التعالي والغرور يلحقان بصاحبهما الضرر والأذى، سنحكي في قصة اليوم عن تاجر كان يتعامل مع الآخرين بأسلوب جيّد، ولكنّه عندما عمل صفقة وجنت له الأموال الكثيرة تغيّر وأصبح يتعالى على الآخرين، وصار يتفاخر ويتباهى بنفسه وبتجارته، ولكن سبّب له هذا الأمر الضرر من حيث لا يعلم، وخسر كل ما يملك.
قصة بلال والتاجر المغرور
في إحدى القرى يسكن رجل اسمه بلال، ومن المعروف أن هذا الرجل بسيط ومتواضع جدّاً، كان بلال قد اعتاد أن يمشي ويتجوّل في الأسواق كل يوم، وفي مرّة من المرّات وفي أثناء سيره بين المحلّات إذ قابل أحد التجّار، ألقى التاجر التحية على بلال ونادى عليه وقال له: هل تسمح لي ان أستشيرك ببعض الأمور؟ تفاجأ بلال من كلام التاجر وكان يقول في نفسه: وهل ترك هذا التاجر العقلاء من حوله حتّى يطلب استشارتي أنا؟ سأله: ما هي مشكلتك؟ أخبرني.
نظر له التاجر وقال: أنا أفكّر في تجارة تجني لي المال الوفير، وخطر بذهني أن أشتري بضاعة وأسعى لاحتكارها وأنتظر حتّى يرتفع سعرها، ماذا تقترح أن أشتري من البضاعة؟ نظر له بلال وقال: إن كان ولا بد تريد أن تفعل ذلك فعليك أن تحضر الفحم والحديد، نظر له التاجر وهو مبتسماً وشكره ومضى.
كان التاجر قد نوى أن ينفّذ ما قاله له بلال، واشترى كمّاً كبيراً من الفحم والحديد، احتكر تلك البضاعة لوقت طويل حتّى ارتفع ثمنها، وعندما أصبح ثمنها مناسباً قام ببيعها، وجنى من ذلك أموالاً طائلة، وأصبح من الأثرياء ومن أهمّ التجّار، ولكن عندما جنى تلك الأموال الكثيرة تغيّر حاله إلى الأسوأ؛ فقد أصبح يتعالى على الآخرين وقلبه مليء بالغرور والكبر.
كان هذا التاجر يمشي في الأسواق وينظر للناس بعين الازدراء والسخرية، وكان دائماً يتباهى بنفسه وبما يفعل، وفي مرّة من المرّات كان التاجر يمشي فقابل بلال الذي شار عليه باحتكار الفحم والحديد، نظر له التاجر ولكن هذه المرّة بسخرية وقال له: أيّها المجنون ماذا تفعل هنا، أريد استشارتك في أمر ضروري أخبرني ماذا أحتكر هذه المرّة لأجني أموالاً طائلة؟ غضب بلال من غرور هذا التاجر وأسلوبه السيء بالكلام وتجاهله.
أعاد التاجر السؤال على بلال؛ فقرّر بلال أن يردّ عليه، نظر له وقال: أنا سأخبرك ماذا تحتكر هذه المرّة، عليك بشراء الثوم والبصل فسوف تجني لك الكثير من الأموال، نظر التاجر لبلال وقال له: حسناً أيها الرجل المجنون، لا بدّ أن أمثالك يشعرون بالفخر عندما يسألهم تاجر ثري مثلي ويطلب مشورتهم.
تجاهل بلال حديث التاجر، ومضى التاجر وكان في نيّته أن ينفّذ ما قال له بلال، ذهب وقام بشراء كميّات كبيرة من الثوم والبصل، ومن شدّة طمعه في جني أموالاً أكثر، كان قد وضع كل ما يملك ثمناً للثوم والبصل، احتكر البضاعة وقام بتخزينها في مخزنه الكبير، انتظر مدّة طويلة حتّى يرتفع ثمنها، وعندما حان الوقت وأصبح ثمن الثوم والبصل مناسباً لبيعه، ذهب التاجر لمخزنه ولكنّه تفاجأ بأن بضاعته قد أصابها العفن؛ وذلك بسبب طول مدّة التخزين.
شعر التاجر بالحزن الشديد وصار يضرب الكفوف بيديه ويقول في نفسه: واحسرتاه لقد ضاعت أموالي، خسرت ثروتي، ماذا أفعل الآن، كان التاجر يريد أن يعضّ يديه من شدّة الغضب والندم، فجأةً تذكر التاجر بلال الذي شار عليه بتلك المشورة؛ فقرّر أن يبحث عنه في كل مكان ليجده.
مشى في السوق وعندما وجده أسرع وقال له: أيّها المجنون ما هذا الأمر الذي شرت به عليّ؟ ألا تعلم أننّي قد خسرت كل ما أملك بسبب اقتراحك هذا! هل تعلم بأنّني فقدت كل ما أملك بسببك؟ نظر له بلال وقال له بكل هدوء: أيّها التاجر عندما استشرتني في بداية الأمر كنت تحدّثني بصيغة العقلاء، ولم تنعتني بالمجنون، وبسبب ذلك شرت عليك ما يحكمه العقل، وتحدّث معك بطريقة العقلاء.
أمّا في المرّة الثانية فقد حدّثتني بصيغة المجانين، وأنا شرت عليك بما يشور به المجانين، فاعلم أن النفع والضر يختبئان تحت لسانك، لم يكن التاجر يدري ماذا سيفعل، أومأ برأسه من شدّة حزنه ومضى بعد أن لقّنه بلال درساً لن ينساه عن الغرور والتعالي وعدم التأدّب بالحديث مع الآخرين.