قصة جليش

اقرأ في هذا المقال


قصة جليش أو (Guleesh) هي حكاية شعبية لشعب سلتيك، للمؤلف جوزيف جاكوبس، نشرت عام (1892)، نشرها أبناء جي بي بوتنام .

الشخصيات:

  • جليش.
  • الأميرة.
  • الكاهن.

قصة جليش:

كان هناك صبي في مقاطعة مايو اسمه جليش، وكان عادةً يجلس على ضفة العشب الجميلة التي تدور حوله، وفي إحدى الليالي وقف ينظر إلى السماء ويراقب القمر الجميل فوق رأسه، وبعد أن كان يقف على هذا النحو لبضع ساعات، قال في نفسه: كم هو حزني مرير لأنني لم أخرج من هذا المكان.

سأكون قريباً في أي مكان في العالم غير هذا المكان، ثمّ قال: حسنًا بالنسبة لك، أيها القمر تدور وتدور كما تحب، ولا يمكن لأي رجل أن يوقفك، أتمنى أن أكون مثلك.

وبالكاد خرجت الكلمة من فمه عندما سمع ضجيجًا عظيمًا قادمًا مثل صوت كثير من الناس يركضون معًا ويتحدثون ويضحكون، وكان الصوت يمر به مثل دوامة الرياح، وكان يستمع إلى أحدهم وهو يقول: موشا سعيد بما فيه الكفاية، وسأتبعك.

وعلى الرغم من أنّه لم يكن يعرف في البداية لمن مصدر الصوت، لكنّه تبعهم، وهناك سمعهم ينادون: فولبارني، وفولبورني، وراب لاي هووتا، وروليا بوليا، وكان كل رجل منهم يصرخ بصوت عالٍ قدر استطاعته: حصاني واللجام والسرج!

قال جليش: هذا ليس سيئًا، سأقلدهم وصرخ أيضًا: حصاني واللجام  والسرج! وفي تلك اللحظة كان يقف أمامه حصان جميل بلجام من ذهب وسرج من الفضة حيث قفز عليه وفي اللحظة التي كان فيها على ظهره، رأى بوضوح أنّ المكان مليء بالخيول ورجال صغار يركبونها.

قال له رجل منهم: أتيت معنا الليلة يا جليش؟ قال: بالتأكيد، قال الرجل الصغير: إن كنت كذلك، تعال وأخرج معنا سنركب مثل الريح، أسرع من أي حصان رأيته، وأسرع من الثعلب وكلاب الصيد في ذيله، ثمّ انتقلوا حتى وصلوا إلى حافة البحر.

ثم قال كل واحد منهم: مرحبًا بكم! مرحبًا! وفي تلك اللحظة كانا في الهواء ، وقبل أن يتاح لجليش الوقت لتذكر مكانه، عادوا إلى اليابسة مرة أخرى، وكانوا يسيرون كالريح، وأخيراً وقفوا، فقال رجل منهم لجليش: يا جليش، أتدري أين أنت الآن؟

قال جليش: لست أعلم، قال: أنت في فرنسا يا جليش، ابنة ملك فرنسا يجب أن تتزوج الليلة، أجمل امرأة رأتها الشمس على الإطلاق ويجب أن نبذل قصارى جهدنا لإحضارها معنا، وأنت يجب أن تأتي معنا حتى نتمكن من وضع الفتاة الصغيرة خلفك على الحصان عندما سنأخذها بعيدًا.

لأنه ليس من القانوني لنا أن نجلسها خلفنا، لكنك من لحم ودم، ويمكنها أن تمسك بك جيدًا حتى لا تسقط من على الحصان، هل أنت راضٍ يا جليش، وهل ستفعل ما نقول لك؟ قال جليش: لماذا لا أكون راضيا؟ أنا راضٍ بالتأكيد، وأي شيء تخبرني به سأفعله دون شك.

ثمّ نزلوا من خيولهم هناك، وقال رجل منهم كلمة لم يفهمها جليش، وفي لحظة وجد جليش نفسه ورفاقه في القصر، كانت هناك وليمة عظيمة تقام هناك،  وجميع النبلاء في المملكة مرتدين الحرير والذهب والفضة، كان الليل مشرقًا مثل النهار مع جميع المصابيح، وهناك مائة ممتلئة باللحم والشراب، الموسيقيون على طرفي القاعة، وكان هناك شابات وشباب رائعون يرقصون.

كان الحفل يقام ثلاثة أيام، وفي الليلة الثالثة كان من المقرر أن تتزوج ابنة الملك، وكانت تلك الليلة التي جاء فيها جليش والجنيين، على أمل أن يحملوا معهم ابنة الملك الصغيرة إذا استطاعوا.

وعندما رأى جليش ابنة الملك، كاد أن تصاب بالعمى من شدة جمالها، ولكن عندما نظر مرة أخرى رأى أنها كانت تبكي، وأنّه كان هناك أثر للدموع في عينيها، قال جليش: كيف يمكن أن يكون هناك حزن عليها، عندما يكون كل من حولها مليئًا بالفرح.

قال الرجل الصغير لجليش: حزينة، لأنّها تتزوج ضد إرادتها، ولا تحب الرجل الذي ستتزوجه، أشفق جليش على الشابة كثيرًا عندما سمع ذلك، وكان حزينًا عليها، ولكنّه لم يتفوه بكلمة واحدة.

بدأ يفكر، إذاً فيما يجب عليه فعله لإنقاذها، وكان يقول في نفسه: إذا كان بإمكاني فقط أن أقدم لها بعض المساعدة، فلن أهتم بما إذا كنت على قيد الحياة أو ميتًا، لكنني لا أرى شيئًا يمكنني فعله من أجلها.

كان ينظر إليها عندما جاء إليها ابن الملك وطلب منها قبلة، لكنّها حولت رأسها عنه، شعر جليش بالشفقة عليها عندما رأى الفتى يأخذها من يدها الناعمة، ويسحبها للرقص، وعندما انتهى الرقص، تقدم الملك العجوز ووالدتها الملكة وقالوا إنّ هذا هو الوقت المناسب للزواج منها، وأنّ الأسقف جاهز، وقد حان الوقت لوضع خاتم الزواج.

وأخذت الملكة ابنتها وصعدوا معًا إلى المذبح، وتبعهم الشعب العظيم، وعندما اقتربوا من المذبح،مدّ الرجل الصغير قدمه أمام الفتاة فسقطت، و قبل أن تتمكن من النهوض مرة أخرى ألقى عليها شيئًا كان في يده، وقال بضع كلمات وفي لحظة غادرت الفتاة.

لم يعد أحد يستطيع رؤيتها، لأنّ هذه الكلمة جعلتها غير مرئية، أمسكها الرجل الصغير و وضعها خلف جليش، ولم يرهم الملك ولا أحد، بل خرجوا معهم عبر القاعة حتى وصلوا إلى الباب.

وكان الجميع يبحث عنها واستمر الجميع بالبكاء والتفتيش، ثمّ خرج جميع الجنيين من باب القصر دون أن يتوقفوا ولم يرهم أحد، وفي اللحظة التي كان الحصان يقف على أهبة الاستعداد أمامه، قال الرجل الصغير: الآن، اقفز يا جليش وضع السيدة خلفك، وسنذهب، الصباح ليس بعيدًا عنا الآن.

وبعدما انطلقوا التفت جليش إلى الشابة وقال لها: الحمد لله، لقد ذهبوا. ولكن لم تعطه الشابة أي إجابة، قال جليش في عقله: لا يزال هناك حزن في قلبها بعد، ثمّ التفت إليها وقال: سيدتي، إذا كان هناك أي شيء يمكنني القيام به من أجلك، أخبرني وسأكون خادمك.

بقيت الفتاة الجميلة صامتة، ولكن كانت الدموع في عينيها، ثمّ قال جليش: سيدتي، أخبرني ماذا تريدين مني أن أفعل الآن، لم أنتمي مطلقًا إلى هذا العدد الكبير من المتسللين الذين أخذوك معهم بعيدًا، أنا ابن مزارع نزيه، وذهبت معهم دون أن أعرف ذلك.

إذا أردت إعادتك إلى والدك، فسأفعل ذلك، ولكنّها بقيت صامتة: قال جليش: لا يمكن أن تكوني غبية، ألم أسمعك تتحدثين إلى ابن الملك في القصر هذه الليلة؟ أو هل جعلك هذا الشيطان غبية حقًا؟

رفعت الفتاة يدها، ووضعت إصبعها على لسانها لتظهر له أنها فقدت صوتها وقوة الكلام، وانهمرت الدموع من عينيها، ثمّ بدأ يفكر بنفسه فيما يجب أن يفعله، ولم يحب أن يأخذها إلى منزل والده، لأنّه كان يعلم جيدًا أنهم لن يصدقوه، بأنّه كان في فرنسا وأعاد معه ابنة ملك فرنسا، وكان يخشى أن يسخروا من الشابة أو يهينونها.

بينما كان يشك في ما يجب أن يفعله، ومترددًا، صادف أن تذكر الكاهن، ثمّ قال: أنا أعرف الآن ما سأفعله، سأحضرها إلى بيت الكاهن، ولن يرفض أن يبقى السيدة عنده ويعتني بها، ثمّ التفت إلى السيدة مرة أخرى وأخبرها أنّ هناك كاهن ممتاز ودود للغاية والذي سيهتم بها جيدًا، إذا أرادت البقاء في منزله.

ثنت رأسها لتظهر له أنها مستعدة لتتبعه في أي مكان يذهب إليه، وقال: نذهب إلى بيت الكاهن، إنه ملزم تجاهي، وسيفعل أي شيء أطلبه منه، وذهبوا معًا وفقًا لذلك إلى بيت الكاهن، و عندما وصلوا إلى الباب وطرقه جليش، وبمجرد أن فتحه الكاهن، تساءل عندما رأى جليش والفتاة، لأنّه كان واثقًا من أنها قادمة راغبة في الزواج.

قال جليش: أبي، لم آتي للزواج، لقد جئت إليك أطلب منك إذا سمحت، أن تمنح مسكنًا في منزلك لهذه الشابة، أدخلهم الكاهن وقال: الآن يا جليش  أخبرني حقًا من هذه الشابة، قال جليش: أنا لا أقول كلمة كذب، ولا أمازحك سيدي، لكنّها كانت من قصر ملك فرنسا، وقد حملت هذه السيدة وهي ابنة ملك فرنسا.

وبعدما أخبر الكاهن بالقصة كاملة، كان الكاهن متفاجئًا جدًا لدرجة أنه لم يستطع التكلم، ولكنّه وافق على استقبال الفتاة، وعاد جليش إلى المنزل وعندما سأله قومه عن مكانه، قال أنه كان نائمًا عند سفح الخندق، وقد قضى الليل هناك.

كان جليش يذهب إلى منزل الكاهن ويتحدث معه، وكلما كان يأتي، كان يأمل في العثور على الشابة وهي تتكلم، لكن بقيت صامتة، وبقيت تحرك يدها وأصابعها، وتفتح فمها وتغلقه، وتضحك أو تبتسم، ولم يمض وقت طويل حتى فهموا بعضهم البعض جيدًا.

كان جليش يفكر دائمًا في كيفية إعادتها إلى والدها، ولكن لم يكن هناك من يذهب معها، وهو نفسه لا يعرف الطريق الذي يجب أن يسلكه،كان هذا هو الحال لعدة أشهر، وكان جليش يتعمق في حبها كل يوم، وكان من الواضح لنفسه وللكاهن أنها تحبه.

لذلك قضوا لمدة عام  مع بعضهم، إلى أن جاء يوم كان فيه جليش مستلقيًا على العشب، في اليوم الأخير من الشهر الأخير في الخريف، وكان يفكر مرة أخرى في ذهنه بكل ما حدث له من يوم ذهابه مع الجنيين عبر البحر.

ثمّ تذكر فجأة أنه في إحدى ليالي تشرين الثاني كان يقف عند باب المنزل ، عندما جاءت الزوبعة والجنيين فيها، وقال في نفسه: لدينا ليلة نوفمبر مرة أخرى اليوم، وسأقف في نفس المكان الذي كنت فيه العام الماضي حتى أرى ما إذا كان الأشخاص الطيبون سيأتون مرة أخرى.

ربما قد أرى أو أسمع شيئًا قد يكون مفيدًا لي، وقد يعيد الأميرة إلى حالتها السابقة، وأخبر الكاهن بنيته، فأعطاه الكاهن بركته، بناءً على ذلك ذهب جليش إلى باب منزله منتظرًا حتى حلول منتصف الليل، ثمّ وقف هناك لمدة ساعة، وفجأة سمع صوت البحارة الجنيين.

ثم صرخ كل واحد منهم: حصاني واللجام والسرج! فتشجع جليش وصرخ بصوت عالٍ مثلهم، ثمّ صرخ رجل آخر: جليش، ابني هل أنت هنا معنا مرة أخرى؟ كيف تتعامل مع امرأتك؟ فأخبره جليش أنها حزينة ولا تتتحدث، فقال الرجل: هناك عشبًا ينمو بجانب باب منزلك، قم بغليها وأعطها إياها، وستكون بخير.

وبعد ذلك طاروا في الهواء وتركوا جليش واقفا حيث وجدوه، ثمّ عاد إلى المنزل،وبحث جيدًا عبر العشب المحيط بالمنزل، محاولًا الحصول على أي عشب لم يتعرف عليه من قبل،ثمّ لاحظ عشبًا غريبًا كبيرًا كان ينمو بجوار  المنزل.

قام بسحب سكينه وقطع النبات ونقله إلى منزله، وأخرج منه عصيراً كان أشبه بالزيت، ثمّ ذهب إلى منزل الكاهن ومعه الشراب في يده، وأخبرهم  أنّ هناك قوة كبيرة في تلك العشبة، لأنّه جربها بنفسه واستفاد منها، ثمّ شربت الفتاة منه، ونامت طوال اليوم.

وعندما استيقظت شعرت بالدهشة عندما رأت جليش والكاهن في نفس الغرفة معها وجلست وهي تبذل قصارى جهدها لجمع أفكارها، قال لها الكاهن: هل نمت جيدًا؟ أجابته: أنا نمت، شكرًا.

ما إن سمعها جليش تتحدث حتى أطلق صيحة فرح منه، وركض نحوها ووقع على ركبتيه، وقال: الحمد لله الذي أعاد الحديث لك يا سيدة قلبي، تحدثي معي مرة أخرى.

كان جليش مستعدًا للموت برضا وسعادة، ثمّ أحضروا لها طعامها، وأكلت بشهية طيبة، ولم تتوقف أبدًا عن الحديث مع الكاهن أثناء تناول الطعام، وكان جليش يأتي بعد ذلك إلى المنزل من يوم لآخر، وتزايدت الصداقة التي كانت بينه وبين ابنة الملك وتزوجا بعد فترة وعاشا معاً بسعادة.


شارك المقالة: