قصة قصيدة ولقد قلت لابنتي وهي تكوي

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة ولقد قلت لابنتي وهي تكوي

شهد تاريخنا العديد من الفرسان الشجعان الذين لم يكونوا يخاوفون من الموت، ومن هؤلاء الشجعان شاعرنا مالك بن الريب الذي ابتدأ حياته كقاطع للطرق، ومن ثم أصبح من أشج المقاتلين في سبيل الله تعالى.

أما عن مناسبة قصيدة “ولقد قلت لابنتي وهي تكوي” فيروى بأن مالك بن الريب كان شجاعًا لا يهاب الموت، وفي زمنه كان المسلمون يحاربون في الفتوحات الإسلامية، وكان يمكن له أن يكون من بين المقاتلين وأن يشارك كمقاتل شرس في تلك الحروب لو أن قلبه اهتدى إلى الطريق الصحيح، ولكنه أصبح قاطع طريق بسبب الحالة التي كان يمر بها، فقد كان متزوجًا وله ابنة، وعنده أمه التي كانت لا تملك سواه، وكانت طاعنة في السن، فوجد نفسه مجبرًا على أن يصبح قاطع طريق، لكي يؤمن لهم ما يحتاجون، وشكل جماعة، كانت تشمل على بعض الرجال الذين كانوا من شجعان العرب، وكانوا على الرغم من عددهم القليل يروعون الناس، فوصلت شهرتهم إلى أولياء الأمر الذين حاولوا القضاء عليهم، ولكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك، ولكن مالك كان مختلفًا عن باقي جماعته حيث كان وسيمًا حسن الهندام.

وقد عمل والي المدينة المنورة مروان بن الحكم على القضاء على تلك الجماعة، وبعث إليهم بعدة حملات من الجنود، ولكنها فشلت، وكادت إحداها أن تنجح، حيث تمكن الجنود بالإمساك بجميع أعضاء العصابة ماعدا مالك بن الريب، ولكن مالك استطاع أن يقتل الجنود، ويحررهم.

ومن ثم انتقل هو ومن معه إلى حدود العراق، والطريق المؤدية إلى خراسان، وفي يوم من الأيام كان سعيد بن عثمان بن عفان في طريقه إلى خراسان، حيث ولاه معاوية بن أبي سفيان عليها، فلقي مالك بن الريب، وقال له: ويحك، ما الذي يجعل تفعل ما لا يرضي الله ولا يتفق مع تعاليم الإسلام، فقال له مالك: وماذا علي أن أفعل؟، فقال له: رجل بمثل وسامتك وشجاعتك، كيف تطيق أن تكون لصًا وقاطع طريق؟، فقال له مالك: العوز والفقر، فإني لا أملك شيئًا، وعندي عائلة كبيرة، فقال له سعيد: لم تفت الفرصة بعد، بإمكانك أن تصلح نفسك، وتكون مع المجاهدين في سبيل الله، فقال له: كيف، وأنا قاطع طريق؟، فقال له: تب إلى الله، وجاهد في سبيله، فقال له: وهل يقبل الله توبتي؟، فقال له: إنه غفور رحيم، فقال له: وأنا مستعد للجهاد في سبيله، فأخذه معه إلى خراسان.

فرافقه إلى خراسان، وقاتل مع المسلمين، وأبلى البلاء الحسن، ومن ثم عاد إلى المدينة المنورة مع سعيد، وبينما هو عائد إلى المدينة، لدغته أفعى فمرض مرضًا شديدًا، وبدأ يموت تدريجيًا، فترك معه سعيد رجلين لكي يخدماه حتى يتوفى، فأخذا يخدمانه، ويرفعون من معنويته، ولكنه لم يكن يخاف الموت.

تذكر مالك ابنته قبل أن يموت، والتي كانت تبكي، بينما كان خارجًا من بيته، وأمسكت بثوبه لعلها تمنعه من الخروج، فأخذ ينشد قائلًا:

وَلَقَد قُلتُ لابنَتي وَهيَ تَكوي
بِدَخيلِ الهُمومِ قَلباً كَئيبا

وَهيَ تَذري مِنَ الدُموعِ عَلى الخَدْ
دَينِ مِن لَوعَةِ الفِراقِ غُروبا

يتذكر الشاعر في هذين البيتين ابنته التي أمسكت بثوبه بينما كان خارجًا وهي تبكي وتحاول منعه من الخروج.

عَبراتٍ يَكدنَ يَجرَحنَ ما جُزنَ
بِهِ أَو يَدَعنَ فيهِ نُدوبا

حَذَرَ الحَتفِ أَن يصيبَ أَباها
وَيُلاقي في غَيرِ أَهلٍ شَعوبا

أُسكُتي قَد حَزَزتِ بِالدَمعِ قَلبي
طالَما حَزَّ دَمعُكُنَّ القُلوبا

فَعَسى اللَّهُ أَن يُدافِعَ عَنّي
رَيبَ ما تَحذرينَ حَتّى أَؤوبا

لَيسَ شَيءٌ يَشاؤُهُ ذو المَعالي
بعَزيزٍ عَلَيهِ فَاِدعي المُجيبا

وَدَعي أَن تُقَطّعي الآنَ قَلبي
أَو تريني في رِحلَتي تَعذيبا

أَنا في قَبضَةِ الإِلَهِ إِذا كُنتُ
بَعيداً أَو كُنتُ مِنكِ قَريبا

كَم رَأَينا اِمرأً أَتى مِن بَعيدٍ
وَمُقيماً على الفِراشِ أُصيبا

نبذة عن مالك بن الريب

مالك بن الريب التميمي شاعر من شعراء العصر الأموي، من بني مازن بن عمرو بن تميم، نشأ في نجد وهو أحد فرسان بني مازن.

الخلاصة: كان مالك بن الريب شجاعًا وفارسًا لا يهاب الموت، وكان قاطع طريق، وفي يوم التقى بسعيد بن عثمان بن عفان وهو في طريقه إلى خراسان، ودار بينهما حديث، فتوقف عن قطع الطرق، وسافر إلى خراسان مع سعيد، وقاتل في سبيل الله، وفي طريق عودته إلى المدينة قرصته أفعى مات بسبب سمها.

المصدر: كتاب "الشعر والشعراء" تأليف ابن قتيبة كتابكتاب "البداية والنهاية" تأليف ابن كثير كتاب "العقد الفريد" تأليف ابن عبد ربه الأندلسي كتاب "الأغاني" تأليف أبو فرج الأصفهاني


شارك المقالة: