قصة أوشين جيزو

اقرأ في هذا المقال


يُعد المؤلف والأديب العالمي ياسوناري كاواباتا وهو من مواليد دولة اليابان من أشهر الكُتاب وأبرزهم في اليابان، حيث حصل على جائزة نوبل في الأدب سنة 1968م، وكانت قد نشر أول كتاباته في جامعة طوكيو، ومن أبرز القصص التي اشتهر بها هي قصة أوشين جيزو.

قصة أوشين جيزو

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول اللحظة التي تم بها وصول دليل السياحي الخاص بالمنطقة الذي يدعى أوشين جيزو، حيث كانت تلك المنطقة خلف منطقة النبع الحار، إذ توجد هناك شجرة كبيرة وضخمة للكستناء، كان يذكر في تلك المنطقة أن هناك امرأة تدعى أوشين توفي زوجها منذ فترة قريبة، وهي بعد وفاة زوجها وقد كانت ما زالت في مقتبل عمرها، إذ كانت تشارف على الرابعة والعشرين من عمرها، لم تفكر في الزواج مرة أخرى بعد وفاة زوجها، لكنها ما صارت إليه هو أنها أصبحت صديقة لكافة شباب القرية من دون استثناء واحد منهم.

إذ كانت تبدي الترحيب في كل شخص يحل في منزلها، وهنا كان الشباب ينظمون أدوار فيما بينهم لزيارتها، وحينما يبلغ أي صبي عمر معين ينظم إلى مجموعاتهم، وفي حال أقدم أي شاب على الزواج، فإنه يُرغم على الانسحاب من تلك المجموعات، وقد كان ينظم إلى تلك المجموعات أفراد من قرى أخرى قريبة على المنطقة.

كان كل الرجال الذين يترددون على ذلك الوادي الذي يوجد به منزل أوشين، وهو وادي يحيط به الجبال من جميع الجهات، يترتب عليهم عبور الجسر المعلق من أجل التنقل بين قراهم الصغيرة والوادي الذي تقطن به أوشين، فقد كان كل شباب تلك القرى الصغيرة قد قضوا مرحلتهم الشبابية بالتردد على وشين والمكوث في منزلها.

كان هناك فرق كبير بين أوشين جيزو وأوشين الفتاة، فقد كان أوشين جيزو الدليل السياحي رجل ذو رأس كبيرة محدبة وأصلع لا يوجد شعره على رأسه وبالكاد يستطيع الناس أن يروا عينيه وأنفه ومحياه، وقد كان الجميع ينظرون إليه بسخرية، فكثيراً ما يرددون أنه وكأنه تم العثور عليه من قِبل أحد الأشخاص في أحد المقابر القديمة وجاء به إلى تلك المنطقة، بينما أوشين الفتاة فقد كانت ملامحها تفوق مقاييس الجمال.

إذ كانت تمتلك وجه منير كالبدر وعينان جميلتان لامعتان تجذب كل من يحدق بهن، وجسم رشيق وناعم ومليئة بالحيوية والنشاط واللطف، بحيث تجعل كل من يراها لا يستطيع أن ينظر إلى امرأة أخرى سواها، وقد كانت تلك الصفات التي تتميز فيها لا توجد في أي من فتيات أو زوجات الشباب في كافة المنطقة ولا حتى في المناطق المجاورة.

وفي تلك المنطقة كان يوجد شجرة كستناء على الجانب الآخر من النزل، إذ بعد ان يخرجوا الشباب من المقاهي يتوجهون للجلوس في قاع تلك الشجرة للحديث والتسلية، وأثناء مرورهم من هناك كانوا إذا التقوا بأوشين جيزو يقومون بالمسح على صلعته بسخرية وضحك وهزل، وفي أحد الأيام رغب أوشين جيزو أن يجلس مع هؤلاء الشباب، حيث كان ذلك الوقت في فصل الصيف وفي أشد الشهور حرارة، ومن شدة الحرارة كانوا يأكلون الثلج وقد كانوا يقوموا بفعل ذلك بعد أن يزيلوا عنه الطبقة الخارجية، وأول ما تناوله أوشين جيزو سرعان ما تفه من فمه.

وهنا تساءل أحد الشباب عن السبب وراء تف أوشين جيزو للثلج، وهنا ذكر أنه يخاف أن هذا الثلج يكون قد أحضروه من منزل أوشين، فقد كان يسمع بالحياة التي تعيشها أوشين ويشمئز منها، لكن معظم الشباب أشاروا إلا أن هذا الثلج من صنع زوجاتهم، وفي ذلك الوقت أوشين جيزو كان يسمع مجرد سمع عن أوشين، لكنه لم راها على الاطلاق.

وفي يوم من الأيام بينما كان عائد من زيارة لإحدى المناطق التي يوصف بها شلالات جميلة جداً في ذلك الوادي أوقف عربة يقودها جياد من أجل أن يستقلها ويعود إلى المكان الذي كان ينزل به، وعندما اعتلى العربة تصلب نظرة، إذ شاهد فتاة ذات جمال براق واخاذ وهنا لم يقوى على منع نفسه من التحديق بها، وبدأ يتصفن في جمال وجهها ونظرات عيونها الثاقبة ونعومة بشرتها ورشاقة جسمها وكأنها ما زالت في أجمل مراحل ربيع العمر، ومع كل هذا لم يدرك بعد أن تلك المرأة هي أوشين.

وعند نزوله من العربة ظل يحدق نظره لمراقبة المكان الذي تسكن به تلك الفتاة، فلم يتمكن من سؤالها داخل العربة؛ لأن كانت تعتلي العربة معها سيدة عجوز إذ غادرت الفتاة وعبرت الجسر المعلق وهبطت باتجاه الوادي، ودخلت البيت الواقع خلف شجرة الكستناء، دهش من ذلك الأمر أوشين جيزو وأدرك حينها أنها ذات الفتاة التي تدعى أوشين، ونسي كل الانطباعات التي كان يكنها في تفكيره عن سمعتها، إذ شعر برضا حيال المصير التي تلقته الفتاة وهي أنها امرأة أرملة.

كان الدليل السياحي يندهش من جمال المرأة، إذ لم يرى أنه يحل بها السأم ولا اليأس، وعلى الرغم من عدد الرجال الذين تعرفهم عليهم، لم تفقد لون بشرتها المهيب ولم ينطفئ بريق عينيها، وكما أنها لم تفقد جمال رشاقتها، فعلى الرغم من أن هناك الكثير من الشباب الذي تحدثوا عن جماله أمامه، لكنه لم يكن يتصور على الاطلاق أنه بهذه الدرجة.

وبعد انقضاء فصل الصيف وقرب فصل الخريف، حيث كان موسم الصيد على وشك البدء أقبل أوشين جيزو إلى النزل الجبلي الذي تقطن به أوشين، كانت المجموعة في تلك الفترة قد توجهوا إلى الحديقة الخلفية، وكانت الطاهية تقوم بنفض أغصان شجرة الكستناء بعصا حتى تسقط الثمار، فسقطت على الأرض الثمار الخشنة.

التقطتها الخادمة وقشرتها وقامت بأكلها، وهنا عزم أوشين جيزو على إخراج بندقيته من جنبه وبدأ بالتصويب إلى أعلى شجرة الكستناء، وهنا تناثرت حبات الكستناء مثل حبات المطر تحت الشجرة، وهنا سرعان ما انطلق حوله الكلب الخاص لبيت أوشين وبدأ يعوي عليه بشكل مستمر، كما خرجت أوشين من منزلها وتوجهت نحوه، وعند رؤيته لها أخذ يردد ما زالت تتمتع باللون الوردي على وجهها على الرغم من أنها مضى على عمرها وقت طويل.

وفي لحظة من اللحظات خاف أن ينجر خلف عواطفه ومشاعره، فقد تعلق بجمالها لدرجة كبيرة حيث لم يقوى على إيقاف التفكير في جمالها، وفي تلك الأثناء عزم على إطلاق النار صوبها بشكل طلقات متتالية دون توقف، فصاحت جميع النساء في تلك المنطقة بصرخات انتصار وفوز على تلك المرأة التي طالما حرمتهن من العيش بسلام مع أزواجهن.


شارك المقالة: