من العرب كرام اشتهروا على مر التاريخ، ومن هؤلاء الكرماء معن بن زائدة الذي اشتهر بكرمه وجوده، وبسبب كرمه الذي لم يكن له مثيل في زمانه مدحه العديد من الشعراء ومنهم شاعرنا أبو تمام الذي مدحه بقصيدة تبين ذلك الكرم.
من هو الشاعر أبو تمام؟
هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، شاعر من شعراء العصر العباسي، وهو أحد أمراء البيان، ولد في إحدى قرى حوران في سوريا، ومن ثم انتقل إلى مصر، وبقي فيها حتى استقدمه الخليفة المعتصم إلى بغداد، وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق.
قصة قصيدة يقولون معن لا زكاة لماله
أما عن مناسبة قصيدة “يقولون معن لا زكاة لماله” فيروى بأن معن بن زائدة كان عاملًا في مدينة البصرة في العراق، وفي يوم من الأيام أتى شاعر إلى باب بيته، وكان يريد الدخول إلى مجلسه، ولكنه لم يتمكن من ذلك، فجلس أمام بيته أيامًا من دون أي فائدة، فقال في يوم لأحد غلمان معن: إذا دخل الأمير إلى البستان أخبرني، وعندما دخل أخبره بذلك، فكتب الشاعر ببيت من الشعر، ونقشه على خشبة، ورماها في الماء الذي يدخل إلى البستان، وكان الأمير جالسًا أمام الماء، وعندما رآها تناولها، وقرأ ما فيها، فوجد بأنه بيت في مدحه، فقال لغلمانه: من صاحب هذه؟، فأخبره الغلام بأنه شاعر على باب بيته، فأمر بإحضاره، وعندما وقف بين يديه، قال له: أنشدني البيت، فأنشده إياه، فأمر له بمائة ألف درهم، فأخذها وشكره وانصرف، وقام بوضع الخشبة تحت البساط.
وفي صباح اليوم التالي أخرجها من تحت البساط، وقرأ ما فيها، ومن ثم دعا الشاعر، وأمر له بمائة ألف درهم، وفي اليوم الثالث فعل مثل ذلك، فخاف الرجل أن يأخذ منه ما أعطاه إياه، وخرج من البصرة، وفي اليوم الرابع، تناول معن الخشبة وقرأ ما فيها، ومن ثم دعا الشاعر، ولكنه وجده قد غادر البصرة، فقال: والله إني أردت أن أعطيه حتى لا يبقى في بيتي درهم ولا دينار إلا أعطيته إياه، وفي كرمه يقول أبو تمام:
يقولون معن لا زكاة لماله
وكيف يزكي المال من هو باذله
يمدح الشاعر في هذا البيت معن بن زائدة ويقول بأنه لا تجب عليه زكاة لأنه يبذل كل ما عنده من مال للمحتاجين.
إذا حال جولٌ لم يكن في دياره
من المال إلا ذكره وجمائله
تراه، إذا ما جئته، متهللاً
كأنك تعطيه الذي أنت آمله
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والبر ساحله
تعود بسط الكف حتى لو نه
أراد انقباضاً لم تطعه أنامله
فلو لم يكن في كفه غير نفسه
لجاد بها فليتق الله سائله
الخلاصة من قصة القصيدة: كان معن بن زائدة عاملًا في البصرة كريمًا جوادًا، وفي يوم أتاه شاعر، ولكنه لم يستطع الدخول إليه، فرمى بخشبة في الماء التي تصل إلى البستان، وعندما قرأها معن أمر له بمائة ألف درهم، وأعطاه مثلها في اليوم الثاني واليوم الثالث، فخرج الشاعر من البصرة خوفًا من أن يستعيد معن تلك النقود، وعندما وصل خبر ذلك إلى معن قال بأنه نوى بأن يعطيه المال حتى لا يبقى مال في بيته.