يقع الأشخاص بخطأ الحكم على الآخرين من خلال مظهرهم أو لباسهم، ولكنّ حقيقة الأمر أن قيمة المرء الحقيقية تكمن فيما يمتلكه من علم ومعرفة، سنحكي في قصة اليوم عن مزارع كان المثل الأعلى لطلّابه اللذين كانوا يسخرون في بداية الأمر من مظهره، ولكنّهم عندما عرفوا كمية العلم الذي يمتلكه انحنى له الجميع احتراماً، وصار هو الأستاذ الذي يستفيد الطلّاب من علمه وخبرته، تابع المزيد من القراءة عزيز القارئ لتتعرف على أحداث القصة.
قصة المزارع العالم
في الأزمان القديمة كان هنالك رجل لديه أرض ويعمل كمزارع بسيط، ولكن هذا المزارع لم يكن مهتمّاً بأمور الفلاحة والزراعة فقط، بل كان يحب القراءة والمطالعة، لذلك يمتلك الكثير من العلوم والمعارف بمجالات مختلفة، وكان هذا المزارع لديه صفات غريبة تظهر بشكله الخارجي؛ حيث كان قصير القامة ويلبس عمامة فوق رأسه دائماً، ويحمل بيده عصا غليظة ويلبس حذاء كبير الحجم.
لم يكن أي أحد يصدّق أنّ المزارع البسيط بمظهره الغريب هذا رجل صاحب علم ومعرفة واسعة، بل كان يظنّ من يراه بأنّه مجرّد فلّاح بسيط ليس لديه معرفة إلّا بالأغنام، وكان هذا المزارع طالباً في أحد الجامعات، وكان يريد الحصول على درجة علمية عالية؛ لذلك عندما حان موعد الامتحان في الجامعة جهّز المزارع نفسه وذهب إلى قاعة الامتحان.
عندما دخل المزارع قاعة الامتحان وكان يوجد بها الكثير من الطلّاب، بدأوا ينظرون له باستغراب وصار كل منهم يهمس بأذن الآخر ساخراً من هذا الرجل الغريب وما الذي جاء به لقاعة الامتحان، ولكن المزارع لم يكن يأبه لأي منهم، ودخل قاعة الامتحان بكل هدوء وثقة.
وعندما دخل الأستاذ ليعطي للطلّاب أوراق الامتحان، صار الطلّاب يوجهّوا لهذا المزارع الأسئلة المحرجة والعتاب، ولكنّه لم يكن يرد على أي سؤال، بل كان يلتفت فقط للأستاذ والأسئلة ويركّز كيف سيجيب على هذه الأسئلة، كانت طبيعة الامتحان أن يقوم الممتحن بتوجيه الأسئلة للطلّاب بحسب الدور.
كان المزارع يراقب الطلّاب وكيف يجيبون على الأسئلة، وعندما حان دور المزارع، خرج أمام الطلّاب بكل ثقة، وحدثت المفاجأة أن هذا المزارع عندما بدأ بالتكلّم والإجابة على الأسئلة، صمت الجميع وبدأوا يلتفون لما يقوله المزارع، وكان الجميع يصغي لما يقوله وتوجهّت كل الأنظار إليه.
كان الممتحن يوجّه له الأسئلة واحداً تلو الآخر، وكان كلمّا يبدأ بالإجابة يقولها بكل دقّة وإحكام من غير أن يتلعثم بحرف واحد، فأعجب الممتحن وحتى جميع الموجودين بإجاباته التي ظهر في طيّاتها العلم والمعرفة والفضل الذي يمتلكه هذا المزارع، فصار الجميع ينحنون له احتراماً وتقديراً بداخلهم، وبعد الانتهاء من الامتحان كانت النتيجة هو حصول هذا المزارع على الدرجة الأولى بامتياز.
في ذلك الوقت ندم جميع الحاضرين على حكمهم عليه بالجهل والتخلّف، وأدركوا وقتها أن الإنسان لا يكون بمظهره ولبسه، بل يجب أن نحكم على الشخص من خلال معرفته وعلمه، وبعد هذا الموقف صار جميع الطلّاب يؤمنون بمقولة: (تكلّم حتى أراك).
كان هذا المزارع يعتني بمزرعته، ولكنّه يعطي لنفسه الوقت للقراءة والاطلّاع، وكان الطلّاب يزورون هذا المزارع من وقت لآخر ويجلسون معه ويستفيدون من علمه وخبرته، وكان هو رجل متواضع ويعطي لكل طالب ما يريده من علم أو خبرة، حتّى أنّه مع مرور الوقت صار يشكّل حلقات علم للطلّاب ويجلس معهم ويحدّثهم في كل مرّة عن مجال مختلف.
وبعدما خضع هذا المزارع لعدّة امتحانات استطاع بنهاية الأمر أن يحصل على شهادة الدكتوراة، وظلّ يطلب العلم حتى حصل على هذه الشهادة في مجالات مختلفة، وصار هو الأستاذ الذي يقوم بعمل الامتحانات للطلّاب، وكان الجميع يفتخرون به؛ إذ أنّه على الرغم من الدرجات العليا التي وصل لها في مجال العلم والمعرفة، إلّا أنّه لم يتخلّى عن مهنته التي كانت هي الأساس لما وصل له.
وكان المزارع دائماً يتحدّث عن مهنته في المزرعة، وكيف كان ينظّم وقته بين العمل والدراسة، وبذلك لم يكن الطلّاب يستفيدون من علمه وخبرته فقط، بل كان هذا المزارع هو المثل الأعلى لهم في كل شيء؛ حيث كان يحثّ الطلّاب دائماً على أهميّة العمل واستثمار الوقت، وأن العلم من دون عمل لا يكفي.