يُعتبر المؤلف والكاتب أرنست هيمنجواي وهو من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية من الكُتاب الذين أمضوا حياتهم في مدينة باريس، وعلى الرغم من أنه بدأ في التأليف وهو ما زال على مقاعد الدراسة، إلا أنّ الروايات والقصص التي قام بتأليفها لاقت صيت واسع حول العالم، فقد تم تصنيفها من روائع الأدب الأمريكي، ومن أكثر القصص التي اشتهر بها هي قصة الجسر.
نبذة عن القصة
يدور الموضوع في القصة حول أحد الجسور القديمة التي يتم من خلال توجيه الضربات العسكرية في المعارك الحربية بين العديد من الدول، وقد كان يدور محور الحديث بين رجل يبقى على الدوام منشغل في مراقبة الجسر وتقدمات العدو وبين رجل عجوز يقطن على الجسر يبقى كل تفكيره مركز على حيواناته التي أمره بها أحد الضباط أن يقوم بإبعادها عن ذلك المكان من أجل عملية سير المدفعيات، والتي يلازمه القلق والخوف على مصير حيواناته جراء الحرب التي سوف تقوم.
قصة الجسر
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول رجل في مرحلة الشيخوخة كان يلبس نظارة مصنوع إطارها من مادة الفولاذ، ويرتدي ثياب مليئة بالغبار على جانب إحدى الطرق في المنطقة، كان في ذات المنطقة جسر عائم تمت إقامته فوق نهر، حيث كانت تمر عبره الكثير من الشاحنات والعربات التي يعتليها رجال ونساء وأطفال.
كانت العربات التي يقودها الجنود في تلك الفترة تجر عن طريق البغال، حيث تصعد بشكل مائل نحو الضفة المنحدرة من الجسر، مما يجعل الجنود يساعدون في عملية دفعها من جهة عجلاتها الضخمة، بينما في تلك اللحظة تكون الشاحنات قد اعتلت ذلك المنحدر دون الحاجة إلى إلى دفعها وأصبحت بعيدة عن العربات، وكانت تلك العربات جراء وجود البغال تبعد عن طريقها كل الفلاحين الذين كانوا يتعبون من طول الطريق والتي أصبحت أقدامهم تغوص حتى منطقة الكاحل تحت التراب، لكن الرجل العجوز كان يجلس على حافة الطريق دون أي حركة، فقد كان متعب لدرجة كبيرة، وقد وصل إلى حد لا يتمكن بعده من السير في مسافة أطول من التي سار بها.
وفي تلك الأثناء كان هناك رجل مهمته أن يقوم بعبور الجسر وإلقاء نظرة استطلاعية من الجهة الأخرى لرأس الجسر، بحيث يتمكن من معرفة الحد الذي تقدم العدو عنده، وبالفعل أتم مهمته ورجع إلى الجسر، وفي تلك الأثناء لم يكن الجسر مزدحم بالشاحنات والعربات بل كان هناك فقط القليل جدًا من المشاة المارين عبر الجسر، وكان ما زال العجوز على مكانه، وهنا توجه الرجل إليه بالسؤال: من أين أنت أيها العجوز؟ أجاب العجوز: أنا من سان كارلوس وابتسم؛ فقد كانت تلك القرية التي يقام بها الجسر هي قريته، وأكمل حديثه بقوله كنت في الزمن القديم أعتني بالحيوانات، هنا لم يفهم الرجل ماذا يقصد العجوز بذلك لكنه لم يتطرق إلى طلب توضيح، وهنا أكمل العجوز قوله في أنه آخر رجل قام بمغادرة مدينته سان كارلوس.
ومن هنا أخذ الرجل يحدق في العجوز ويفكر في ذهنه أن العجوز لا تبدو عليه هيئة راعي غنم أو بقر، وتوجه بنظره نحو ثيابه المغبرة السوداء، ووجهه المليء كذلك بالغبار وشعره المليء بالشيب ونظارته المصنوعة من الفولاذ، ثم توجه إليه الرجل بالسؤال: أي نوع من الحيوانات كنت ترعاها فرد العجوز: حيوانات متنوعة وأخذ يهز برأسه وأكمل حديثه: كان ينبغي علي أن أتركها لأتفرغ من أجل مراقبة الجسر وأرض دلتا إيبرو، هنا تساءل الرجل مرة أخرى: أي نوع من الحيوانات كنت ترعى؟
بدأ العجوز يوضح الأمر للرجل فقال: كان هناك ثلاث أنواع من الحيوانات، كانت لدي اثنان من الماعز وهرة بالإضافة إلى أربعة أزواج من الحمام، سأله الرجل وهل اضطررت على بيعها؟ فأجاب: نعم وقد كان ذلك بسبب المدفعية، فقد طلب مني النقيب أن أرحل بسبب المدفعية، سأله الرجل بينما كان يحدق نظره باتجاه نهاية الجسر حيث كانت هناك آخر العربات المسرعة باتجاه منحدر الضفة: وهل لديك عائلة؟ فأجاب العجوز : لا فقط حيوانات التي ذكرتها لك، فالهرة سوف تكون في أمان فهي قادرة على تدبر أمرها، لكنني لا يمكنني أن أتخيل ماذا سوف يجري للحيوانات الأخرى.
عاد وسأله الرجل: ما هي سياستك؟ فرد أنه لا يتبع إلى أي سياسية على الاطلاق، وأخبره أنه أصبح في السادسة والسبعين من عمره، وأنه قطع ما يقارب اثنا عشر كيلو متر، ولا يقوى على تكمله مسيره مسافة أكثر من ذلك، فأخبره الرجل أن ذلك غير مناسب أبداً من أجل الاستمرار في التوقف فيه، بينما في حال تمكن من السير فهناك شاحنات على الطريق الفرعية المتجهة نحو مدينة تورتوسا، فأخبره العجوز أنه سوف يمكث قليلاً حتى يرتاح ثم بعد ذلك يسير في طريقه، وسأل: أين تذهب الشاحنات؟ فرد الرجل: باتجاه مدينة برشلونة.
وهنا بقي الرجل العجوز يحصر كل تفكيره في حيواناته، إذ بقي على الدوام يردد أنّ القطة سوف تكون على ما يرام، لكن ما الذي سوف يحل بحيواناتي الأخرى، وكأنه يريد شخص آخر يتشارك معه همومه، وهنا كان الرجل ما يزال يقوم بمراقبة العربات التي كانت تسير عبر الطريق، إذ وجد أنه لم يعد هناك أي عربة في الطريق، وهنا أخذ العجوز يردد أن جميع حيواناتي سوف تكون على ما يرام، وسأل الرجل: ماذا تراني أفعل الآن؟ وأين سوف أختبئ عن قصف المدفعية؟ فقد طلبوا منه الضباط أن يخلي المنطقة على الفور، وهنا نهض من أجل أن يقوم بإكمال مسيره.
وفي تلك اللحظة أخذ بالتمايل من جانب إلى آخر ولم يقوى على الاستمرار في الوقوف فأخذ مكان على جانب الطريق مليء بالتراب ورقد عليه، وبدأ يردد الحديث عن حيواناته، ولكن في هذه المرة لم يكن يوجه أي كلمة من كلامة نحو الرجل، بل أخذ يردد فيه مع نفسه، نظر إليه الرجل بحزن شديد، إذ لم يكن بيده أي أمر ممكن أن يقدمه له ويساعده فيه، وذلك اليوم بالتحديد كان يصادف يوم الأحد وهو ما يُعرف بأحد الفصح في تلك المنطقة.
إذ كان الفاشيون في تلك الفترة يتوجهون نحو مدينة إيبرو، وقد كان ذلك اليوم مليء بالغيوم الرمادية اللون والضباب يُعلي في السماء، وهذا ما جعل طائراتهم يتم منعها من الطيران، فالغيوم والضباب الرماديين يعيقان حركة الطيران بشكل كامل، وهنا أدرك الرجل أنه بالفعل القطط تعرف كيف يدبر أمورها كما كان يردد العجوز، وأدرك حتى أن محافظة العجوز على حيواناته قد منحنه الحظ في أن يبقى على قيد الحياة.