على مر التاريخ كان للمسلمين هيبة في عيون أعدائهم، فكانوا أصحاب هيبة ووقار، وكان يدب الرعب في نفوس من أمامهم، ومن ذلك ما حصل مع الوفد الذي بعثه قتيبة بن مسلم إلى ملك الصين، الذي سوف نقص عليكم قصته اليوم.
من هو سوادة بن عبد الملك السلولي؟
هو سوادة بن عبد الملك بن عبد العزيز السلولي اليمامي، شاعر من شعراء العصر الأموي.
قصة قصيدة لا عيب في الوفد الذين بعثتهم
أما عن مناسبة قصيدة “لا عيب في الوفد الذين بعثتهم” فيروى بأنه بعد أن قام قتيبة بن مسلم بفتح كاشغر، قام ملك الصين ببعث كتاب له، وطلب منه أن يبعث له رجلًا يخبره عن المسلمين وعن دينهم، فاختار قتيبة عشرة رجال أصحاب بأس وعقل وصلاح، ومنهم رجل يقال له هبيرة الكلابي، وأمرهم بأن يعلموه عندما يدخلون إلى مجلسه بأنه قد أقسم بأن لا يعود حتى يطأ بلاده، ويجبي منهم الخراج.
فسار الرجال حتى وصلوا إلى قصر ملك الصين، وتوقفوا قبل أن يصلوه فلبسوا المطرز من ثيابهم، وتطيبوا بأجمل الروائح، ومن ثم دخلوا إلى مجلسه، وكان عنده كبار قومه، فجلسوا، ولكن لم يكلمهم أحد من الحاضرين، فنهضوا، وعندها قال الملك لكبار قومه: كيف رأيتموهم؟، فقالوا له: لم نر رجالًا، وإنما رأينا نساء.
وفي اليوم التالي لبسوا الوشي والعمائم، ودخلوا إلى مجلسه، وعندها أمرهم الملك بالرجوع، فعادوا، فقال لمن عنده: كيف رأيتموهم؟، فقالوا له: أشبه بالرجال من الأمس، وفي اليوم الثالث لبسوا ثيابًا واسعة، وأخذوا سيوفهم ورماحهم، ودخلوا إلى مجلس الملك، ووقفوا أمامه، فكانوا كأنهم جبال، فقال لمن عنده: كيف ترونهم؟، فقالوا له: لم نر مثل هؤلاء من قبل.
وفي المساء بعث الملك يطلب كبيرهم، فتوجه هبيرة إلى مجلسه، ودخل عليه، فقال له الملك: لقد رأيت ملكي، وأن لا أحد من العرب مني، وإني سائلك عن أمر، فإن كذبت قتلتك، لم ارتديتم ملابس مختلفة في الثلاثة أيام التي دخلتم فيها إلى مجلسي؟، فقال له: أما اليوم الأول فهو ما نرتديه في أهلنا، والثاني ما نرتديه إذا دخلنا إلى أمراءنا، وأما الثالث فهو ما نرتديه إذا لقينا عدونا.
فقال له الملك: قل لصاحبك أن ينصرف من بلادي، فإن عدد من معه قليل، وإن لم يفعل فسوف أبعث له من يقتله هو ومن معه، فقال له هبيرة: كيف يكون عدد من معه قليل، وجيشه أوله عندكم وآخره في غصن الزيتون، وأما عن تخويفك لنا، فإن لكل منا أجل، إن أتى فلا يوجد له من مؤخر، وعندما سمع الملك هذا الكلام عاد إلى صوابه، واعتدل في كلامه، وقال له: ما الذي يرضي صاحبك؟، فقال له: لقد أقسم أن لا يعود إلا وقد داس أرضكم، وأخذ منكم الجزية.
فقال له الملك: سوف أخرجه عن يمينه، بأن أبعث له تراب أرضنا فيدوس عليه، وأبعث له بجزية سوف يرضاها، وبعث له بهدية وأربعة من أبناء الملوك، وبعث معهم الجزية، فأتوا إلى قتيبة، فقبل الجزية، وداس على التراب، وفي خبر ذلك أنشد سوادة بن عبد الملك السلولي، قائلًا:
لا عيب في الوفد الذين بعثتهم
للصين إن سلكوا طريق المنهج
كسروا الجفون على القذى خوف الردى
حاشا الكريم هبيرة بن مشمرج
يمدح الشاعر هبيرة ومن معه من رجال في وقوفهم أمام ملك الصين ودب الرعب في قلبه من جيش المسلمين.
لم يرض غير الختم في أعناقهم
ورهائن دفعت بحمل سمرج
أدى رسالتك التي استرعيته
وأتاك من حنث اليمين بمخرج
الخلاصة من قصة القصيدة: بعث قتيبة بن مسلم بوفد من عنده إلى ملك الصين، وكان لهم دور في رضوخ ملك الصين، وقبوله شروط قتيبة.