قصيدة - يقولون لبنى فتنة كنت قبلها

اقرأ في هذا المقال


قصة قصيدة “يقولون لبنى فتنة كنت قبلها”:

أمّا عن مناسبة قصيدة “يقولون لبنى فتنة كنت قبلها” فيروى بأن قيس بن ذريح في يوم أراد بزيارة أخواله من بني خزاعة، وبينما هو في طريقه إليهم اشتد عليه الحر، وعطش عطشًا شديدًا، وكانت أمامه خيمة، فاقترب منها يريد شرب الماء، ونادى بأهلها، فخرجت عليه فتاة طويلة فائقة الجمال، حديثها من أحلى ما يكون، وهي لبنى بنت حباب، فقام بطلب الماء منها، فأسقته، وبعد أن شرب الماء هم بالرحيل، فدعته للدخول لكي يستريح من تعب السفر، فقبل بدعوتها بينما كان يتأمل جمالها.

وعندما عاد أبوها وجد قيس يستريح عندهم، فرحب به، وذبح له، وأبقاه عندهم ذلك اليوم، وبينما هو عندهم أخبر لبنى بحبه لها، فأحبته، وعندما غادر قيس من عندهم لم يذهب إلى ديار أخواله، بل عاد إلى دياره، وتوجه إلى بيت أبيه، ودخل عليه وسأله أن يزوجه من لبنى، فرفض أبوه ذلك، وذلك لأنه كان من فاحشي الثراء، وكان يريد أن يزوجه من إحدى بنات عمه، لكي يحافظ على ثروته في العائلة، وقال له: إنّ بنات عمك أحق بك منها، وقد كان قيس وحيد أباه.

وبعدما رفض أبوه أن يزوجه منها، ذهب إلى أمه يطلب منها أن تساعده وتذهب إلى أبيه تقنعه، ولكنّ موقفها كان كموقف أبيه، ولم ييأس قيس، فذهب إلى أخيه الحسين بن علي، وقد كان الحسين أخوه في الرضاعة، وطلب منه أن يتوسط له عند أبيه، فتوسط له، ونجت وساطته حيث وافق أبوه على أن يزوجه منها، وبعدها مضوا إلى بيت لبنى وطلبوها من أبيها فوافق هو الآخر، وتزوج قيس من لبنى.

وبقي قيس مع لبنى، وعاش معها عدة سنوات، ولكنَّها لم تستطع إنجاب الأولاد له، فخاف أبوه من أن يذهب ماله إلى أحد ليس من نسله، فطلب من قيس أن يتزوج من غيرها، لتنجب له طفلًا، وبذلك يحفظ له أمواله، ولكن قيس لم يقبل بذلك، فأصر عليه والده، ولكنه بقي رافضًا لذلك، فقد خاف على زوجته من ضرة تتعبها وتشقيها، ورفض أيضًا أن يطلقها، وحاول والده معه شتّى الطرق لكي يطلق زوجته، حتى أنه أحضر كبار القوم لكي يقنعوه، وكانت أم قيس أيضًا تريد منه أن يطلق زوجته، ويتزوج من واحدة من بنات عمومته لكي تنجب له الأولاد والبنات، وعلى الرغم من كل محاولاتهم بقي قيس رافضًا لهذه الفكرة.

وبقيت الأمور على هذا الحال، فالأب مصمم على أن يتزوج ابنه، والابن مصمم على أن لا يفعل ذلك، وفي يوم أقسم أبوه أنه لن يظله ظل بيت حتى يطلق قيس لبنى، فأصبح يخرج كل يوم ويبقى تحت الشمس، فيخرج إليه قيس ويضع ردائه فوق رأسه، حتى تغيب الشمس، فيعود إلى بيته ويبكي بين يدي لبنى، ويعاهدها على أن يبقى وفيًا لها.

ولكن قيس اضطر في النهاية للانصياع إلى أمر أبيه، وطلق لبنى، فرحلت إلى مكة، وبعد أن غادرت لبنى ندم قيس ندمًا شديدًا، وقال في ذلك قصيدة تعبر عن ألمه واشتياقه للبنى، وقال فيها:

يَقولونَ لُبنى فِتنَةٌ كُنتَ قَبلَها
بِخَيرٍ فَلا تَندَم عَلَيها وَطَلِّقِ

فَطاوَعتُ أَعدائي وَعاصَيتُ ناصِحي
وَأَقرَرتُ عَينَ الشامِتِ المُتَخَلِّقِ

وَدِدتُ وَبَيتِ اللَهِ أَني عَصَيتُهُم
وَحُمِلتُ في رَضوانِها كُلُّ مَوبِقِ

وَكُلِّفتُ خَوضَ البَحرَ وَالبَحرُ زاخِرٌ
أَبيتُ عَلى أَثباجِ مَوجٍ مُغَرَّقِ

كَأَنّي أَرى الناسَ المُحِبّينَ بَعدَها
عَصارَةَ ماءِ الحَنظَلِ المُتَفَلِّقِ

فَتُنكِرُ عَيني بَعدَها كُلَّ مَنظَرٍ
وَيَكرَهُ سَمعي بَعدَها كُلَّ مَنطِقِ

وقال في ذلك أيضًا:

إِذا خَدِرَت رِجلي تَذَكَّرتُ مَن لَها
فَنادَيتُ لُبنى بِاِسمِها وَدَعَوتُ

دَعَوتُ الَّتي لَو أَنَّ نَفسي تُطيعُني
لَفارَقتُها مِن حُبِّها وَقَضَيتُ

بَرَت نَبلَها لِلصيدِ لُبنى وَرَيَّشَت
وَرَيَّشتُ أُخرى مِثلُها وَبَرَيتُ

فَلَمّا رَمَتني أَقصَدَتني بِسَهمِها
وَأَخطَأتُها بِالسَهمِ حينَ رَميتُ

وَفارَقتُ لُبنى ضَلَّةً فَكَأَنَّني
قُرِنتَ إِلى العُيوقِ ثُمَّ هَوَيتُ

فَيا لَيتَ أَنّي مِتُّ قَبلَ فِراقِها
وَهَل تَرجِعَن فَوتَ القَضِيَّةِ لَيتُ

فَصِرتُ وَشَيخي كَالَّذي عَثَرَت بِهِ
غَداةَ الوَغى بَينَ العُداةِ كُمَيتُ

فَقامَت وَلَم تُضرَر هُناكَ سَوِيَّةً
وَفارِسُها تَحتَ السَنابِكِ مَيتُ

فَإِن يَكُ تَهيامي بِلُبنى غَوايَةً
فَقَد يا ذَريحَ بنَ الحُبابِ غَوَيتُ

فَلا أَنتَ ما أَمَّلتَ فِيَّ رَأَيتُهُ
وَلا أَنا لُبنى وَالحَياةَ حَوَيتُ

فَوَطِّن لِهُلكي مِنكِ نَفساً فَإِنَّني
كَأَنَّكَ بي قَد يا ذُرَيحَ قَضَيتُ


شارك المقالة: