فلسفة وعلم أناكساجورس في الكون

اقرأ في هذا المقال


أعطى أناكساجوراس سردًا كاملاً للكون أي عن السماوات والأرض والظواهر الجيولوجية والجوية، وتظهر حسابات عمل العقل (nous) والدوران الأصلي وعواقبه في الأجزاء من حيث وصفه قوة وسرعة الدوران، يشرح في أجزاء أخرى بداية الدوران وما تلاه من تفكك وإعادة خلط لكتلة المكونات، بينما يحدد في أجزاء أخرى العواقب الكونية للدوران المستمر، ولكن هناك ما يكفي في الأجزاء المتبقية لتوضيح أنّ كل شيء يتم تفسيره في النهاية من خلال الدوران الكبير الذي بدأه العقل، ويدّعي أناكساجورس أنّ الحركة الكونية الدورانية يمكن أن تنتج عوالم أخرى مثل عالمنا.

فلسفة أناكساجوراس في علم الكونيات:

يبدأ دوران الخليط في مساحة صغيرة ثم ينتشر عبر الكتلة، ونظرًا لأنّ حجم الخليط غير محدود أو لانهائي (apeiron) فسيستمر الدوران والتوسع إلى الأبد، مما يؤدي إلى إدخال المزيد والمزيد من المكونات في الدوران، وتكون قوة وسرعة الدوران أسرع بكثير عند الحواف، حيث يلتقي التمدد مع كتلة المكونات التي لم يتم تحريكها بعد أي ما ندركه من الدوران (ربما حركات السماوات) كثيرًا أبطأ من الدوران غير المرصود.

كما أنّه القوة كافية لتفكيك وإعادة ترتيب المكونات، فعندما بدأ العقل في تحريك الأشياء كان هناك انفصال عن الجمهور الذي تم تحريكه ومهما تحرك العقل فقد تم فصل كل هذا، ومع تحرك الأشياء وفصلها جعلتها الثورة تنفصل أكثر بكثير.

هناك نوعان من التفكك وهما:

1- أولاً مع دخول الدوران إلى كتلة المكونات التي لم تتحرك بعد تبدأ تلك الكتلة في التفتت وتبدأ المكونات في التحول في تركيزاتها، ويؤدي هذا إلى تفكك الترتيب الأصلي للمكونات والبدء في إعادة ترتيبها، ونظرًا لأنّ الخليط عبارة عن كتلة كاملة فإنّ أي فصل يكون في نفس الوقت إعادة ترتيب للمكونات، وبعد ذلك تخضع هذه الترتيبات الجديدة نفسها لمزيد من التفكك وإعادة الترتيب.

يشير أناكساجورس إلى هذا في الأجزاء باستخدام مصطلحات مختلفة لمراحل مختلفة من العملية، على الرغم من أنّه لا يتوافق تمامًا في هذه الاستخدامات، وعادة يستخدم فكرة الانفصال (أشكال الفعل apokrinesthai) للتقسيم الأولي للكتلة، ويُشار إلى إعادة الترتيبات بالخلط (Summisgesthai) أو الضغط (sumpêgnusthai)، كما أنّه يستخدم (الانضمام معًا) (proskrinesthai) على النقيض من عملية الفصل (apokrinesthai) في أجزاء مختلفة.

عندما ادعى أناكساجورس أنّ الوفاة هي في الحقيقة انفصال استخدم كلمة (diakrinesthai)، وهذه مرحلة متأخرة عن أقدم حالات الفصل، والمصطلحات الأساسية هي أشكال مركبة من الفعل (krinein) للتمييز، ويمكن أن تعني الكلمة أيضًا (الحكم) أو (التحديد) ومن خلال استخدام هذه المصطلحات المركبة، يذكر أناكساجورس قراءه بأنّ جميع التغييرات يمكن تتبعها في النهاية إلى فعل العقل الذي يحرك الكتلة في اللحظة الأولى.

بمرور الوقت يرمي الدوران المكونات الأخف نحو حواف الدوامة ويدفع المكونات الأثقل إلى المركز، وبالتالي وضع المزيد من المكونات الداكنة والثقيلة مثل الأرض في المركز وإلقاء الهواء والأثير (النار) بعيدًا عن المركز، ويعطي هذا الصورة اليونانية التقليدية لأرضنا (نفسها مزيج من جميع المكونات مع سيادة الأرض والخامات الثقيلة والمعادن) مغطاة (في كثير من الأماكن) بالمياه والهواء والنيران في السماء.

الشمس كتلة من المعدن الناري والقمر كتلة ترابية (ليس له ضوء خاص به)، ونفس الدوران ينتج في النهاية النجوم والكواكب أيضًا، ففي بعض الأحيان تنتزع قوة الدوران الحجارة من سطح الأرض وتدور حول الأرض لأنّها ترتفع تدريجياً من خلال قوة الدوران، وحتى تكون هذه الأجسام عالية بما يكفي فإنّها تظل غير مرئية بين الأرض والقمر، وبالتالي تتدخل أحيانًا لمنع رؤية الأجرام السماوية من قبل المراقبين الأرضيين.

ويمكن أن تتسبب قوة الدوران واهتزازه في حدوث انزلاق، ولذلك في بعض الأحيان يتم إلقاء نجم (كتلة ملتهبة من الصخور والحديد) نحو الأرض على شكل نيزك، مثل النيزك الذي توقعه أناكساجوراس في (Aegospotami)، ويمكن العثور على الرواية الكاملة لوجهة نظر أناكساجوراس على النيازك في كتاب بلوتارخ حياة ليساندر 12 (Life of Lysander 12).

كما يُنسب إلى أناكساجوراس أيضًا اكتشاف أسباب الخسوف، وهو تداخل جسم آخر بين الأرض والشمس أو القمر، حيث أحيانًا ينسب هذا إلى الأجسام غير المرئية المذكورة أعلاه، ووفقًا للمصادر القديمة قدّم أناكساجوراس أيضًا تفسيرات لضوء مجرة ​​درب التبانة وتشكيل المذنبات وميل السماوات والانقلابات وتكوين القمر والنجوم.

فلسفة أناكساجوراس في الأرصاد والجيولوجيا:

يؤثر الدوران الذي بدأ بواسطة العقل في النهاية على الظواهر على الأرض وفوق سطح الأرض، ويدّعي أناكساجوراس أن ّالأرض مسطحة وتستقر على الهواء وتبقى في مكانها بسبب حجمها، ويبدو أنّ أناكساجوراس كان يحتفظ بعدد من المناظر الجيولوجية والجوية المنسوبة إلى أناكساجوراس، سواء كان ذلك بسبب أنّه كان يتبع أناكسيمين أو لأنّ المعلقين يخلطون بين الاثنين وهذا غير واضح.

على الرغم من طريقة تكوينها فإنّ الأرض ثابتة وليست تدور، ويسمح التسطيح (النسبي) للأرض للماء بالانتشار على الأرض مع ارتفاع الجبال والسهول فوق مستوى الماء، وتتغير المستويات مع تبخر الماء أو إضافته بواسطة المطر، وعندما تشق المياه التي حوصرت في الأرض بسبب الدوران طريقها عبر الأنهار إلى البحر، ونظرًا لأنّ الهواء الموجود تحت الأرض يتحرك أيضًا (مدفوعًا بالدوران الكوني)، فإنّه ينحصر أحيانًا في شقوق المادة الترابية، وعندما لا يتمكن هذا الهواء من الخروج فإنّ قوة الهواء المتحرك تسبب الزلازل.

يبدو أناكساجوراس مصممًا على شرح كل شيء، وتشير المصادر الموجودة إلى وجهات نظر حول الرعد والبرق ومصدر النيل وأول حساب صحيح لطبيعة البَرَد والاستفسار عن سبب ملوحة البحر، كما قدّم أيضًا حسابات حول الإدراك الحسي وأجرى تحقيقات في علم الأجنة.

فلسفة أناكساجوراس في العوالم الأخرى؟

تم التلميح إلى أحد الجوانب الأكثر فضولًا لنظرية أناكساجوراس في أحد أجزاءه للمكونات حيث أوضح أنّه نظرًا لأنّ هذه الأشياء كذلك فمن الصواب الاعتقاد بأنّ هناك العديد من الأشياء المختلفة الموجودة في كل ما يتم دمجه، وبذور كل الأشياء وبها جميع أنواع الأشكال والألوان والنكهات.

وأنّ البشر وكذلك الحيوانات الأخرى تم تجميعها كما أنّ العديد من الروح، كما أنّ هناك مدن بناها الإنسان وأعمال صنعها كما معنا وأنّ هناك شمس وقمر وأجرام سماوية أخرى لهم كما هو الحال معنا، والأرض تنمو لهم أشياء كثيرة مختلفة، والأكثر قيمة الذي يجتمعون فيه معًا في منازلهم ويستخدمونها، ولقد أوضح أيضًا عن الانفصال لأنّه سيكون هناك انفصال ليس فقط بالنسبة لنا ولكن أيضًا في مكان آخر.

فأين هو (المكان الآخر) حيث سيكون هناك أيضًا انفصال، وحيث توجد الشمس والقمر بالنسبة لهم كما هو الحال معنا؟ والمثير للدهشة أنّه لا توجد مصادر قديمة تناقش هذا على الرغم من أنّ سيمبليسيوس الذي اقتبس من القطعة حيرته بوضوح، ويدافع عن تفسير ميتافيزيقي أفلاطوني جديد، وقد اقترح المعلقون المعاصرون أنّ العوالم الأخرى موجودة على القمر و / أو الكواكب الأخرى، وفي مكان آخر على وجه الأرض أو حتى داخلنا (وجميع الأشياء الأخرى) وأنّ هناك عوالم لا نهائية داخل العوالم.

هناك أيضًا احتمال أنّ أناكساجوراس ليس لديه التزام بواقع هذه العوالم الأخرى، ولكنه ببساطة يشارك في تجربة فكرية لإظهار كيفية عمل الدوران، وقد يكون هناك احتمال آخر، ويبدأ الدوران غير المحدود في منطقة صغيرة ويتوسع إلى أجل غير مسمى، ويسحب المزيد والمزيد من الكتلة غير المحدودة من المكونات التي لم تختلط بعد في الدوران.

يمكن أن ينتج عن مثل هذا الإجراء دورات محلية أصغر داخل الدوامة الأكبر خاصة عند الحواف المتوسعة كما هو الحال في دوران رياح الإعصار، وهناك أيضًا يحدث الانفصال والخلط والتفكك، ومثل هذه العمليات من شأنها أن تؤدي إلى تشكيل أنظمة مثل نظامنا، وهذه ليست تجربة فكرية من جانب أناكساجوراس ولكنها التزام بالتشابه مع قانون التناوب الذي يتحكم فيه العقل، وإدراك أنّ عمليات مماثلة ستنتج ظواهر مماثلة، كما أنّ نظامنا العالمي ليس فريدًا في الكون، على الرغم من وجود كون واحد فقط يتكون من كتلة كاملة غير محدودة من المكونات.


شارك المقالة: