قصيدة - توسد أحجار المهامة والقفر

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة “توسد أحجار المهامة والقفر”:

وأما عن مناسبة قصيدة “توسد أحجار المهامة والقفر” فيروى بأن ليلى العامرية بعد فراق قيس، كانت لاتستلذ بطعم الطعام والشراب، وكانت تتكلم مع نفسها وتعض على يدها من الحسرة والندامة على فراق حبيبها، فضاق زوجها بها ذرعًا، وطلقها فعادت إلى قومها لأهلها.

وعندما عرف أهلها بسبب طلاقها، ورفضها للمال والجاه بسبب حبها لقيس بن الملوح، بدؤوا يضربونها ليلًا ونهارًا حتى أصبحت خبلاء، وأمضت أيامها بالبكاء، وبقيت ثلاثين يومًا من دون أن تأكل أو تشرب، حتى أصبحت هزيلة، واختفت سمات الجمال من على وجهها، وتهاوى جسدها الذي لطالما أنشده قيس في قصائده، فضعفت ووهنت حتى أسلمت الروح إلى باريها وأقاموا لها العزاء.

وعندما إنتشر خبر موت ليلى ووصل إلى قيس بن الملوح، أصبح النور في عينيه ظلامًا، وأصبح نهاره ليلًا مظلمًا، وأقلع عن الطعام والشراب، وكانت تمر عليه الأيام مغمًا عليه وإذا أفاق بدأ بالصراخ والبكاء وصاح قائلًا:

وداعًا يا ليلى!، هل من رجوع لأرى وجهك الجميل؟
وداعًا يا أنس حياتي!
هل من رجوع لأرى وجهك الجميل؟
وداعًا يا من أفنيت عمري شوقًا لرؤيتك!
هل من رجوع لأرى وجهك الجميل؟
وداعًا!

ومن ثم يعود فيغمى عليه، ومن ثم عاد إلى دياره مجبرًا، وكان كلما سمع صوت العصافير، صاح وقال: تركتني ليلى وحيدًا في هذه الحياة، ياليتني متّ قبل أن تموتين، لقد مات كل أمل لي من بعدك يا ليلى، وسوف ألحق بك عن قريب.

ثم دعا الله وقال: يارب إني عبدك، وأنا أعترف بأن الحب قد هدني، يارب إني أسألك أن تجمع بيني وبينها، وإن كانت قد ماتت، وكتب لي ألّا أراها بعد اليوم، فخذ روحي كما أخذت روحها، لكي أستريح ممّا أنا فيه، اللهم لا تتركني فوق الأرض وليلى تحتها.

وبينما كان يمشي في يوم، وصل إلى حيّ ليلى، فبدأ بالبكاء وأغمي عليه، وعندما شاهده أهلها إزداد نحيبهم وبكائهم، وعندما أفاق سأل عن قبر ليلى، فدلوه عليه، فذهب إليه وعندما وصله انقلب عليه وحضنه وهو يصر خ قائلًا: أيّها القبر إنّ فيك رفات محبوبتي، وقد دفنوا فيك كل أمل لي في الحياة، إن روحي ترفرف حول قبرك يا ليلى، إنّي أحسد الأرض التي تضمك يا من فارقتيني، وكان كلما ضم القبر صرخ وقال: أين فمك الضحوك يا ليلى، أين ابتسامتك الجميلة يا ليلى، أين دلالك يا ليلى؟ إبكي يا عيني على رحيل محبوبتي الأبدي.

وبقي قيس بن الملوح على هذا الحال أيامًا طويلة، فيأتي في النهار، وإذا أقبل الليل يعود إلى دياره، حتى جفّ جلده وهزل جسمه، وفي يوم أتى رجل ليواسيه، فهرب منه نحو قبر ليلى، واصطدم به، فتكسرت عظامه من حجارة القبر، وأقبلت عليه أخته وحضنته باكية، وجعلت تهون عليه، حتى أغشي عليه، وعندما أفاق قالت له: إنّ ليلى قد ماتت، دعنا نبحث لك عن فتاة تخطبها، وترحم نفسك وترحمنا معك، فنظر قيس إلى أخته وقال لها: هل تعاذليني يا هند بليلى أحب الناس إلي، وقد تغيرت أحوالي، وأصبحت شريدًا في سبيل حبّها، إنّني أشعر بأنّني على حافّة القبر، لقد ذهبت ليلى وذهبت معها أيام الصفاء.

وعندها ظهرت لقيس ظبية فلحق بها وقال لأخته: السلام عليك يا أختي فلا أظن أنّك سوف تريني بعد اليوم، وانطلق راكظًا خلف الظبية، وبعد عدّة أيام خرج أهله يبحثون عنه فلم يجدوه، وبعد أربعة أيام من بحثهم عنه يئسوا من العثور عليه، عادوا إلى ديارهم، وبينما هم في طريقهم نحو ديارهم، مرّوا بوادٍ حجارته كثيرة، ووجدوه ميتًا بين الحجارة وكان قد كتب بجانب رأسه:

توسد أحجار المهامة والقفر
ومات جريح القلب مندمل الصدر

فيا ليت هذا الحب يعشق مرة
فيعلم ما يلقى المحب من الهجر

فحملوه وهم يبكون، وقاموا بدفنه، وجاء كل من سمع بخبر وفاته، وبكاه الجميع، وحظر أبو ليلى وهو مجزوع، وكان يقول: ما علمت أنّ الأمر سوف يبلغ كل ذلك، ولكنّي قد كنت إمرؤ  جلف، أخاف من العار، وقمت بتزويجها من غيره، ولو علمت أنّ الحال سيكون هكذا والله ما زوجتها من غيرك يا قيس، يا ويلي لقد قتلت ابنتي وابن أخي، يا ويلي.

وقاموا بدفن قيس بجانب قبر ليلى، ولم يكن بين موته وموتها سوى خمس وعشرين ليلة.

المصدر: كتاب " أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون " تأليف سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوثكتاب " الشعر والشعراء " تأليف أبن قتيبةكتاب " مجنون ليلى " تأليف أحمد شوقيكتاب " مجنون ليلى " شرح وتحقيق جلال الدين الحلبي


شارك المقالة: