المثل
يُعدّ المثل واحدًا من أقدم الموروثات العربية، والتي ما زالت تُستعمل حتى يومنا هذا، ويعود أصول بعضها إلى الجاهلية والعصور القديمة، وقد نالت الأمثال الشعبية اهتمامًا خاصًا عند الغرب والعرب على حد سواء، ونظرًا لأهميتها في الثقافة العربية، فقد بلغت عناية الأدباء العرب بها مبلغًا كبيرًا، وكان لها طابع مميز.
يُعتبر ضرب الأمثال، واحدًا من أكثر أشكال التعبير الشعبيّ انتشارًا، ولا تكاد تخلو منه أية ثقافة من ثقافات الأمم، حيث إنه يُمثل فكر الشعوب وكما أنه يعكس تصوراتها ومعتقداتها وعاداتها وأغلب مظاهر حياتها، في صور حية، وفي دلالات إنسانية شاملة، ويمكن أن نعتبره عصارة حكمة الشعوب وذاكرتها الباقية المتوقدة.
من هي حليمة؟
هي “حليمة بنت الحارث بن أبي شمر”، وقد قام أبوها بتوجيه جيش إلى “المنذر بن ماء السماء”، وقامت حليمة بإخراج الطيب لهم من وعاء فطيبتهم، وقال المبرد : “هو أشهر أيام العرب، إذ يقال: قد ارتفع في هذا اليوم من العجاج، ما غطّى عين الشمس حتى ظهرت الكواكب.
قصة مثل ما يوم حليمة بسر
يقولون في الأمثال: “ما يوم حليمة بسر”، وأما قصته فهي أن “المنذر بن ماء السماء اللخمي ملك الحيرة”، قد قام بغزو “الحارث بن أبي شمرٍ الغساني ملك العرب بالشام”، فأتاه في ما يقارب مئة ألف محارب، فخافه الحارث وخشي البوار على قومه، فجاءه “شمر بن عمرو من بني بكر بن وائل” في جماعة من قومه.
وقد أغضبه المنذر في أمر، فنصح شمر الحارث بأن يبطئ المنذر عن القتال، ويعده بأن يعطيه ويدين له، فاغتر المنذر بذلك، ثم قال لفتيان غسان الذين هم كانوا من بيت الملك: أما تجزعون أن يتقسم اللخميون نساءكم؟ وكان الحارث قد انتدب مئة من أصحابه اختارهم رجلًا رجلًا، وفيهم لبيد بن أخي الحارث، ثم قال لهم انطلقوا إلى عسكر المنذر فأخبروه أنّا ندين له ونعطيه حاجته.
قام “الملك الحارث” بإخراج ابنته حليمة، وكانت من أجمل نساء العرب، فأخذت مسكًا موضوعًا في وعاء وبدت، وجعلت تطيب هؤلاء الفتيان بذلك المسك، وكان آخرهم لبيد، فلما مسحته بالطيب قبض عليه وقبلها، فصاحت وولولت، فقال أبوها: ما شأنك؟ فأخبرته فقال: قدمناه للقتل فإن يقتل فقد كفيت أمره وإن يسلم- وهو أحبهما إلي- زوجتك إياه، فهو كفؤ لك كريم، فلما تجهزوا قال لهم شمر: ائتوا المنذر وأعلموه أنكم خرجتم مراغمين للحارث لسوء أثره فيكم، فإنه سيسر بمكانكم فكونوا قريبين من قبته، فإذا رأيتمونا قد زحفنا إليه فشدوا على حرسه وحجابه، ففعل الفتيان ما أمرهم به.
لما زحف الحارث وصحبه شد الفتية الذين أرسلهم على الحرس فقاتلوهم قتالًا شديدًا، وصرعوا منهم بشرًا حتى قُتلوا كلهم، ولحقهم شمر فيمن معه، ولم تكن له غاية إلا أن يقتل المنذر، فأتاه فدخل عليه فقتله، ولم ينجُ من أهل المئة إلا لبيد صاحب حليمة، فرجع وقد اسودت فرسه من العرق، فأخبر الحارث بأن شمر بن عمرو قد قتل المنذر، ثم حمل على أصحاب المنذر، فقال له الحارث: ويحك أين تمضي؟ ارجع وقد زوجتك حليمة، فقال: والله لا تحدث العرب أني بقيت من المئة، ولحق الحارث الناس فقتل منهم مقتلة عظيمة، وأسر شأس بن عبدة أخا علقمة بن عبدة الذي يعرف بعلقمة الفحل قي سبعين من أشراف تميم، وأسر من أسد وقيس جمعًا كثيرًا، وهذا اليوم هو عين أباغ، ووفد علقمة بن عبدة إلى الحارث وامتدحه.
قال “عبد الرحمن بن المفضل عن أبيه”: عندما غزا “المنذر بن ماء السماء” غزاته التي قُتل فيها، كان الحارث بن جبلة الأكبر، ملك غسان، يشعر بالخوف. وفي جيش المنذر كان هناك رجل من بني حنيفة يُدعى شمر بن عمرو، وكانت والدته من غسان. خرج شمر للالتحاق بالحارث، وعندما اقترب من جيش المنذر، لحِق به. فقال له: “قد أتاك ما لا تطيق”. حينها، ندب الحارث مئة رجل من أصحابه بعد أن اختارهم بعناية، وأرسلهم إلى معسكر المنذر ليخبرونه أنهم يدينون له ويستعدون لتلبية حاجاته.
وحذّرهم أنه إذا رأوا منه غرة، فيمكنهم الهجوم عليه. ثم أمر ابنته حليمة بإخراج مركن يحتوي على خلوق “المسك”، فقال: “خلقيهم”. خرجت حليمة إليهم، وكانت من أجمل النساء، وبدأت في تزيينهم. وعندما مرّ فتى يُدعى لبيد بن عمرو، اقتربت لتخلقه، لكن عندما دنت منه قبلته، مما جعلها تبكي وتعود إلى أبيها لتخبره بما حدث. فقال لها: “ويلك، اسكتي عنه، فهو أرجىهم عندي ذكاءً وفطنة.
قتل المنذر ومقولة المثل
مضى القوم يصحبهم شمر بن عمرو، وكذلك الحنفي حتى جاؤوا المنذر، فقالوا له: جئناك من عند صاحبنا، وهو يقرّ بأنه يدين لك وسيعطيك حاجتك، ففرح أهل معسكر المنذر ذلك، وغفلوا قليلًا، فحملوا على المنذر فقتلوه، فقيل: ليس يوم حليمة بسر، فذهبت مثلًا يُضرب في أمر متعالم مشهور.