قصة قصيدة ماذا ببغداد من طيب أفانين
أمّا عن مناسبة قصيدة “ماذا ببغداد من طيب أفانين” فيروى بأن الخليفة العباسي أبو جعفر هارون الثاني الواثق بالله بن محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد كان قد أقام خارج بغداد لمدة من الزمان، وكان ذلك في فصل الصيف، وأطال المكوث خارج بغداد، فقد أعجب بطيب هواء المدينة التي أقام فيها، ونسماتها الرقيقة.
وبينما هو هنالك اشتاقت زوجته إلى مدينة بغداد، وأخذت تفكر في طريقة تجعله يعود إلى بغداد، فاهتدت إلى أن تقوم بجمع جميع الشعراء وطلبت منهم أن يقوموا بوصف مدينة بغداد وجمالها بأبيات من الشعر، على أن تقوم هذه الأبيات بزرع الحنين في قلب أمير المؤمنين، فعاد كل الشعراء إلى منازلهم، وأخذوا ينظمون أبياتًا من الشعر في وصف بغداد، ودخلوا إلى مجلس الخليفة وأخذوا ينشدونها الواحد تلو الآخر، ولكن أحدًا منهم لم يتمكن من جعله يحن إلى بغداد، حتى دخل الشاعر عمارة بن عقيل، وأنشد بين يديه أبياتًا من الشعر قال فيها:
ماذا ببغداد من طيب أفانين
ومن عجائب للدنيا وللدين
ما بين قطربل فالكرخ نرجسة
تندى ومنبت خيري ونسرين
تحيا النفوس إذا أرواحها نفحت
وحرشت بين أوراق الرياحين
سقياً لتلك القصور الشاهقات وما
تخفي من البقر الأنسية العين
تستن دجلة فيما بينها فترى
دهم السفين تعالا كالبراذين
مناظر ذات أبواب مفتحة
أنيقة بزخاريف وتزيين
فيها القصور التي تهوي بأجنحة
بالزائرين الى القوم المزورين
من كل حراقة يعلو فقارتها
قصر من الساج عال ذو أساطين
وعندما سمع الخليفة ما أنشد عمارة بن عقيل اشتاق إلى بغداد، وخرج من فوره عائدًا إليها، وأما عمارة بن عقيل فقد نال جائزة من زوجة الخليفة، وهي عبارة عن جوهرة ثمينة أعطتها له، ومن ثم بعثت برجل إليه، وقام بشرائها منه بثلاثمائة ألف درهم.
نبذة عن عمارة بن عقيل
عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير بن عطية الكلبي اليربوعي التميمي، وهو واحد من الشعراء المقدمين في العصر العباسي، ولد في مدينة اليمامة في شبه الجزيرة العربية في عام مائة واثنان وثمانين للهجرة، وكان يسكن في بادية البصرة، اتصل بالعديد من الخلفاء العباسيين، وهو من أحفاد الشاعر جرير بن عطية.