غالبًا ما تزعم الفيلسوفة سيمون دو بوفوار في سيرتها الذاتية أنّه على الرغم من أنّ شغفها بالفلسفة كان مدى الحياة، إلّا أنّ قلبها كان دائمًا مصممًا على أن تصبح مؤلفة لأدب عظيم، وما نجحت في فعله هو كتابة بعض من أفضل الأدب الوجودي في القرن العشرين، وبقدر ما اكتشف كامو وسارتر فإنّ اهتمام الوجودية بالفرد الذي أُلقي في عالم سخيف وأُجبر على الفعل فإنّه يفسح المجال جيدًا للوسيط الفني للخيال، حيث تتضمن جميع روايات بوفوار موضوعات ومشكلات وأسئلة وجودية في محاولتها وصف الوضع الإنساني في أوقات الاضطرابات الشخصية والاضطرابات السياسية والاضطرابات الاجتماعية.
إسهامات بوفوار في الروايات:
نُشرت روايتها الأولى جاءت لتبقى (L’Invitée – She Came to Stay) في عام 1943، حيث افتتحت الكتاب باقتباس من الفيلسوف هيجل حول رغبة الوعي الذاتي في السعي إلى موت الآخر، وهو عبارة عن دراسة نفسية معقدة للمعارك التي دارت رحاها من أجل الذات، وتدور أحداثها خلال فترة الاستعداد للحرب العالمية الثانية وهي ترسم مدى تعقيد الحرب في العلاقات الفردية، فبطلة الرواية فرانسواز مجبرة على الخضوع لإدراك أنّها ليست مركز العالم وأنّ علاقتها بعشيقها بيير ليست مضمونة ولكن يجب مثل جميع العلاقات أن يتم اختيارها وكسبها باستمرار.
كما جلب هذا العمل لها الاعتراف وأدى إلى كتابة واحدة من أكثر رواياتها استحسانًا التي حملت عنوان دماء الآخرين (Le Sang des Autres) في عام 1945، ويبدأ هذا العمل في مراعاة المسؤولية الاجتماعية التي يتطلبها المرء في أوقاته، وتدور أحداث الفيلم أثناء الاحتلال الألمانيلفرنسا وهو يتتبع حياة القائد الوطني جان بلومارت وعذابه بسبب إرسال حبيبته إلى موتها، وتم الإعلان عن هذا العمل كواحد من الروايات الوجودية الرائدة للمقاومة ويقف كشهادة على التناقض المأساوي في كثير من الأحيان بين المسؤولية التي نتحملها تجاه أنفسنا وتجاه من نحبهم وتجاه شعبنا والإنسانية ككل.
في عام 1946 نشرت بوفوار كل الرجال بشر (Tous les Hommes sont Mortels – All Men are Mortal) والتي تدور حول مسألة الفناء والخلود، فعندما تكتشف ممثلة طموحة أنّ رجلاً غامضًا وكئيبًا خالدًا تصبح مهووسة بخلودها الذي تعتقد أنّه سيحمله إلى الأبد بعد وفاتها، وعلى الرغم من أنّ هذا العمل لم يلق قبولًا جيدًا من قبل النقاد والجمهور إلّا أنّه مثير بشكل خاص مع ظواهر الزمن والفناء والرغبة التي يشترك فيها جميع البشر لتحقيق الخلود بأي شكل نستطيعه، وكيف يؤدي هذا إلى إنكار عاش تجربة هنا والآن.
نُشرت رواية الماندرين (Les Mandarins – The Mandarins) وهي أشهر روايات بوفوار ولاقت استحسان النقاد في عام 1954، وسرعان ما فازت بعد ذلك بالجائزة الفرنسية المرموقة للأدب جائزة جونكور (Prix Goncourt)، وهذا العمل هو دراسة عميقة للمسؤوليات التي يتحملها المفكر تجاه مجتمعه، كما يستكشف فضائل ومخاطر الفلسفة والصحافة والمسرح والأدب حيث تحاول هذه الوسائط التحدث إلى عصرهم وتنفيذ التغيير الاجتماعي.
يجلب عمل الماندرين عددًا من اهتمامات بوفوار الشخصية حيث أنّها تتداخل مع قضايا الشيوعية والاشتراكية والمخاوف من الإمبريالية الأمريكية والقنبلة النووية، وعلاقة المثقف الفردي بالأفراد الآخرين والمجتمع، كما أنّه يثير تساؤلات حول الولاء الشخصي والسياسي وكيف يتعارض الاثنان مع النتائج المأساوية.
وأخيرًا تستكشف رواية بوفوار الصور الجميلة (Les Belles Images) في عام 1966 مجموعة العلاقات والنفاق والأعراف الاجتماعية في المجتمع الباريسي.
إسهامات بوفوار في القصص القصيرة:
كتبت بوفوار مجموعتين من القصص القصيرة وهي:
1- الأول عندما تأتي أشياء الروح أولاً (Quand Prime le Spirituel) ولم يتم نشره حتى عام 1979 على الرغم من أنّه كان أول عمل خيالي تم تقديمه (ورفضه) للنشر في عام 1937، وذلك نظرًا لأنّ ثلاثينيات القرن العشرين كانت أقل قبولًا لكل من الكاتبات والقصص حول النساء، فليس من الغريب أن تم رفض هذه المجموعة فقط ليتم إعادة اكتشافها واحترامها بعد أكثر من أربعين عامًا.
يقدم هذا العمل نظرة ثاقبة رائعة حول اهتمامات بوفوار تجاه النساء ومواقفهن الفريدة قبل وقت طويل من كتابة الجنس الثاني، وينقسم الكتاب إلى خمسة فصول، وعنوان كل منها باسم الشخصية الأنثوية الرئيسية، ويكشف عن نفاق الطبقات العليا الفرنسية التي تخفي مصالحها الذاتية وراء ستار من المطلقات الفكرية أو الدينية.
تتناول القصص قضايا المطالب الساحقة للتقوى الدينية والتخلي الفردي والميل إلى تعظيم حياتنا للآخرين، وأزمة الهوية عندما نضطر لمواجهة خداعاتنا، وصعوبة كوننا امرأة خاضعة للبرجوازية و التربية الدينية والتوقعات.
2- تم نشر مجموعة القصص القصيرة الثانية لبوفوار المرأة المدمرة (La Femme Rompue) في عام 1967 وحظيت بترحيب كبير، حيث تقدم بوفوار في هذا الاعمال أيضًا دراسات منفصلة لثلاث نساء تعيش كل واحدة منهن في سوء نية بشكل أو بآخر، وعندما تواجه كل واحدة أزمة في علاقاتها الأسرية تنخرط في رحلة من مسؤوليتها وحريتها، كما تتوسع هذه المجموعة في الموضوعات الموجودة في أخلاقياتها والنسوية التي غالبًا ما تُنكر التواطؤ في التراجع عن الذات.
إسهامات بوفوار في المسرح:
كتبت بوفوار مسرحية واحدة فقط وحملت عنوان من سيموت؟ (Les Bouches Inutiles – Who Shall Die؟) والتي تم عرضها في عام 1945، وفي نفس العام الذي تأسست فيه المجلة الفرنسية العصر الحديث (Les Temps Modernes) بواسطة بوفوار وجون بول سارتر وموريس ميرلو بونتي.
من الواضح أنّ بوفوار متورطة في قضايا الحرب العالمية الثانية في أوروبا، حيث تركز معضلة هذه المسرحية على من يستحق التضحية لصالح المجموعة، فقد تأثرت هذه القطعة بتاريخ البلدات الإيطالية التي تعود إلى القرن الرابع عشر والتي عندما كانت تحت الحصار وتواجه مجاعة جماعية، حيث تخلصت من المسنين والمرضى والضعفاء والنساء والأطفال لتدافع عن نفسها حتى يكون هناك ما يكفي من الرجال الأقوياء للاحتفاظ بهم لفترة أطول قليلًا.
تدور أحداث المسرحية في مثل هذه الظروف التي كان لها صدى مؤلم لفرنسا المحتلة النازية، ووفقًا لالتزامات وفلسفة بوفوار الأخلاقية التي تؤكد على حرية وقدسية الفرد فقط في إطار الحرية واحترام مجتمعه، فقد قررت المدينة الانتفاض معًا وإما هزيمة العدو أو الموت معًا، وعلى الرغم من أنّ المسرحية تحتوي على عدد من الموضوعات الوجودية والأخلاقية والنسوية المهمة والمتطورة، إلّا أنّها لم تكن ناجحة مثل تعبيراتها الأدبية الأخرى.
وعلى الرغم من أنّ بوفوار لم تكتب مرة أخرى للمسرح إلّا أنّ العديد من شخصيات رواياتها على سبيل المثال في جاءت لتبقى (She Came to Stay) وكل الرجال بشر (All Men are Mortal) والماندرين (The Mandarins) هم كتاب مسرحيون وممثلون، مما يدل على ثقتها في الفنون المسرحية لنقل وجودي مهم والمعضلات الاجتماعية والسياسية.