قصيدة - ألا يا غراب البين هيجت لوعتي

اقرأ في هذا المقال


ما لا تعرف عن مناسبة قصيدة “ألا يا غراب البين هيجت لوعتي”:

وأمّا عن مناسبة قصيدة ” ألا يا غراب البين هيجت لوعتي ” فيروى بأنّ الملوح قد خرج في يوم وكان معه المجنون قيس بن الملوح، وكان ذلك قبل أن يذيع خبره في الديار، بأنه يحب ليلى، وبينما هم خارجرجون مروا بواد يسمّى البلاكث، وبينما كانوا يسيرون في هذا الوادي، قال المجنون لأحد الفتيان الذين كانوا معهم “وقد كان يخبر هذا الفتى بكل أسراره”: إني تكرت ليلى، ويجب أن أنصرف، فإنّ نفسي قد هلكت من الشوق إليها، وناشده فرفض هذا الفتى، وقال له: استأذن أباك، فقال له: سوف يرفض، ولكنني سوف أهب لوحدي، فقال له الفتى: حسنًا سوف أذهب معك، ولكنّي سأخبر أخي، وذهب وأعلم أخاه، فقال لهم بأنّه سوف يذهب معهما، وتخلفوا وراء القوم كأنّهم يريدون قضاء حاجة، ثم عادوا إلى المدينة، وقال قيس بينما هم عائدون:

بينما نحن باِلْبَلاَكِثِ بِالْقَاع
سِرَاعاً وَالْعِيسُ تَهْوي هُوِيَّا

خطرت خطرة على القلب من

ذكراك وهناً فما استطعت مضيا

قُلْتُ لَبَّيْكِ إذْ دَعَانِي لَكِ الشَّوْقُ
 ولِلْحَادِيَيْن كُرَّا المَطيَّا

وعندما وصل إلى المدينة تنكر يريد بيت ليلى، فلمّا اقترب من الحي الذي تسكنه ليلى، احتار كيف يدخل إليه من دون أن يشاهده أحد، عسى أن ينظر إلى ليلى نظرة، وبينما هو كذلك رأى عجوزًا تبيع سائلًا معلق على رقبتها بسلسلة، وتدور به على الأبواب، فذهب إليها وسألها، وقال لها: أيتها العجوز، ماذا تريدين مقابل هذا السائل؟، فقالت له: نصف ما أبيعه به، فقال لها ضعي هذه السلسلة على عنقي وخذي هذه الثياب، فوضعت العجوز السلسلة على عنقه وأخذت تدور به على البيوت، وفي الطريق كان الصبيان يرمونه بالحجارة، ويطلقون الكلاب عليه، ولكنّه لم يبالي لذلك واستمر، وعندما اقترب من بيت ليلى، أنشد قائلًا:

هَنيئاً مَريئاً ما أَخَذتِ وَلَيتَني
أَراها وَأُعطى كُلَّ يَومٍ ثِيابِيا

وَيا لَيتَها تَدري بِأَنّي خَليلُها
وَإِنّي أَنا الباكي عَلَيها بُكائِيا

خَليلَيَّ لَو أَبصَرتُماني وَأَهلُها
لَدَيَّ حُضورٌ خِلتُماني سَوائِيا

وَلَمّا دَخَلتُ الحَيَّ خَلَّفتُ موقِدي
بِسِلسِلَةٍ أَسعى أَجُرُّ رِدائِيا

أَميلُ بِرَأسي ساعَةً وَتَقودُني
عَجوزٌ مِنَ السُؤالِ تَسعى أَمامِيا

وَقَد أَحدَقَ الصِبيانُ بي وَتَجَمَّعوا
عَلَيَّ وَشَدّوا بِالكِلابِ ضَوارِيا

وعندما أنهى قيس شعره، مرّ بطبيبين وهما على حافة الطريق، فاقترب منهما وقال لهما: هل يوجد فيكما من يستطيع أن يداويني، فقالا له: من أنت، فقال لهما: المجنون الهائم، فقالا له: ما للعاشقين عندنا دواء، وإنّما دواؤه أن يكون بالقرب من حبيبته، فأنشد قائلًا:

طبيـبـان لو داويتمـانـي أجرتمـا
فمــا لَكُـمــا تَسْتَـغْـنِـيــان عَـن الأجْـــرِ

فقالا بحزن: مـا لك اليوم عنـدنا
دواء فمـت أو عزِّ نفـسَـك بـالصــبــــــر

وقـالاَ دوَاءُ الْـحُــبِّ غــالٍ وَدَاؤُهُ
رخيصٌ ولا ينبيك شـيء كمــن يـدري

فمـا بَرِحَـا حَتَّى كَتَـبْـتُ وَصِيَّتِـي
ونشَـرت أكفـانـي وقلْـت احفروا قبري

فما خيـر عشق ليـس يقتُل أهلـه
كمــا قَتَــلَ العُـشَّـاقَ فـي سَالِف الدَّهْـر

ألا حبَّذا البيض الأوانس كالدُمى
وإن كـنَّ يسكــرن الفتـى أيمــا سكـــر

ومضى قيس من عندهما، وبينما هو سائر في الطريق، مرّ بغراب ساقط من على شجرة وهو ينعق، فاقترب منه، وأنشد قائلًا:

أَلا يا غُرابَ البَينِ هَيَّجتَ لَوعَتي
فَوَيحَكَ خَبِّرني بِما أَنتَ تَصرَخُ

أَبِالبَينِ مِن لَيلى فَإِن كُنتَ صادِقاً
فَلا زالَ عَظمٌ مِن جَناحِكَ يُفسَخُ

وَلا زالَ رَمٍ فيكَ فَوَّقَ سَهمَهُ
فَلا أَنتَ في عُشٍ وَلا أَنتَ تُفرِخُ

وَلا زِلتَ عَن عَذبِ المِياهِ مُنَفَّراً
وَوَكرُكَ مَهدوماً وَبَيضُكَ يُرضَخُ

فَإِن طِرتَ أَردَتكَ الحُتوفُ وَإِن تَقَع
تَقَيَّضَ ثُعبانٌ بِوَجهِكَ يَنفُخُ

ثم مضى قيس في طريقه، وأقبل على طيور على الأشجار تجاوب بعضها بعضًا، فاقترب منهن وقال:

أَلا يا حَماماتِ الحِمى عُدنَ عَودَةً
فَإِنّي إِلى أَصواتِكُنَّ حَنونُ

فَعُدنَ فَلَمّا عُدنَ عُدنَ لِشِقوَتي
وَكِدتُ بِأَسرارٍ لَهُنَّ أُبينُ

وَعُدنَ بِقَرقارِ الهَديرِ كَأَنَّما
شَرِبنَ مُداماً أَو بِهِنَّ جُنونُ

فَلَم تَرَ عَيني مِثلَهُنَّ حَمائِماً
بَكَينَ فَلَم تَدمَع لَهُنَّ عُيونُ

وَكُنَّ حَماماتٍ جَميعاً بِعَيطَلٍ
فَأَصبَحنَ شَتّى ما لَهُنَّ قَرينُ

ثم جلس قيس وهو حزين، وبعدها قام وهام في الطرق، وبينما هو في ذلك مرّ من أمامه مجموعة من طيور القطا، فأنشد قائلًا:

شَكَوتُ إِلى سِربِ القَطا إِذ مَرَرنَ بي
فَقُلتُ وَمِثلي بِالبُكاءِ جَديرُ

أَسِربَ القَطا هَل مِن مُعيرٍ جَناحَهُ
لَعَلّي إِلى مَن قَد هَوَيتُ أَطيرُ

فَجاوَبنَني مِن فَوقِ غُصنِ أَراكَةٍ
أَلا كُلُّنا يا مُستَعيرُ مُعيرُ

وَأَيُّ قَطاةٍ لَم تُعِركَ جَناحَها
فَعاشَت بِضُرٍّ وَالجَناحُ كَسيرُ

وَإِلّا فَمَن هَذا يُؤَدّي رِسالَةً
فَأَشكُرَهُ إِنَّ المُحِبَّ شَكورُ

إِلى اللَهِ أَشكو صَبوَتي بَعدَ كُربَتي
وَنيرانُ شَوقي ما بِهِنَّ فُتورُ

المصدر: كتاب " أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون " تأليف سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوثكتاب " الشعر والشعراء " تأليف أبن قتيبةكتاب " مجنون ليلى " تأليف أحمد شوقيكتاب " مجنون ليلى " شرح وتحقيق جلال الدين الحلبي


شارك المقالة: