يُعتبر الشاعر والمترجم الأدبي عبدالله قحور وهو من مواليد دولة أوزبكستان من أشهر الكُتاب الذين خاضوا في مجال كتابة القصص القصيرة والروايات والشعر، وقد انتقل للعيش في دولة روسيا في مدينة موسكو وبقي فيها إلى أن توفي هناك، ومن أبرز القصص التي اشتهر بها قصة حلم الصغير، ونظراً للمكانة التي كانت تحتلها كتاباته ومؤلفاته فقد تمت ترجمتها إلى اللغة الأوزبكية.
قصة حلم الصغير
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول سيدة عجوز كانت قد بلغت سن الشيخوخة، وكانت تلك السيدة تعمل قديماً كمعلمة في المنطقة، وكانت تمتاز بذاكرة قوية جداً لا تستطيع أن تنسأ ولا تخطئ على الاطلاق، وقد كانت أكثر ما يتردد على ذاكرتها هي صورة وجوة الطلاب التي كانت تعلمهم في المدرسة، وكانت كانت ذاكرتها أيضاً تذكر أسماء الطلاب بالاسم الثلاثي الكامل، إذ كانت تذكر تلك الأسماء بشكل مستمر وبدون مناسبة؛ ولذلك لمدى تعلقها بهؤلاء الأطفال في ذلك الوقت.
ومع مرور السنين كانت تلك المعلمة العجوز كلما التقت بأحد طلابها والذين أصبحوا شباباً ورجالاً تتذكر الأحلام الطفولية التي كانوا يخبرونها بها، إذ كان الطلاب يخبرون معلمتهم بأحلامهم حول المستقبل وماذا يحبون أن يصبحوا، وكانت تتساءل على الدوام يا هل ترى قد حققوا أحلامهم وطموحاتهم التي كانوا يسعون إليها، أم أنّ تلك الأحلام قد تبددت مع مرور السنوات وأصبحت مجرد أحلام طفولة تناست مع الوقت.
وفي أحد الأيام شاهدت وجه أحد طلابها، وقد كان ما زال ذلك الصغير في نظرها، والذي كان يبدو من ملامح وجهه البريئة وكأنه لم يتجاوز التاسعة من العمر، وقد كانت تحب ملامحه جداً، فأخذت تتأمله وتتأمل مبسمه، وتوجهت نحوه وهي تتكئ على عكازها، وأخذت توجه سبابتها إلى وجه، وأخذت بسؤاله: ما اسمك؟ فرد عليها: مصطفى، وهنا كررت عليه سؤال: ما اسمك بالكامل؟ فأجابها: أنه مصطفى محمود علوان.
وهنا كان قد قالها الشاب وهو مستغرب من سؤال المرأة العجوز، إذ لم يكن يتذكرها في ذلك الوقت، فهزت المرأة العجوز برأسها وهي تبتسم وقالت: إذاً إنه ابن محمود علوان، إنني أتذكره جيداً فقد كان ذلك الصبي عبقري وذكي جداً، وفي نفس الوقت كان مشاكس، كما تذكرت في تلك الأثناء أنّ ذلك الصبي قد كان زميل إلى حفيدها في المرحلة المدرسية.
كانت في كل مرة المعلمة العجوز تلعن ذاكرتها، إذ أنها لم تنسى أي شخص أو أي حدث على الاطلاق، وقد كانت تشير إلى أنها تجاوزت الستين من عمرها ولم تصب بأي خلل في تلك الذاكرة، وفي أحد الأيام توجهت العجوز برفقة ابنتها إلى أحد الصيدليات حتى تتمكن من شراء دواء الذي كان قد وصفه لها الطبيب من أجل مرض القلب الذي كانت تعاني منه، وفي تلك الأثناء رقدت العجوز على كرسي في الشارع حتى تنتظر ابنتها، وهنا لفت انتباه المعلمة أن هناك جدار قديم البناء يكاد يسقط وقد شاهدت عليه صورة لوجه كان قد مرّ على ذاكرتها من قبل.
وهنا حاولت المعلمة التوجه نحو الجدار وتفحص الوجه جيداً، وكانت تشير إلى أنها لا ترى جيداً فقد نسيت نظارتها في المنزل، وهنا بدأ بتحسس ملامح الوجه بيدها كان اسم الشخص مكتوب تحته، لكنه لم تشاء أن تنزل إلى الاسم وقراءته إذ أرادت أن تختبر ذاكرتها وتعرفه بنفسها، وهنا جاءت ابنتها وأخذت بسحب والدتها عن الجدار محاولة في ذلك أن لا تتذكر والدتها تلك الصورة وتتعرف على ذلك الوجه، وقد غطت الابنة بيدها على الاسم، لكن محاولة البنت لم تنجح وتعرفت المعلمة على صورة الوجه وقالت إنه يعود لشاب يعرف باسم محمود علوان فما زال يحتفظ بنفس الابتسامة، وهنا رفعت كف ابنتها عن الجدار وقالت المعلمة: لكنه لم يكن هذا حلمه.
وهنا أمسكت الابنة بيد والدتها وتوجها نحو المنزل، لكن المعلمة أصيبت بحالة من اليأس والإحباط ودخلت الكآبة إلى قلبها جراء مشاهدتها تلك صورة وذلك الوجه، وقد بدأت وكأنه اعتلتها الهموم وبدأت ترتكز على كتف ابنتها وأخذت تردد هذا لم يكن حلمه على الإطلاق، بل كان حلمه أن يحصد أعلى الشهادات، وهنا أشارت بيدها إلى ابنتها وقالت: حتى الأحلام تتغير يا ابنتي مع الوقت فلن تبقى الأحلام كما هي في يوم من الأيام.