قصة قصيدة نعم القتيل إذا الرياح تناوحت
أمّا عن مناسبة قصيدة “نعم القتيل إذا الرياح تناوحت” فيروى بأنه في يوم من الأيام صلى أمير المؤمنين أبو بكر الصديق رضي الله عنه صلاة الفجر بالمسلمين، وعندما انتهى من الصلاة، وجلس، والتف إلى المسلمين، وقف من بينهم رجل يقال له متمم بن نويرة، وكان جالسًا في آخر صفوف المصلين، وكان يومها رجلًا أعورًا قبيحًا، واتكأ على عصا كانت معه، ومن ثم أخذ ينشد قائلًا:
نعم القتيلُ إذا الرياحُ تناوحَت
تحت الإزار قتلت يا ابن الأزور
أدعوتَهُ باللهِ ثم قتلتَهُ
لو هو دعاك بذمةٍ لم يغدر
ومن ثم أومأ لأبي بكر الصديق، فقال له أبو بكر: والله إنك لم تدعه، ولم تغدر به، وعندما سمع متمم هذه الكلمات من أبي بكر وضع رأسه على عصاه، وأخذ يبكي بكاءً شديدًا حتى دمعت عينه العوراء، ومن ثم أكمل شعره قائلًا:
لا يضمرُ الفحشاءَ تحت ردائه
حُلو شمائلُهُ عفيف المئزر
ولَنِعمَ حشوَ الدرعِ أنت وحاسراً
ولَنشعمَ مأوى الطارقِ المتنور
سَمح باذناب المخاض اذا شتا
طَلقٌ حلالُ المالِ غير عذور
فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والله إنني كنت أود أن ترثي أخي بمثل ما قلت في أخاك، فقال له متمم بن نويرة: والله لو لم أكن أعلم بأن أخي صار بمثل ما صار أخوك ما قمت برثائه، أي أن أخا عمر قد مات شهيدًا، فقال له عمر: والله إن أحدًا لم يعزيني بموت أخي بمثل ما عزيتني أنت.
ويروى بأن متمم بن نويرة كان كلما مر من أمام قبر، وكلما ذكر أحدهم الموت في خضرته، كان يقول: يا مالك، ثم يبدأ بالبكاء، وفي خبر ذلك يقول:
لقد لامني عند القبور على البكا
رفيقي لتذرافِ الدموع السوافكِ
أمِن أجلِ قبرٍ بالملا أنت نائحٌ
على كلّ قبرٍ أو على كلّ هالك
فقال اتبكي كل قبرٍ رأيته
لقبرٍ ثوى بين اللّوى فالدكادك
فقلتُ له ان الشجا يبعثُ الشجا
فدعني فهذا كلُّه قبر مالكِ
ألَم تَرَه فينا يقسِّمُ مالَهُ
وتأوى اليه مرملاتُ الضرائك
فآخِرُ آياتٍ مُناخ مطيةٍ
ورحلٍ علافيّ على متن حارك
فلما استوى كالبدر بين شعوبه
وأمَّت بهاديها فجاج المهالك
بعينيّ قطاميّ تأوَّبَ مَرقباً
فبات به كانّهُ عين فارك
نبذة عن متمم بن نويرة
هو متمم بن نويرة بن جمرة بن شداد اليربوعي التميمي، صحابي وشاعر، أسلم وحسن إسلامه، ومن أبرز أغراضه الشعرية الرثاء.