قصة قصيدة أبدا تحن إليكم الأرواح
أمّا عن مناسبة قصيدة “أبدا تحن إليكم الأرواح” فيروى بأن رجلًا يقال له يحيى الغوثاني قد رافق الشيخ محمد سعيد الطنطاوي على مدى خمسة وثلاثين عامًا، وخلال هذه الأعوام لم يكد يمر يوم من غير أن يراه في مسجد من مساجد مكة المكرمة يدعى مسجد الفقيه، فيجلس معه ويأخذ منه ما أتاه الله من علم، وبعد أن يكملوا مجلس العلم، وتحين ساعة الصلاة، يصلون، ومن ثم يتوجه الشيخ الطنطاوي إلى بيته، وكان الغوثاني ومعه مجموعة من تلامذة الشيخ يصحبونه إلى بيته، وكانوا في بعض الأحيان يدخلون معه إلى بيته، فيتناولون أطراف الحديث، وفي يوم خطر للغوثاني أن يسجل ما يسمع من الطنطاوي، فأصبح كلما عاد إلى منزله بعد إيصال الطنطاوي إلى بيته، يأخذ يسجل جميع ما سمع من الشيخ في ذلك اليوم.
وفي يوم من الأيام مرض الشيخ الطنطاوي، وبدأ يراجع المستشفى كل مدة من الزمن، وبعد مدة اضطر الشيخ إلى ملازمة المستشفى، فزاره تلامذته، وكان منهم الغوثاني، وعندما دخلوا إلى غرفته كان يردد بيتًا من الشعر للشاعر السهروردي، وفيه قال:
أَبداً تَحنُّ إِلَيكُمُ الأَرواحُ
وَوِصالُكُم رَيحانُها وَالراحُ
وعندما جلسوا طلب الطنطاوي من أحد تلامذته أن يكمل هذه القصيدة، فأخذ ينشد قائلًا:
وَقُلوبُ أَهلِ وِدادكم تَشتاقُكُم
وَإِلى لَذيذ لقائكم تَرتاحُ
وَا رَحمةً للعاشِقينَ تَكلّفوا
سرّ المَحبّةِ وَالهَوى فَضّاحُ
بِالسرِّ إِن باحوا تُباحُ دِماؤُهم
وَكَذا دِماءُ العاشِقينَ تُباحُ
وَإِذا هُم كَتَموا تَحَدّث عَنهُم
عِندَ الوشاةِ المَدمعُ السَفّاحُ
أَحبابنا ماذا الَّذي أَفسدتمُ
بِجفائكم غَير الفَسادِ صَلاحُ
خَفضَ الجَناح لَكُم وَلَيسَ عَلَيكُم
لِلصَبّ في خَفضِ الجَناح جُناحُ
وَبَدَت شَواهِدُ للسّقامِ عَلَيهمُ
فيها لِمُشكل أمّهم إِيضاحُ
فَإِلى لِقاكم نَفسهُ مُرتاحةٌ
وَإِلى رِضاكُم طَرفه طَمّاحُ
عودوا بِنورِ الوَصلِ مِن غَسَق الدُّجى
فَالهَجرُ لَيلٌ وَالوصالُ صَباحُ
صافاهُمُ فَصَفوا لَهُ فَقُلوبهم
في نُورِها المِشكاةُ وَالمِصباحُ
وكان يردد أبياتًا من قصيدة لابن الفارض قال فيها:
شَرِبْنَا على ذكْرِ الحبيبِ مُدامَةً
سكِرْنَا بها من قبل أن يُخلق الكَرْمُ
لها البدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يُدِيرُهَا
هلالٌ وكم يبدو إذا مُزِجَتْ نَجم
ولولا شذَاها ما اهتدَيتُ لِحانِها
ولولا سَناها ما تصَوّرها الوَهْمُ
ولم يُبْقِ منها الدّهْرُ غيرَ حُشاشَةٍ
كأنّ خَفاها في صُدور النُّهى كتْم
فإن ذُكرَتْ في الحَيّ أصبحَ أهلُهُ
نَشاوى ولا عارٌ عليهمْ ولا إثم
نبذة عن السهروردي المقتول
هو أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك، شهاب الدين، يلقب بالسهروردي، وهو فيلسوف، ولد في سهرورد إحدى قرى العراق.