قصة قصيدة وكثنا كزوج من قطا في مفازة
أمّا عن مناسبة قصيدة “وكثنا كزوج من قطا في مفازة” فيروى بأن أبا دلامة اتفق في يوم من الأيام مع زوجته أم دلامة على أن يخرج هو إلى الخليفة المهدي، ويخبره بأنها قد توفيت، وينعيها أمامه، وتخرج هي صوب الخيزران وتنعيه أمامه، فوافقت، وخرج الاثنان، فأتى هو إلى مجلس المهدي، ورد عليه السلام، وهو يبكي، ومن ثم أخذ ينشد قائلًا:
وَكثنَّا كَزَوجٍ مِن قَطَا في مَفَازَةٍ
لَدَى خَفضِ عَيشٍ ناعِمٍ مُونِقٍ رَغدِ
فأفرَدَني رَيبُ الزَّمَانِ بِصَرفِهِ
ولم أرَ شيئاً قَطُّ أوحَشَ مِن فَردِ
فقال له المهدي: ما بك، ما الذي حصل، ولما تبكي هكذا؟، فقال له: لقد توفيت زوجتي أم دلامة، وإني لا أملك المال لكي أجهزها، وأحتاج لأن أفعل ذلك، فقال له الخليفة: حسنًا، لك ذلك، وأمر له بالمال الذي يحتاجه، فشكره، وأخذ المال، وخرج منصرفًا.
ومن ثم أتت زوجته إلى مجلس الخيزران، ودخلت عليه، وردت عليه السلام، وقالت له: إن زوجي قد مضى إلى سبيله، فحزنت الخيزران عليها، وأمرت له بثياب وطيب، وأمرت لها بما تحتاج من المال لتجهيز زوجها، فشكرتها، وأخذت ما أعطتها، وخرجت منصرفة.
وفي المساء وعندما دخل المهدي إلى زوجته، قالت له: يا أمير المؤمنين، لإن أبا دلامة قد توفي، أدامك الله يا أمير المؤمنين، وكانت زوجته عندي اليوم، فأعطيتها ما يلزم لكي تجهز زوجها، فقال لها أمير المؤمنين: إن أم دلامة قد توفيت، وكان عندي زوجها اليوم، فأعطيته ما يحتاج لكي يقوم بتجهيزها، فتعجب الاثنان مما حصل، ولم يصدقا، فقرر الخليفة الخروج مع زوجته إلى بيت أبي دلامة.
وعندما دخل الخليفة وزوجته إلى بيت ابي دلامة، وجدوه هو وزوجته ممددان على الأرض في وسط البيت، فقال الخليفة لزوجته: لا بد من أن زوجته قد ماتت قبله، فقالت له زوجته: لا بل هو الذي مات قبلها يا أمير المؤمنين، فقال لها: وكيف يكون ذلك وأنا رأيته قبل قليل في مجلسي، واشتد الخصام بين الاثنان، فقال الخليفة: أقسم بالله بأني سوف أعطي من يطلعني على حقيقة أمرهما خمسة آلاف درهم، وعندما سمع أبو دلامة ذلك، نهض من فوره، وقال له: لقد توفيت زوجتي قبلي يا مولاي، فضحك الخليفة وأمر له بالمال.
نبذة عن أبي دلامة
هو زند بن الجون، شاعر ساخر من شعراء العصر العباسي، ولد في مدينة الكوفة في العراق، وعاصر ثلاثة من خلفاء بني العباس وهم السفاح والمنصور والمهدي.