قصة قصيدة ألا يا نسيم الريح من تل راهط
أمّا عن مناسبة قصيدة “ألا يا نسيم الريح من تل راهط” فيروى بأن ابن عنين وهو شاعر من شعراء العصر الأيوبي كان شاعرًا كثير الهجاء، ولم يكن أحدًا يسلم من لسانه ومن شعره، وبسبب ذلك قام صلاح الدين الأيوبي بنفيه من دمشق، وبعد أن خرج من مدينة دمشق طاف العديد من البلدان، فسافر إلى العراق، وإلى شبه الجزيرة العربية، ومن ثم زار بلاد ما وراء النهر، ومن ثم سافر إلى الهند، وكان يومها ملكًا عليها سيف الإسلام بن أيوب، أخو صلاح الدين الأيوبي، وأقام هنالك مدة من الزمن.
ومن بعد ذلك عاد إلى الحجاز، ومن ثم سافر إلى مصر، ومن بعدها عاد إلى دمشق، وعلى الرغم من عودته إلى دمشق، إلا أنه بقي يتردد إلى البلدان التي زارها من قبل، وفي يوم سافر إلى الهند، وأنشد وهو هنالك قائلًا:
أَلا يا نَسيمَ الريحِ مِن تَلِ راهِطٍ
وَرَوضِ الحِمى كَيفَ اِهتَدَيتَ إِلى الهِندِ
تَسدَيتنا وَالبَحرُ دونَكَ مَعرِض
وَبيدٌ تَحاماها جَوازي المَها الرُبدِ
فَأَصبَحَ طِيبُ الهِندِ يَخفى مَكانُهُ
حَياءً وَلا يَبدو شَذا العَنبَرِ الوَردِ
أَأَهلُ الحِمى خَصوكَ مِنهُم بِنَفحَةٍ
فَأَصبَحتَ مُعتَلَّ الصَّبا عطرَ البُردِ
لَئِن جَمَعَت بَيني وَبَينَهُمُ النوى
فَأَيُّ يَدٍ مَشكورَةٍ لِلنَوى عِندي
فَما زالَتِ الأَيّامُ تُمهي شِفارَها
وَتَشحَذُ حَتّى اِستَأصَلَت كُلَّ ما عِندي
فَأَقبَلتُ أَجتابُ البِلادَ كَأَنَّني
قَذىً حالَ دونَ النَومِ في أَعيُنٍ رُمدِ
فَلَم يَبقَ حَزنٌ ما تَوَقَّلتُ متنَهُ
وَلَم يَبقَ سَهلٌ ما جَرَرتُ بِهِ بُردي
أَكِدُّ وَيُكدي الدَهرُ في كُلِّ مَطلَبٍ
فَيا بُؤسَ حَظّي كَم أَكِدُّ وَكَم يُكدي
وبينما هو هنالك كتب إلى أخيه معاتبًا إياه على جفاه، قائلًا:
سامَحتُ كُتبَكَ في القَطيعَةِ عالماً
أَنَّ الصَحيفَةَ أَعوَزَت من حامِلِ
وَعَذَرتُ طَيفَكَ في الجَفاءِ لِأَنَّه
يَسري فَيُصبِحُ دونَنا بِمَراحِلِ
نبذة عن ابن عنين
هو أبو المحاسن حمد بن نصر الله من مكارم بن الحسن بن عنين، وهو أحد أعظم الشعراء في عصره، ولد في مدينة دمشق في سوريا في عام خمسمائة وتسعة وأربعون للهجرة، وتوفي فيها في عام ستمائة وثلاثون للهجرة.