اقرأ في هذا المقال
- كودوورث ودوره في نشر الفلسفة القديمة
- أثر فلسفة ديكارت على فكر كودوورث
- كودوورث ونقده لفلسفة هوبز
- الإرث الفلسفي لكودوورث
يشهد إرث الفيلسوف رالف كودوورث من الكتابات الضخمة وغير المكتملة على معرفته الشاملة بالفلسفة القديمة والمعاصرة، ولقد اشترك في وجهة نظر عصر النهضة للفلسفة على أنّها فلسفة دائمة (perennial philosophy)، والتي تفترض مسبقًا جوهرًا واحدًا أزليًا من الحقيقة الفلسفية وهو الهدف المشترك لكل من البحث الفلسفي القديم والحديث.
كودوورث ودوره في نشر الفلسفة القديمة:
يعد كودوورث وريث عصر النهضة الإنسانية للتعافي لكامل مجموعة الفلسفة القديمة المعروفة اليوم تقريبًا، كما أنّ لجوئه إلى التعلم القديم وخاصة فلسفة أفلاطون وأفلوطين وأيضًا الرواقية هو من نواحٍ عديدة تحركًا إنسانيًا نموذجيًا لإرساء السلطة في حكمة الفلاسفة القدامى المجربة والمختبرة، ومع ذلك فقد تحول إلى الفلسفة القديمة وخاصة الفلسفة اليونانية باعتبارها صندوقًا للأفكار الفلسفية ما قبل المدرسية ومصدرًا لمفردات مفاهيمية جديدة.
كواحد من أوائل الذين كتبوا الفلسفة بالكامل باللغة الإنجليزية حيث صاغ العديد من المصطلحات الجديدة وكثير منها مقتبس من اليونانية، فالبعض على سبيل المثال (autexousion) و (antitypous) لم يصمد أمام اختبار الزمن في حين أنّ البعض الآخر على سبيل المثال الديكارتية والحتمية الذاتية والوعي هي عملة شائعة في الفلسفة الإنجليزية لهذا اليوم.
أثر فلسفة ديكارت على فكر كودوورث:
في الوقت نفسه تأثرت فلسفة كودوورث بشدة بالفلسفة المعاصرة وخاصة الديكارتية، وكان لديه تقدير كبير للفيلسوف رينيه ديكارت باعتباره فيلسوفًا حادًا وفلسفته تسجل تأثير ديكارت بطرق متنوعة، ولقد أعجب بالديكارتيّة كنظام فلسفي يجمع بين الفيزياء والميتافيزيقا والتي افترضت الجوهر المادي والمعنوي، ولقد قبل الإدراك الواضح والمتميز كمعيار لليقين المعرفي والتفسير الديكارتي للإدراك الحسي.
الإحساس بالنسبة لكودوورث وديكارت هو شغف الروح وفي أحسن الأحوال إدراك مشوش، ولقد تبنى كلاً من فكرة الوعي وفكرة الله ككائن كامل قائم بذاته، وتبنى مفهوم ديكارت للجسد باعتباره امتدادًا خاملًا، ومع ذلك كان ينتقد ديكارت بشدة في العديد من التهم، ونفى أن تكون القواعد الميكانيكية للتأثير كافية لتفسير السببية الطبيعية وانتقد تنصل ديكارت من الأسباب النهائية، كما إنّه ينتقد إثبات ديكارت لوجود الله من فكرته باعتباره دائريًا، ومفهومه الطوعي عن الله باعتباره يفضي إلى الشك، ولقد رفض نموذج ديكارت الآلي للحيوانات وأنكر أنّ التفكير الواعي قد استنفد خصائص المادة غير المادية.
كودوورث ونقده لفلسفة هوبز:
نقد كودوورث للفيلسوف توماس هوبز هو الأكثر شمولاً وفلسفية من الردود المعاصرة لهوبز الذي يهاجمه باعتباره ملحدًا ماديًا، ويتهم هوبز بإضفاء صبغة الشرير على الطبيعة البشرية، وأنّ التعامل مع الأخلاق هو مسألة تقليد، ويهاجم نظريته في القانون الطبيعي على أنّها مجرد عدالة مصطنعة بدون أساس في الخير الطبيعي، متهمًا أنّ المفهوم السلبي لهوبز عن الطبيعة البشرية يجعل الحكومة المدنية شرًا ضروريًا، وخاليًا من العدالة الحقيقية.
لقد اعتبر فلسفة هوبز الطبيعية حالة نموذجية للمادية الحتمية، وهاجم رواية هوبز الآلية للعمليات العقلية مجادلاً أنّه إذا تم تقليل كل النشاط العقلي إلى مادة متحركة فلن نستطيع أبدًا إيقاف تدفق الأفكار أو تركيز عقولنا على أي شيء أو توجيه انتباهنا، وحقيقة أننا نستطيع القيام بذلك تخبر علم نفس هوبز وتؤكد القوى غير المادية للوكالة.
الإرث الفلسفي لكودوورث:
يعد تقييم المدى الكامل لتأثير كودوورث إشكاليًا لأنّه لم يتم نشر سوى القليل جدًا من نظريته المعرفية والأخلاقية في حياته، ومن الصعب التأكد مما إذا كانت كتاباته غير المنشورة قد تم تداولها أم لا، ومن المؤكد أنّ تداول مخطوطات فلسفته سوف يفسر الأصداء المثيرة للاهتمام لبعض أفكار كودوورث في كل من الفيلسوفان جون لوك وشافتسبري، وعلى وجه الخصوص أفكار لوك حول الوعي والقوة وعاطفية شافتسبري الأخلاقية.
مكانة كودوورث في تاريخ الفلسفة معقدة بسبب حقيقة أنّه قبل نشر أطروحة حرة في عام 1838 قد كان يُعتبر عقلانيًا على طريقة صموئيل كلارك، وإلى حد كبير على أساس أطروحة حول الأخلاق الأبدية والثابتة وهذا هو كيف نظر إليه الفيلسوف ديفيد هيوم على سبيل المثال، ومنذ دراسة جون باسمور الأساسية لكتاباته المخطوطة غير المنشورة لم يعد مثل هذا التصنيف ممكنًا، فمن المعترف به بشكل متزايد أنّ كودوورث يتوقع التطورات اللاحقة في الفلسفة الأخلاقية وخاصة العاطفة الأخلاقية.
ومع ذلك فإنّ أفكار باسمور لم تتغذى بشكل كامل على تقييمات كودوورث اليوم، كما تم وصفه بشكل خاطئ بأنّه عالم لاهوت في الأساس وليبرتاري وحتى كصوفي، حيث يميل التعلم الهائل لكودوورث مؤخرًا والكلمة الباروكية إلى اعتبارهما عوائق معوقة، والقراء المعاصرون لا يتعاطفون مع المفهوم التوفيقي للفلسفة الدائمة التي تؤطر تفكيره، ومع ذلك من القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر اجتذبت فلسفة كودوورث مجموعة متميزة من القراء الفلسفيين، ومن بينهم جون لوك وشافتسبري ولايبنيز وريد وهيوم وغيرهم من فلاسفة عصر التنوير الاسكتلندي.
كما قام نيوتن بتدوين ملاحظات مستفيضة على كودوورث محفوظة في كتابه (MS-Out of Cudworth)، كما قام بمراجعة للأسئلة الرئيسية والصعوبات في الأخلاق مدينة لأطروحة كودوورث بعد وفاته حول الأخلاق الأبدية والثابتة، ومن بين المعجبين بكودوورث ألكسندر بوب وصمويل تايلور كوليردج والمتفوقون الأمريكيون.
ولقد كان مؤرخ الفلسفة الاسكتلندي دوجالد ستيوارت يحظى باحترام كبير، وكانت لفرضيته عن الطبيعة البلاستيكية حياة طويلة بعد الموت، فلقد كانت موضوع نزاع بين بيير بايل وجان لو كليرك الذي دافع عن كودوورث بتحريض من ابنته داماريس، وتناولها عالم النبات جون راي وضمه دينيس ديدرو في موسوعة (Encyclopédie) ودافع عنها بول جانيت في منتصف القرن التاسع عشر.
على الرغم من أنّه لم يكن من أكثر الكتب مبيعًا فقد أعيد نشر النظام الفكري الحقيقي للكون (The True Intellectual System of the Universe) بشكل دوري عبر القرون، وطبعة توماس بيرش في عام 1743 كما أدرجت رسالة بخصوص الأخلاق الأبدية والثابتة (A Treatise Concerning Eternal and Immutable Morality) وأعيد طبعها في عامي 1820 و 1829، ونُشرت طبعة في نيويورك، ونُشرت بواسطة جون هاريسون في عام 1845.
تُرجمت فلسفة كودوورث إلى اللاتينية والفرنسية والإيطالية وبالتالي ضمنت فلسفته القراء الأوروبيين، وتضمنت الترجمة اللاتينية للباحث الألماني يوهان لورينز موشيم المنشورة في جينا عام 1733 (أعيد طبعها ليدن عام 1773) وأيضًا ترجمة رسالة بخصوص الأخلاق الأبدية والثابتة، ولا يزال يتعين استكشاف رابط محتمل للفيلسوف إيمانويل كانط من خلال اتصال جينا.
ظهرت ترجمة إيطالية مختصرة للعمل الفلسفي النظام الفكري الحقيقي للكون في عامي 1823 و1824، كما تم نشر مقتطفات منه بالفرنسية بواسطة جان لو كليرك في مكتبة مختارة (Bibliothèque choisie)، وربما كانت هذه النسخة هي التي عرفها لايبنيز على الرغم من أنّه كان يمتلك أيضًا نسخة من النسخة الأصلية قدمتها له ابنة كودوورث داماريس ماشام.
في القرن الثامن عشر تم نشر فلسفة كودوورث أيضًا في شكل مختصر، وأعيد طبع نسخة توماس وايز المختصرة: “تفكير في منطق وفلسفة الإلحاد” ثلاث مرات بين عامي 1706 و 1732، وفقط في عام 1838 عندما تم نشر العمل الفلسفي الإرادة الحرة (Of Freewil) وتمت طباعة أيًا من مخطوطاته الغير منشورة.