بالعمل والجد ينال المرء ما يريد، سنحكي في قصة اليوم عن ملكة نمل مجتهدة ومخلصة، وسنذكر كيف استطاعت بتخطيطها الجيّد وحكمتها أن تنقذ طائفة النمل التي كانت معرّضة للضياع.
قصة ملكة النمل المجتهدة
في أحد الأيّام استيقظت ملكة النمل لورا باكرة فوجدت أنّ النمل قد استيقظ، وكل منهم يؤدّي مهامّه بكل حيوية ونشاط، طلبت لورا من الحارس أن يزوّدها ببعض الحبوب من أجل أن تؤدّي مهمّتها، وتراقب تطوّرات العمل وكيفية تخزين الحبوب، لجميع أفراد النمل والكبير والصغير والخدم والذكور والإناث.
وطلبت منه أيضاً بأمين الدروع، وهي تساعدهم بتأمين أنفسهم والاستعداد لمواجهة الأعداء، والدفاع عن صغار النمل، كانت الطائفة التي تسودها الملكة لورا هي من أفضل طوائف النمل؛ وذلك لكونها ملكة تتصرّف بحكمة وتأخذ رأي الجميع بكل شؤونها، بالإضافة إلى أنّها دائماً تحاول فض النزاعات بين المتخاصمين، وتبث روح الحماس بهم.
وفي يوم من الأيّام خرجت الملكة لورا لكي تلقي الخطاب اليومي لها، وبدأ تقول: نحن طائفة من النمل التي يحسبون لها ألف حساب بفضل عملنا المتواصل والدؤوب، ولكن البشر قاموا بتدمير قريتنا وقطع أخشابها، ونحن يجب علينا أن نستميت دفاعاً عما تبقّى لنا من تلك القرية، وتأمين مستعمرتنا من الضياع.
عندما أكملت ملكة النمل لورا خطابها بدأ الجميع بالتصفيق لها، ولكنّها سرعان ما أشارت لهم بالتوقّف وقالت: لا وقت لدينا للهتاف والتصفيق، بدلاً من ذلك يجب أن نعمل، إنّ مستعمرتنا في خطر، ويجب علينا أن نحافظ على صغار النمل من الضياع ونساعدهم على الثبات، وعندما أراد الحكيم أن يرفع يده ليضيف كلمة، لم تسمح له بذلك أيضاً وقالت: هيّا انطلقوا للعمل لا وقت لدينا.
انطلق النمل وقتها واحتشد في طوابيره بانتظام، وبدأ يستعد لمواجهة الهجمات التي يتعرّض لها بشكل يومي، وبسبب أحجام النمل الصغيرة؛ فهي معرضة لأن تخسر كثيراً ويموت منها أعداداً كبيرة برفسة واحدة، وبينما كانت الملكة لورا تمشي وتراقب العمل كان الحكيم خلفها، ويبدو عليه الانشغال، نظرت له الملكة وقالت: ما بك أيّها الحكيم؟ فأنت تحرّك قرونك يبدو أنّ هنالك أمر يشغلك، قال لها الحكيم: لقد سمعت الصباح أمراً إن كان سيتحقّق فنحن في خطر.
طلبت الملكة لورا من الحكيم الأطول عمراً في النمل أن يفصح عن هذا الأمر فوراً، قال لها الحكيم: لقد ترامى إلى مسمعي بأنّ النمل العامل يشتكي من قلّة الطعام التي لا تكفيه للعمل، وهذا ربمّا سيحدث ثورة في مملكتنا، تفاجأت الملكة من كلام الحكيم وقالت: إنّ هذه الكلمة ليست موجودة في قاموس الملكة لورا، ولا بقاموس النمل كلّه، لا بأس أيّها الحكيم يمكنك أن تستريح قليلاً، فربّما أنت متعب، نحن النمل كرّمنا الله بطاقة غير اعتيادية.
أكملت ملكة النمل كلامها قائلة: ألا تذكر بأنّ الملك سليمان قد أمر جيشه بالابتعاد عنّا تكريماً لنا، فنحن لا شيء يستطيع الاستحواذ علينا، اعتذر منها الحكيم قائلاً: عذراً يا مولاتي فأنا قد كبرت في السن، ولم يعد لي طاقة تكفي أتمنّى أن يرحمني الله، قالت له الملكة لورا: أرجوك أيّها الحكيم لا تقلّل من شأنك؛ فنحن هنا بحاجتك، وقد أعددنا لك جثماناً سيليق بمقامك.
فجأةً جاء أحد النمل مسرعاً بتنبيه الملكة باقتراب أحد الطيور المفترسة؛ وسرعان ما أمرت بإغلاق كل المنافذ، وأخبرت النمل إن لم تنجح تلك الخطّة فيجب أن يسير النمل بطريقة لولبية؛ وذلك من أجل تشتيت العدوّ، انحنت النملة للمكة احتراماً وذهبت لتنفيذ أوامرها، قال الحكيم للملكة لورا: أنتِ حقّاً نعم الملكة، فلولا وجودكِ بيننا لكنّا الآن في معرض الهلاك أو طعاماً للديدان، أشكر إخلاصك واجتهادك أيّتها الملكة.
ابتسمت الملكة له وقالت: أنت تعلم أيّها الحكيم أننّا نقوم بكل هذا العمل ربمّا من أجل الحصول على أوراق شجر متساقطة أو جثة حيوان ميتة، بينما نحن معرّضون لأن نموت جميعنا برفسة واحدة، بالإضافة إلى أن أعمار ذكور النمل ليست طويلة، فنحن نحتاج للعمل بجد في كل لحظة للحفاظ على كل أفرادنا، قال لها الحكيم: أنا رهن إشارتك أيّتها الملكة، وبينما هما يتحدّثان إذ عادت النملة مرّةً أخرى.
اقتربت من الملكة وانحنت لها وقالت: أريد أن أخبركِ بأنّنا قد ربحنا المعركة، وأن الطير ظلّ يصارع الموت ويتخبّط حتّى وقع أرضاً، ونحن الآن نقوم بإحضار بعض الطعام من بقايا جثّته، وبذلك سيكفينا الطعام لمدّة شهرين دون عناء البحث، شكرت الملكة لورا جيوش النمل كلّه على تفانيه في الدفاع عن وطنه، ووعدته بأن تزيد له حصّته في الطعام إن استطاع أن يحضر جثة الطير كاملة قبل أن تفسد وتتعفّن.
نظرن ملكة النمل لورا إلى الحكيم وقالت: هل ترى نحن الصنف الوحيد الذي يستطيع أن يستفيد من الحيوانات الحية والميتة، ونحن الصنف الوحيد الذي يعمل بكل جهده طوال الصيف من أجل الشتاء، ونستميت بكل الوسائل دفاعاً عن أنفسنا، وكل فرد منّا ينقذ الآخر إن وجده تعرّض لأيّ خطر، نحن وإن كانت أجسامنا ضعيفة، إلّا أننّا شديدي البأس أمام العمالقة، ولم يحدث بأن غدرت نملة بقرينتها، لقد كرمّنا الله بطاقة هائلة، ويجب علينا أن لا ننكسر مهما عصف بنا الزمن لأنّنا سنظلّ دائماً يداً واحدة.