم، ولكن ما إذا كان التنظيم هو كل الأشياء التي تعتبر مناسبة يعتمد على حساب منفعي لما إذا كانت فوائد التنظيم تتجاوز تكاليفها، وبمجرد أن يؤثر أي جزء من سلوك الشخص بشكل ضار على مصالح الآخرين يكون للمجتمع سلطة قضائية عليه، ويصبح السؤال عما إذا كان سيتم تعزيز الرفاهية العامة من خلال التدخل فيه مفتوحًا للنقاش.
هذا يعني أنّ مبدأ الضرر ليس في الواقع مبدأ ميل الوحيد، لأننا لا نستطيع أن نقرر ما إذا كان ينبغي تبني اللوائح التي من شأنها منع الضرر دون اللجوء إلى مبدأ المنفعة، ولكن حتى لو كان منع الضرر غير كافٍ لتبرير تقييد الحرية، ويبدو أنّ ميل يدعي أنّها ضرورية.
يقترح ميل أحيانًا أنّ مبدأ الضرر يعادل السماح للمجتمع بتقييد السلوك المتعلق بالآخر، ومن وجهة النظر هذه يمكن تقسيم السلوك إلى سلوك يتعلق بالذات وسلوك يتعلق بالآخر، حيث تنظيم الأول هو أبوي وتنظيم الأخير هو تطبيق لمبدأ الضرر، ولذلك من وجهة النظر هذه لا يجوز أبدًا تنظيم السلوك المتعلق بالذات البحتة ويجوز دائمًا تنظيم النزاع المتعلق بالآخرين.
ولكن كما يقر ميل نفسه فإنّ القليل جدًا من السلوك يتعلق بالذات، وبعض السلوكيات الأخرى المتعلقة بالسلوك تسبب مجرد إهانة وليس ضررًا حقيقيًا، ولذلك لا يستطيع ميل مساواة السلوك الضار والسلوك المتعلق بالآخر ولا يمكنه التفكير في إمكانية تنظيم كل السلوكيات المتعلقة بالآخرين.
ويُعتقد عمومًا أنّه من خلال تطبيق هذا النهج القاطع على الحرية وقيودها المسموح بها، ويؤدي ميل إلى تقديم دفاع مكثف إلى حد ما عن الحريات الفردية ضد تدخل الدولة والمجتمع، وعلى وجه الخصوص يُعتقد أحيانًا أنّ ميل يعترف بمجال واسع من السلوك الذي لا يجوز للدولة تنظيمه، وقد نصف هذا المجال من الحريات المحمية بمفهوم ميل للحقوق الليبرالية، وفي هذه القراءة يستمد ميل مفهومه للحقوق الليبرالية من التزامه المسبق بالنهج القاطع، وعلى وجه الخصوص بمبدأ الضرر.
فلسفة ميل في الفئات والحقوق والمرافق:
هناك توتر واضح بين التزام ميل بمقاربة قاطعة للحريات الأساسية ودفاعه عن النفعية، وتتعامل النفعية مع الصالح على أنّه سابق للحق أو الواجب ومستقل عنهما، ومعرِّفًا للواجب بأنّه تعزيز النتائج الجيدة، وربما تميل أنواع معينة من الأفعال إلى أن تكون جيدة أو سيئة، ولكن وفقًا للنفعية المباشرة تعتمد الجودة الأخلاقية لعمل معين على عواقبه الخاصة.
على النقيض من ذلك تتعامل تقاليد الحقوق الأخلاقية والطبيعية مع الواجب أو الحق على أنّه سابق للخير ومستقل عنه، وعلى وجه الخصوص يعتقد علماء الأخلاق أنّه ليس من واجب الفرد دائمًا تعزيز النتائج الجيدة، وأحيانًا يكون على المرء واجب القيام بعمل دون المستوى الأمثل، وفي بعض الأحيان يكون من الخطأ القيام بالعمل الأمثل.
يدرك علماء الأخلاق القيود الأخلاقية على السعي وراء الخير، وعادة ما تأخذ هذه القيود شكل قواعد فئوية لأداء أو الامتناع عن أنواع معينة من الإجراءات (على سبيل المثال للوفاء بالوعود أو الامتناع عن الكذب) وبغض النظر عن العواقب، وهناك حالة خاصة لهذا الصراع المتصور بين القواعد الفئوية والمنفعة وهي التوتر الملحوظ بين المنفعة والحقوق.
من وجهة نظر عامة الحقوق الفردية هي مجرد حالة خاصة من القواعد الفئوية، وتُفسَّر الحقوق الفردية مثل الحق في الحريات أو التحرر من الأذى على أنّها أوراق رابحة أو قيود جانبية على السعي وراء النتائج الجيدة، ويشكل الصراع الواضح بين المنفعة والحقوق اختبارًا مثيرًا للاهتمام لميل لأنّه يريد الدفاع عن الحقوق الليبرالية التي لها أسس نفعية.
ومن المناسب أن أذكر أنني أتخلى عن أي ميزة يمكن أن تنبثق عن حجتي من فكرة الحق المجرد كشيء مستقل عن المنفعة، ويمكن إعتبار المنفعة بمثابة الاستئناف النهائي في جميع المسائل الأخلاقية، ولكن يجب أن تكون منفعة بالمعنى الأكبر وقائمة على المصالح الدائمة للإنسان ككائن تقدمي.
ونحتاج أن نسأل ما إذا كان ميل قادرًا على التوفيق بين دفاعه عن المنفعة والحرية دون المساس بنفعيته أو دفاعه عن الحق في الحريات.