قصة الغلاف ذو الختم الأحمر

اقرأ في هذا المقال


يُعتبر المؤلف والأديب موريس لوبلان وهو من مواليد دولة فرنسا من أهم وأبرز الكُتاب الذين اشتهروا في كتابة القصص القصيرة والروايات، وقد كان يطغى على قصصه ورواياته أسلوب المغامرات، وقد تم تصنيف قصصه بالقصص البوليسية، ومن أشهر القصص التي لاقت صدى واسع حول العالم هي قصة الغلاف ذو الختم الأحمر.

قصة الغلاف ذو الختم الأحمر

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة في إحدى الليالي وعلى وجه الخصوص في ليلة الخامس والعشرون بعد موت امرأة تدعى جاكلين، حينها حاول زوجها والذي يدعى جيوم من تمالك الشجاعة على دخول إحدى الغرف التي طالما أحبها جداً، حيث كان يريد أن يشم  رائحة الماضي الذي كان يعيشه مع زوجته، على الأخص العطر الذي كان موجود في الرسائل القديمة بينهم، فبدأ بقراءة تلك الرسائل التي كان يكتبها لزوجته في الأوقات التي كانت الحياة فيها ترغمها على مفارقات قاسية.

فقد كانت جاكلين تحفظ بكافة الرسائل في إحدى علب الأبنوس التي كانت مطعمة بالصدف إذ لا يفارقها مفتاحها على الاطلاق، وعند فتح العلبة عثر بها مجموعة من حزم الرسائل مربوطة بخيوط مختلفة من حيث الألوان، فوجد كل حزمة لها علامة تميزها عن غيرها، على سبيل المثال كانت إحداهما مجموعة مكتوب جيوم حين كان في دولة الجزائر وعلى مجموعة ثانية جيوم حين كان في الجيش وهكذا، وكانت تحت هذه الحزم كراسة معروفة لجيوم وهي نوع من دفاتر اليوميات التي كانت جاكلين تقيد فيها إحساسها المشترك ومسراتهما وأحزانها.

لكن جيوم حين أخرج ذلك الدفتر تزحزحت قطعة من القطيفة كانت تغطي قاع العلبة، وحينما رفع تلك القطعة دهش بشكل كبير إذا وجد تحتها غلاف أصفر مختوم بخمسة من الأختام الحمر، إذ يبدو أنه يحتوي على مجموعة كبيرة من الأوراق، وعندما حدق جيداً  في الغلاف عرف خط زوجته، وهنا قرأ عليه هذه العبارة “يتم تسليمه بعد وفاتي إلى صديقتي هانرييت ديسيز”.

وهنا بدأ القلق يختلج داخله وسرعان ما قام جيوم بفتحه، على الرغم من أنه كان يتحلى بأخلاق عالية لأبعد الحدود وعلى الرغم أنه طول حياة جاكلين لم يفتح قط رسالة خاصة بها ولم يتدخل في أي أمر خاص بها، ولكنه فتحه بدون تردد وبدافع غزيرة الفضول التي تغلبت فيه على كل شيء وبسرعة فض الأختام ومزع الغلاف واتضح أنها رسائل رجل آخر تناولها ويديه ترتعش، إنها كانت تبتدئ بعزيزتي المعبودة حدق في الصفحة وفي الإمضاء فوجد أنه ختم رفائيل.

وفي تلك اللحظة أدرك كل شيء فقد كان الشخص الذي يدعى رفائيل دورميقال خلال الشهور التي سبقت مرضها يتردد على بيتهم، بل طالما كان حينما يدخل جيوم يلقى الرجل جالس بالقرب من جاكلين، فالآن قد فهم معنى صمتهما الذي كان يسببه لهما قدومه.

وعلى أثر ذلك حيث كانت الساعة تدق الحادية عشر مساء نهض على الفور وغادر الغرفة وتناول قبعته ومعطفه وتوجه إلى الطريق فاعتلى السيارة نحو نادي شارع كابوسين ودخل إليه فقابل هناك عدة طاولات مشغولة بلعبة الورق، وفي نهاية الممر كان هناك إحدى القاعات الكبيرة والتي كان متواجد فيها عدة أشخاص يلعبون لعبة البوكر، وسرعان ما وقع نظره على رفائيل فاقترب جيوم من الطاولة ورمى عليها بضع قطع من الذهب؛ حتى يدخل في اللعب معهم، وبعد دقائق قليلة شاهد الحضور أنه بدون أي مبرر بدأ يسب رفائيل بأفظع الكلمات، وفي النهاية تبادلا البطاقات واتفقا على تعيين شهود للمبارزة.

عاد بعد ذلك جيوم إلى بيته وتوجه نحو صورتي جاكلين الفوتوغرافيتين اللتين كانتا تزينان موقد غرفته ورمى بهما في النار، كذلك بدأ يرمي بقطعة إثر قطعة، وعلى أثر هذا نام نوماً هادئًا بعض الشيء، وعندما أفاق من نومه في اليوم التالي بقس ساكنًا لأنه كان يخيل إليه أنه قام بقتل تلك الميتة مرة أخرى، ما دام قد قتلها في نفسه إلى الأبد، وأن بقي كائنا واحدًا يمكن أن يذكره بهذه الخيانة وهو رفائيل وأن هذا الكائن يجب أن يموت حتى لا يبقى بعد ذلك شيء من الماضي.

وفي ذات اليوم اجتمع الشهود وفي تمام الساعة الرابعة حدثت المبارزة، وعندما التقى جيوم بخصمه شعر وكأن الغيظ منه والحقد عليه يقفزان داخله، وأن رفائيل يجب أن يتألم جزاء فعلته، وأنّ الحياة لن تكون ممكنة بالنسبة له ما دام جيروم على قيد الحياة، بدأ جيروم بمهاجمته مرتين على التوالي بعنف، مما اضطر الشهود إلى التفريق بينهما في المهاجمة الثالثة، وهنا انقض عليه واخترق جسمه بضربه من سيفه، فهوى وأسلم الروح لساعته، وبعد أن فارق جيوم أخذ يتجول في الغابة لمدة ساعة تقريباً ولم تكن أية فكرة تهيجه إذ ذاك.

فقد كان كل ما في الأمر أنه كان يشعر بأن عقله ثقيل مظلم ومضطرب لا يقوى على التفكير ميما صدر عنه، ففي تلك اللحظة لم يدرك أنه لا يزال يتألم من تلك الخيانة، أو أنه شفى غليل وحقده من غريمه، وفي ساعة متأخرة من الليل ذهب إلى منزله؛ حتى يحاول أن يرتاح قليلاً، وعند وصوله قدم إليه الخادم وأخبره أن هناك سيدة ترقد في حجرة الاستقبال منذ ساعة على الأقل إذ بقيت تنتظر وصوله.

وحينما توجه لمقابلتها وجد أنها هانرييت ديسيز، فقد كانت زوجته هي الصديقة الوفية لزوجته والتي كانت جاكلين تكتم أسرارها وتقوم بتسليمها رسائلها الغرامية، لم يكن جيوم قد شاهد تلك منذ لحظة وفاة زوجته؛ حيث أنها سرعان ما سافرت في اليوم الثاني، ووقد حصلت على حكم بالطلاق من زوجها، كما كانت السيدة هانرييت ترغب بالزواج بعد انقضاء العدة، وهنا بدأت بسؤاله هل وجدت بين أوراق جاكلين حزمة أوراق لي، فرد عليها: نعم لقد وجدت وقمت بإضرام النار بها، وفي تلك اللحظة بدأت تظهر على وجه هانرييت الكآبة، وقالت: لماذا؟ فقد كانت هذه الرسائل لي وجاكلين تحفظها لي بها، وهنا سألته: أم تقل لك جاكلين أنني مسكينة، كما أنني كنت أطلب منها أن تكتم سري لأبعد حد.

فزع جيروم من حديثها، وسألها: ماذا تقصد من حديثها؟ فردت: كنت انتظر الطلاق بفارغ الصبر، وقد كنت على الدوام أخاف أن تنكشف الرسائل، فقد كانت جاكلين هي الوحيدة التي كان بإمكانها الحفاظ على سري، فقال لها باستهجان:  أي سر تقصدين، وهنا أخبرته أنه لا يعلم شيئاً، وأنها تعشق أحد أصدقائك ،والذي كان يزوره كثيرًا، وهنا سرعان ما قال لها: أهو رفائيل؟ فأجابت: نعم هو، ولكنه لم يستوعب ما يقول لها إذ أدرك شيء فظيع، وعلى أثر ما كان يشك به قد وقع شيء أكثر رعباً سوف يترك أثر تعذيب في نفسه، أولاً من موت زوجته وثانياً قتله إلى رفائيل، الذي لم يعرف كيف يوصل خبر الفاجعة لتلك السيدة، فبقي يرتعش دون النطق بأي كلمة.


شارك المقالة: