من أروع العلاقات التي نعيشها هي علاقة الأخوة، خاصّة عندما تكون هذه العلاقة مليئة بالمحبة والمودة، سنحكي في قصة اليوم عن أخ قدّم لأخته الكثير من التضحيات، وكان لها كل العون والسند جزاء لمعروف صنعته معه في صغره.
قصة الإخوة:
كان هنالك فتاة تبلغ من العمر إحدى عشر عاماً واسمها سعاد، كانت تعيش في عائلة فقيرة الحال؛ حيث يعمل والدها في فلاحة الأرض التي كانت بالكاد تجلب لهم قوت يومهم؛ فهي أرض جافة صفراء، وفي يوم من الأيام رغبت سعاد في أن تشتري منديلاً كي تضعه على رأسها، الأمر الذي كانت باقي الفتيات تفعله، لم يكن أمامها خيار إلّا أن تذهب لخزانة أبيها وتسرق خمسين سنتاً.
عندما اكتشف الأب هذا الأمر غضب كثيراً، وقام باستدعاء ابنه وابنته وسألهما من أخذ المبلغ من الخزانة، كانت سعاد تقف هي وأخيها آدم أمام والدهما وهو يستمر بالسؤال: من سرق المبلغ وأين ذهب؟ ولكن لم تعترف بشيء فقال الأب: إن لم يعترف أحدكم بما فعل فسوف أعاقبكما كلاكما، شعرت سعاد بالخوف وفجأةً اقترب آدم من أبيه وقال: يا أبي أنا من فعلت ذلك؛ فبدأ الأب بضربه ضرباَ شديداً وشعرت سعاد بالحزن لأنّها هي من تستحق أن تعاقب.
شعرت سعاد بالحزن الشديد لما حدث لأخيها بسبب فعلتها، ولمّا ذهبت إلى النوم نامت في السرير، وبدأت تبكي وتبكي وتصرخ بالبكاء، ولكن أخيها شعر بأنّه قد أشفق عليها؛ فقام بوضع يده على فمها وقال: لا تقلقي يا أختي، لقد انتهى الأمر لا عليكِ، شعرت سعاد بالفخر الكبير بسبب المشاعر التي أحسّت بها، وكانت نابعة من قلب أخيها الحنون.
لقد كان أخيها يحاول أن يحميها خوفاً عليها من العقاب، وظلّت سعاد تلوم نفسها طوال الليل؛ بسبب عدم اعترافها بالحقيقة، وبسبب أنّها كانت السبب في أذية أخيها، آدم كان يبلغ من العمر ثمانية سنوات، وكان يدرس هو وأخته حتى وصل كلاهما للمرحلة الثانوية، وحصلا على درجات الامتياز في الدراسة.
كبر آدم وسعاد سوية حتى تم قبولهما بالجامعات، وكانت الجامعة التي تم قبول سعاد بها من الجامعات المميّزة، في ليلة من الليالي كان والد سعاد ووالدتها يجلسان في فناء المنزل، وسمعت حديث أبيها؛ حيث كان يقول لأمّها: لقد حصل ولدينا على درجات جيدة في الجامعة، وأنا لا أعلم كيف سنستطيع توفير لهم المصاريف التي تختص بالدراسة، كان آدم أيضاً يسمع حديث والديه، شعرت سعاد بالإحباط لما سمعته من والدها.
قرّر آدم أن يذهب لوالديه ويقف أمام أبيه ويقول: أنا لا أريد أن أدرس يا أبي، لا أرغب في إكمال دراستي، غضب الأب من كلام ابنه وقال له: لا أريد أن أسمع منك هذا الكلام يا بني، أريد أن أراك قوي الإرادة والإصرار، وأنا لا أحب أن أرى روحك مرهقة، ولا تقلق سأجعلك تدرس في الجامعة حتّى لو اضطررت أن أعمل ليلاً ونهاراً.
وبالفعل قام الأب باقتراض المال من أجل أن يكمل ابنه دراسته الجامعية، وقرّرت سعاد أن تخبر أخيها بأنّها لا تريد إكمال الدراسة وقالت لأخيها: أنا أريد أن أتزوج، أمّا أنت فعليك أن تدرس وتعمل حتى تقوم بمساعدة أبي في المصاريف، ولكن سعاد تفاجأت في اليوم التالي أن أخيها قد ترك لها رسالة وأخبرها بها أنّه يريد أن يوفّر لها النقود لكي تكمل الدراسة في الجامعة؛ وهذا من خلال البحث عن وظيفة له حتى يساعد أبيه وأخته.
اقترض الأب النقود وأكملت سعاد دراستها، وتخلّى آدم عن حلمه بإكمال الدراسة في سبيل أخته، التي كان قد أرسل لها النقود من وظيفة حصل عليها في مجال البناء، وصلت سعاد للسنة الثالثة في الدراسة الجامعية، وكانت تقيم في سكن طالبات جامعي، في يوم من الأيام جاءت إحدى زميلاتها وقالت لها: هنالك قروي يريد رؤيتك، تفاجأت سعاد بهذا الوصف، وعندما نظرت اكتشفت أن هذا هو أخيها آدم، وكان مليء بالغبار من آثار العمل.
كان آدم يخجل أن تراه زميلات أخته، ولكن أخته أخبرته أنّها لا تخجل منه بل هي تفتخر أن لها أخ مثله، وكان يحمل بيديه فراشة للشعر؛ فأعطاها لأخته وقال لها: لقد رأيت أغلب الفتيات يلبسن مثله، وقلت لا بد لكِ أن تحصلي على واحدة، في هذه الأثناء حضنت سعاد أخيها من شدة سعادتها به.
كبرت سعاد وتزوجّت، وكان زوجها يحب عائلتها؛ فدعاهم للعيش معهم في المدينة ولكنهم رفضوا، وبعد مدّة أصبح زوج سعاد مدير المصنع الذي يعمل به أخاها آدم، فعرض عليه أن يصبح رئيساً لقسم الصيانة، ولكن آدم رفض وأصر على الاستمرار بالعمل الحر، وفي يوم من الأيام كان آدم يعمل على أحد السلالم، وأصيب بصعقة كهربائية، فوقع على الأرض وتم إرساله إلى المستشفى.
أسرعت سعاد لزيارة أخيها بالمستشفى، وعندما رأته لامته على رفضه للعمل مع زوجها وقالت: لو أنك قبلت العمل مع زوجي لما تعرضت لهذا الحادث، فقال لها: ولكن عملي مع زوجك من دون شهادة سيعرّض زوجك للإشاعات، وأنا لا أريد أن أسبّب له أي ضرر.
بكت سعاد وزوجها، وتذكّرت تضحية أخيها من أجلها، ولكن آدم نظر لها وقال: لا تبكِي يا أختي الغالية، فلو عاد بي الزمن لفعلت ذلك مراراً وتكراراً، وأنا لست نادماً، كبر آدم وتزوّج فتاة من القرية، وعندما سأله أحدهم في يوم زفافه: من أغلى شخص لديك تحبه وتحترمه؟ قال: من دون تردّد أو تفكير: أختي سعاد.
كان آدم في هذا الوقت يستذكر أخته وهي عائدة من المدرسة، وكان هو يشعر بالبرد الشديد؛ فقامت بخلع قفازاتها وأعطتهم له، وكانت طريق العودة طويلة؛ ولكن بالرغم من ذلك تحملّت أخته ذلك من أجله، وأنا وعدتها بذلك اليوم أن أعتني بها طوال حياتي لما فعلته معي في هذا اليوم، وأن أكون سنداً وعوناً لها، صفّق الجميع لهذا الأخ العظيم، وانهمرت الدموع من سعاد لما سمعته من أخيها الذي أعطاها كل المحبة والتضحية جزاء هذا المعروف الصغير الذي صنعته له.