قصة توبة بلوندين والسلحفاة

اقرأ في هذا المقال


قصة توبة بلوندين والسلحفاة أو (Blondine Repentance) هي قصة خيالية من كتاب الحكايات الشعبية الفرنسية الطويلة، وكل قصة لها عدة فصول، للمؤلف، (Comtesse de Ségur)، نُشرت عام 1920، للناشر: شركة (Penn Publishing Company).

الشخصيّات:

  • بلوندين.
  • البقرة.
  • السلحفاة.
  • الضفدع.

قصة توبة بلوندين:

كانت بلوندين مذهولة! ظهر لها سلوكها السيء الآن بكل رعب، لقد أظهرت جحودًا فظيعًا تجاه الصديقات اللواتي كنّ مخلصات لها بحنان، واللواتي كرسنّ سبع سنوات لرعاية تعليمها، وتساءلت هل ستستقبلها تلك الصديقات الطيّبات، ويعفون عنها؟ وماذا سيكون مصيرها إذا أغلقنّ أبوابهن في وجهها؟ وبعد ذلك، ماذا تعني تلك الكلمات الفظيعة للببغاء الشرير: لقد تسببت في تدمير صديقاتك؟

استدارت بلوندين وأرادت أن تتبع خطواتها إلى قلعة بوني بيش، مزّقت الأشواك ذراعيها ووجهها بشكل رهيب، ومع ذلك، استمرت في شقّ طريقها بشجاعة عبر الغابة وبعد ثلاث ساعات من المشي الأكثر إيلامًا جاءت أمام قلعة بوني بيتش وبومينون، استولى عليها الرعب، عندما وجدت مكان المبنى الرائع خرابًا مروعًا بدلاً من الأشجار الرائعة والأزهار النادرة التي كانت تحيط به، لم يكن من الممكن رؤية سوى أشواك ونباتات تالفة.

كانت مرعوبة وحزينة للغاية، حاولت شقّ طريقها وسط الأنقاض، للبحث عن بعض المعرفة عن صديقاتها المخلصات، فخرج ضفدع كبير  من كومة من الحجارة تقدم أمامها، وقال: ما الذي تبحثين عنه؟ ألم تتسببي في موت أصدقائك بنكرانك الجميل؟ انطلقي! ولا تهيني ذاكرتهم بحضورك غير المرغوب فيه! صرخت بلوندين: واحسرتاه! صديقاتي المسكينات، بوني بيش وبومينون، لماذا لا يمكنني التكفير حتى بموتي عن المعاناة التي سببتها لهن؟

فسقطت على الحجارة والقرّاص وهي تبكي، كان حزنها وتوبتها مفرطين لدرجة أنّها لم تشعر بأطرافها المتجمدة في جسدها الرقيق، وبكت بغزارة طويلاً، ونهضت أخيرًا ونظرت حولها، على أمل أن تجد مأوى قد تلجأ إليه وهي تحدّق بهذا الخراب الكبير! قالت: حسنًا، دع الوحوش البرية تمزقني، دعني أموت من الجوع والعطش، إذا كان بإمكاني التكفير عن خطاياي هنا على قبر بوني بيش وبومينون!

وهي تتلفظ بهذه الكلمات، سمعت صوتًا ناعمًا يقول: التوبة الصادقة تكفر عن أبشع الجرائم، ورفعت رأسها ولم ترى سوى غراب أسود ضخم يطير فوقها، فقالت: واحسرتاه! إنّ توبتي مهما كانت صحيحة، مهما كانت مريرة، لا يمكن أن تعيد لي حياة عزيزتي بوني بيتش وبومينون! ثمّ قال الصوت مرة أخرى: الشجاعة، الشجاعة، يا بلوندين! عوّضي عن خطأك من خلال توبتك ولا تسمحي لنفسك بأن يسيطر الحزن عليكي تمامًا.

نهضت الأميرة المسكينة وغادرت مكان الخراب، اتبّعت مسارًا صغيرًا، حيث بدا أنّ الأشجار الكبيرة قد اقتلعت جذور العليق وكانت الأرض مغطاة بالطحالب، كانت مرهقة تمامًا من الحزن والتعب وسقطت عند سفح شجرة كبيرة، وهي تبكي بشفقة، فقال الصوت: الشجاعة، بلوندين! وقال صوت آخر: الشجاعة والأمل! ثمّ رأت بالقرب منها ضفدعًا فقط كان ينظر إليها برأفة.

قالت بلوندين: أيها الضفدع! يبدو أنّك تشفق على كربي! ماذا سيحل بي الآن بعد أن أصبحت وحدي ووحيدة في العالم؟ فقال الضفدع: الشجاعة والأمل! تنهدت بلوندين بعمق ونظرت حولها، على أمل اكتشاف بعض الأعشاب أو الفاكهة لإرضاء جوعها وعطشها، لم ترَ شيئًا وكانت دموعها تتدفق بقوة، ثمّ سمعت صوت الأجراس الذي بدد إلى حد ما أفكارها اليائسة حيث رأت بقرة جميلة تقترب منها برفق وببطء.

وعند وصولها بالقرب منها توقفت البقرة، وانحنت، وأظهرت لها طبقاً فضيًا متصلًا برقبتها بسلسلة من الذهب، كانت بلوندين ممتنة جدًا لهذا العون غير المتوقع، وفصلت عنها الصحن وحلبت البقرة وشربت الحليب الحلو بفرحة، وكأن البقرة الجميلة اللطيفة وقعت عليها لتحلّ محل صديقاتها، فقبلتها بلوندين بفرح، وقالت بحزن: شكرًا أيتها البقرة، إنّه بلا شك أنني مدينة لصديقاتي المسكينات اللواتي أتوقع أنهن سبباً في هذا العون الجديد.

وربما في عالم آخر وأفضل يمكنهن رؤية توبة بلوندين المسكينة ويرغبن في مساعدتها في وضعها المخيف، وقال صوت رقيق: التوبة الحقيقية تنال العفو عن كل العيوب، صاحت بلوندين: سنوات الحزن والبكاء على جرائمي لن تكفي! لا يمكنني أبدًا العفو عن نفسي!وفي غضون ذلك، اقترب الليل، وعلى الرغم من معاناتها، بدأت بلوندين في التفكير في بعض الوسائل لتأمين نفسها من الوحوش البرية الشرسة التي اعتقدت بالفعل أنها سمعتها من بعيد.

رأت أمامها بعض الدرجات التي تؤدي إلى كوخًا يتكون من عدة أشجار تنمو بالقرب من بعضها وتتشابك أغصانها، أدخلت رأسها، ووجدت أنه من خلال ربط بعض الفروع بعناية يمكنها تشكيل ملاذ جميل وآمن، وظفّت ما تبقى من اليوم في ترتيب هذه الغرفة الصغيرة وجمعت كمية من الطحالب، صنعت بها سريرًا ووسادة، وأخفت مدخل هذا الكوخ الصغير ببعض الأغصان والأوراق المكسورة وذهبت للراحة.

كانت متهالكة تمامًا من الأسف والتعب، وعندما استيقظت بلوندين كان وضح النهار، وفي البداية كانت بالكاد قادرة على جمع أفكارها وفهم موقفها، لكنّ الحقائق المحزنة لها سرعان ما كانت واضحة لها وبدأت في البكاء كما كانت من قبل، كانت بلوندين جائعة، ولم تستطع أن تتخيل كيف ستؤمن الطعام، لكنّها سرعان ما سمعت صوت أجراس البقر.

وفي لحظات قليلة، وقفت البقرة بالقرب منها، وسحبت بلوندين الحليب وشربت حتى هدأ جوعها، ثم ودّعت البقرة على أمل رؤيتها مرة أخرى خلال النهار، وكل يوم في الصباح والظهيرة والمساء، كانت البقرة تأتي لتعرض على بلوندين طعامها، وقضت بلوندين الوقت في البكاء على صديقاتها، وكانت توبّخ نفسها بمراره على جرائمها، وقالت لنفسها: لقد تسببت في أفظع المصائب التي لا أستطيع إصلاحها.

لم أفقد فقط صديقاتي الطيبات والحقيقيات، لكنني أصبحت محرومة من الوسيلة الوحيدة العثور على والدي، والدي المسكين الذي ربما لا يزال يتوقع حضور بلوندين، أكثر فتاة تعيسة، ومحكوم عليها بالعيش والموت بمفردها في هذه الغابة المخيفة حيث تحكمها الجنيّة الشريرة، سعت بلوندين لتسلية وتوظيف نفسها بكل طريقة ممكنة، كان منزلها الصغير مرتبًا بشكل أنيق، وكانت الطحالب والأوراق الطازجة تتكون من أريكتها البسيطة.

كانت قد ربطت بعض الأغصان معًا وشكّلت مقعدًا وصنعت لنفسها بعض الخيوط من القنب الذي نما بالقرب من كوخها الصغير، وبهذه الأدوات أصلحت حذائها، وبهذه الطريقة البسيطة عاشت بلوندين لمدة ستة أشهر، كان حزنها دائمًا هو نفسه، وهذا فقط للقول إنها لم تكن حياتها الحزينة والانفرادية هي التي جعلتها حزينة ولكن ندمها الصادق على خطأها ايضاً.

كانت ستوافق عن طيب خاطر على أن تمضي حياتها في الغابة إذا كان بإمكانها إعادة الحياة إلى بوني يتش وبومينون، وذات يوم جلست بلوندين عند مدخل كوخها، تتأمل بحزن كالمعتاد، وتفكر في  صديقائها المفقودات ووالدها، عندما رأت أمامها سلحفاة ضخمة، قالت السلحفاة: بلوندين، إذا وضعت نفسك تحت حمايتي، فسوف أخرجك من هذه الغابة.

قالت بلوندين: ولماذا، سيدتي، يجب أن أسعى لمغادرة هذه الغابة؟ هنا تسببت في وفاة أصدقائي وهنا أتمنى أن أموت، قالت السلحفاة: هل أنت متأكدة من موتهم يا بلوندين؟  قالت بلوندين: ماذا تقصدين؟ هل من الممكن أن أخدع؟ ولكنني رأيت أنقاض قلعتهم، وقال الببغاء عن موتهم، أنت سلحفاة طيبة وترغبين في مواساتي بلا شك ولكن، للأسف لن أراهما مرة أخرى.

ولو أنهم ما زالوا على قيد الحياة لما تركوني وحدي مع اليأس المخيف من التسبب في موتهم، فقالت السلحفاة: ربما أنهنّ قد تركنك لأنهن تعرضنّ لسلطة أكبر من قوتهن، أنت تعلمين بلوندين، أنّ التوبة الحقيقية ستنال العفو عن العديد من الجرائم، فقالت بلوندين: آه! سيدتي السلحفاة، إذا كنّ لا يزلنّ على قيد الحياة، لو  تعطيني أخبارًا عنهن.

لو كنتِ تستطيعينَ أن تؤكدي لي أنني لم أعد بحاجة إلى توبيخ نفسي بموتهم، فطمأنيني أنني سأراهنّ مرة أخرى يومًا ما، قالت السلحفاة: ليس مسموحًا لي أن أفصح لك عن مصير صديقاتك، ولكن إذا كانت لديك الشجاعة للبقاء على ظهري لمدة ستة أشهر وعدم توجيه سؤال واحد إليّ أثناء الرحلة، فسأوجهك إلى مكان حيث سيتم الكشف عن كل شيء.

قالت بلوندين: أعدك بكل ما تطلبينه سيدتي السلحفاة، بشرط أن أعلم فقط ما حدث مع صديقاتي، قالت السلحفاة: اعتني بنفسك يا بلوندين! وفكري جيدًا، ستة أشهر دون أن تنزلي من ظهري ودون أن تسأليني سؤالاً واحدًا! وعندما تقبلي الشروط بعدما نبدأ رحلتنا، إذا لم تكن لديك الشجاعة لتحمل هذا حتّى النهاية، ستبقي إلى الأبد في سلطة الساحر بيروكيه، وأخته روز.

وأنا لا أستطيع حتّى الاستمرار في منحك القليل من المساعدة، فقالت بلوندين: دعينا نذهب، سيدتي السلحفاة، دعينا نرحل على الفور، أفضل الموت من الجوع والتعب بدلاً من الحزن وعدم اليقين، لقد جلبت كلماتك الأمل لقلبي المسكين، ولديّ الشجاعة للقيام حتّى برحلة أكثر صعوبة مما تتحدثي عنه، فقالت السلحفاة:  اصعدي على ظهري، ولا تخافي من الجوع ولا العطش ولا البرد ولا أشعة الشمس ولا أي حادث خلال رحلتنا الطويلة.

لن تعاني من أي إزعاج طالما استمريت بالصمت، ركبت بلوندين على ظهر السلحفاة، وقالت: الآن، صمت! ولا كلمة واحدة حتى نصل.


شارك المقالة: