فن الترجمة هو فن نشأ منذ الزمن القديم جدّاً، وكان للترجمة الأثر الكبير على الناس وعلى ثقافتهم، وعند تطوّر الترجمة أصبح لها الأثر الكبير في الحضارات التي نشأت وتطوّرت؛ فلولا فن الترجمة لما استطاعت هذه الحضارات أن تتواصل مع بعضها البعض، ولولا المترجمين لما استطاع الناس فهم ثقافات الدول الأخرى وفهم عاداتهم وتقاليدهم وغيرها من الأمور، سنتحدّث عزيزي القارئ في هذا المقال عن أثر الترجمة والمترجمين في التواصل بين الحضارات.
دور الترجمة في حوار الحضارات
على الرغم من أن الكتابات والمؤلّفات بمختلف أنواعها سواء كانت كتب أو تقارير أو سجلّات أو أوراق رسمية أو غيرها، قد تختلف بالأسلوب اللغوي وبطريقة الصياغة، إلّا أن الترجمة والمترجمين كانوا الأداة الأولى والأهم لمحاولة كسر هذه الغربة وهذه الفجوة ما بين الحضارات، وكان المترجم هو الشخص الذي يعتبر العنصر الأساسي في عملية التلقيح الحضاري.
المترجم في منظور البعض يسمّى (الإنسان النبيل)، إن أصل الترجمة والمترجمين هو ليس نقل الكلام من لغة إلى لغة فقط؛ بل إنّ من مهمة الترجمة هو محاولة التقريب قدر الإمكان ما بين هذه الأساليب اللغوية المختلفة، بغض النظر عن نوع الترجمة أو الغاية منها، فمن المعروف أن غايات الترجمة تختلف من نص إلى نص، أمّا النشاطات اللغوية الأخرى مثل: الاقتباس، الاختصارات، أو التلخيص قد يكون لها مهمّة محدّدة، أمّا الترجمة فهي نشاط لغوي يعتمد على نقل الكلام من لغة إلى لغة، بالإضافة إلى التقريب بين الدلالات اللغوية مع الحفاظ على الصورة الجمالية للنص أيضاً.
نضيف إلى أهداف الترجمة الأساسية هي البحث عن دراسة علوم وآداب الحضارات الأخرى، كما أنّ هنالك هدف غير التعرّف عليها وهو الاستفادة منها أيضاً، ومن ضمن الأمثلة البارزة على الحضارات التي نهلت من بعضها البعض واستفادت من ثقافات نفسها هي حضارة العرب والفرس، فهي أهم الأسماء التي ساهمت في بناء الحضارات الإسلامية.
ومن أجل أن تقوم الترجمة بتحقيق هذه الغايات كلّها فيجب أن يتم إجراءها ضمن خطوات منظّمة، وتم وضع هذه الخطوات من قبل الدارسين والباحثين لتتمكّن الترجمة من تحقيق غاياتها المقصودة، على الرغم من أن أهداف الترجمة قديماً كانت تختلف عن أهدافها حديثاً؛ حيث كان الهدف الرئيسي من الترجمة قديماً هو محاولة البلدان البسيطة أن تأخذ وتستفيد قد الإمكان من العلوم والآداب التي توصلّت لها البلدان الأكبر شأناً منها، وكانت أحياناً تسعى لأن تحاول أن تبني على هذه العلوم.
وكانت الترجمة في القديم تقدّر بثمن كبير جدّاً، وحتى إن المترجم كان يتم مكافئته مكافأة كبيرة؛ وذلك باعتباره أنّه قد قام بإنجاز كبير جدّاً، وسعى بتطوير الحضارات وساهم في بناءها، حتى إن الترجمة في القديم من منظور البعض كانت هي العامل الأساسي في بناء الحضارات وتقدّمها حتى وقتنا الحاضر.
واستمرّ الاهتمام بالترجمة قديماً على الرغم من أنّ وسائل الترجمة كانت صعبة جدّاً؛ وذلك بسبب البعد في المسافات بن البلدان، ولم يكن في ذلك الوقت قد توفّرت أي وسيلة من وسائل المواصلات، فكان على المترجم أن يتحمّل جهد السفر ويقوم بقطع مسافات طويلة، وذلك في سبيل البحث عن الاستفادة من العلوم.
أمّا في وقتنا الحاضر فالصورة التي حصلت في مجال وسائل المواصلات وغيرها من الأدوات الأخرى، أصبحت الترجمة من الأمور السهلة جدّاً، حتى أنّها في وقتنا الحاضر أصبح بالإمكان أن تتم عملية الترجمة خلال دقائق بل خلال ثواني في بعض الأحيان، وبغض النظر عن صعوبتها أو سهولتها فهي كانت ولا زالت باتفّاق الجميع الأداة الأساسية لخلق الحوارات بين الحضارات المختلفة.
وعرّفها البعض بأنّها الجسر الذي شكّل الأدب العالمي المشترك، منذ أن كانت الترجمة عبارة عن إيماءات بالإشارات وقبل اختراع الكلام، وبما أن نظرية حوار الحضارات هي من أهم القضايا التي تحظى باهتمام كبير لدى المفكّرين؛ فقد أصبحت الترجمة هي من القضايا الأساسية لها، فهما أصبحا أمران متلازمان.
وكانت مهمّة الترجمة من المهمّات التي يشجّعها الدين الإسلامي، وهي التشجيع على الحوار وتقبّل التغاير والتمايز بين الناس، فكانت الترجمة على طول المدى أداة للفكر والرقي الإنساني، حتى أنّ نهضة الدول النائية صارت مشروطة بالترجمة، خاصّةً في عصرنا الحالي الذي بات لا ينفك عن التطوّر المتسمرّ.