قصة قصيدة يا مؤنس الأبرار في خلواتهم:
أمّا عن مناسبة قصيدة “يا مؤنس الأبرار في خلواتهم” فيروى بأن رجلًا يقال له ذو النون كان في يوم يسير على شاطئ البحر، وبينما هو في مسيره رأى فتاة جالسة بالقرب من البحر، وكانت الفتاة نحيفة، جسمها ذابل، فاقترب منها لكي يستطيع أن يسمع ما تقول، فرآها شديدة الحزن، وبينما هو ينظر إليها، بدأت الرياح تعصف، وبدأت الأمواج في الارتفاع، وظهر من وسط البحر مجموعة من الحيتان، فبدأت الفتاة بالصراخ، ثم سقطت مغشيًا عليها على الأرض، فاقترب منها وأيقظها.
وعندما أفاقت بدأت تبكي، وقالت: يا سيدي، لقد تقرب لك المتقربون وهم مختلون في بيوتهم، ولعظمتك سلطانك سبّحت الحيتان في وسط البحار، ولجلالة سلطانك ارتفعت الأمواج المتلاطمات، أنت من سجد لك العباد في سواد الليالي، وبياض النهار، وفي الفلك والبحار، وكل شيء عندك يا مولاي بمقدار، ثم أنشدت قائلة:
يَا مُؤنِسَ الأبْرَارِ في خَلَوَاتِهِمْ
يَا خَيرَ مَنْ حَطّتْ بهِ النُّزّالُ
مَنْ ذاقَ حُبَّكَ لا يَزَالُ مُتَيَّماً
قَرِحَ الفُؤادِ يَعُودُهُ بَلْبَالُ
مَن ذاقَ حبّكَ لا يُرَى مُتَبسّماً
في طُولِ حُزْنٍ للحَشَا يَغتَالُ.
فقال لها ذو النون: من تريدين، فقالت له: ابتعد عني، ثم رفعت يديها إلى السماء وأنشدت قائلة:
أُحِبُّكَ حُبَّينِ، حُبَّ الوِدَادِ
وَحُبّاً لأنّكَ أهْلٌ لِذَاكَا
فَأمّا الّذي هًوَ حُبّ الوِدَادِ
فَحُبٌّ شُغِلتُ به عَن سوَاكَا
وَأمّا الّذي أنتَ أهلٌ لَهُ
فكَشفُك للحُجْبِ حتى أرَاكَا
فما الحمدُ في ذا وَلا ذَاكَ لي
وَلكِن لك الحمدُ في ذا وَذاكَا
ثم شهقت شهقةً، وماتت من فورها، فوقف ذو النون فوقها وهو متعجب ممّا رآه منها، وينما هو واقف اقتربت جماعة من النساء قد أتين من بعيد، فوقفن عندها، وحملنها، وأبعدنها عنه، ثم غسلوها، وكفنوها، ثم أقبلن عليه، ووضعنها عنده، فتقدم عليهن، وبدأوا يصلون عليها، ثم حملنها وابتعدن، فاستمر واقفًا وهو لا يعلم ما الذي قد حدث أمامه، ثم انصرف من هنالك عائدًا إلى دياره.
حالة الشاعرة:
كانت حالة الشاعرة عندما أنشدت هذه القصيدة الحزن الشديد على ما أصابها، والتضرع لله تعالى بأن يرضى عنها، ويقربها منه، ويهديها إلى ما يحب ويرضى.