مثل عربي عن الحلم
قول ومثل جرت به ألسنة العرب، وتداوله الناس حينما يتكلّمون عن الرجل الحليم، الذي يصبر على كلام الناس وأذيّتهم له في القول والفعل.
من هذا الرّجل الذي ضربت العرب المثل في حلمه؟ وما هو خلق الحلم؟
من هو الأحنف
الأحنف بن قيس، سيّد قبيلة تميم العربية، التي كانت تسكن العراق.
أسلم في حياة النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، ولم يرَ النبي.
عندما استلم الخليفة الراشد ” عمر بن الخطاب “، زِمام الخلافة في الدولة الإسلاميّة، جآء وفد” قبيلة تميم” على “عمر بن الخطاب “، كغيره من الوفود.
وكان “الأحنف بن قيس” على رأس قبيلته، فمكث في المدينة عند عمر عاماً كاملاً ثمّ عاد إلى البصرة.
توفي في الكوفة في ولاية {مصعب بن الزبير} أمير العراق.
ـ دعا له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، بقوله :
” اللهم اغفر للأحنف …، فكان الأحنف يقول :”ما شئ أرجى عندي من ذلك “
أترك الحديث الآن عن الأحنف وعن حياته وغزواته، وأتكلّم عن خُلُقِ ومَنقَبةِ “الحِلم”، الذي سادَ به قومَهُ، ودرج الحديث به على ألسِنَةِ العَرَب.
تعريف الحلم عند أهل اللغة والكلام
ذكرَ الجاحِظ أنَّ الحِلمَ هو” تَركُ الانتقامِ عند شدّةِ الغضبِ، مع القُدرةِ على ذلك”
وذكرَهُ الجَرجَانِي، بأنّهُ الطُّمأنينة عند سَورةِ الغضب، ومعنى “سَورة”، هي فَورةِ وشدّةِ الغضب.
وقال أيضاً: بأنّه تأخيرُ مُكافأةِ الظَّالم.
اذاً فالحِلمُ فِيمَ نَرى، بأنّه طُمأنينة وهدوء عند فوران الغضب، وتركَ الحليم الانتقام.
ولقد أوصانا الحبيب المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ، سيّدُ الحُلماء في مثلِ هذه الأوقات، أي أوقات الغضبِ ومحبّةِ الانتقام، عندما سأله أحدُ الصّحابة، في الحَديث الذي رواه الصّحابي الجليل أَبي هُريرة، عندما قال للنّبيِ “أوصِنِي، قالَ:
لا تَغضَب، فَردّدَ مِراراً، قالَ: لا تغضَب “.
وتِكرار النبي لهذهِ الوصيّة، لهذا الصّحابيِّ دلالةٌ على خيرِ الدُّنيا والآخِرة، وضِدّها أي {الغضب}، يؤولُ إلى التّقاطع بين الناس، وعَدَمِ الرِّفقِ وإيذاء الناس.
فالرّجل حتّى يبقى في دائرة الحِلمِ، يجب أن يَملكَ نَفْسَهُ عند الغضب، حتى لا يخرُجْ إلى الإنتقام وإيذاء النّاس، حين يجهل الجُهَلاء عليه.
فكان من وصايا النبي في حديثه الشريف، أنّه قال:
“ليسَ الشّديدُ بالصّرعة، وإنّما الشّديدُ الذي يملكُ نفْسهُ عند الغضب”
ـ وَمِن جميلِ ما ذُكِرَ في الحِلْمِ، ما ذكَرَهُ الإمام “عليّ بن أبي طَالب”، كَرّمَ الله وجْهَهُ، في ذلك حينما قال:
“إنَّ أوّلَ عِوَضِ الحليمِ عن حِلْمِهِ، أنَّ النَّاس أنْصَارٌ له على الجَاهِلِ”.
أعودُ بِكم مرّةً أخرى لِصاحِبِنا وحَدِيثِ مقَالِنا، للأحنَفِ بن قيسِ ـرحمه الله تعالى ـ، الذي كانَ يقول:
“وجَدّتُّ الاحتمالَ أنصَر لي من الرّجال”.
ـ فَبَيتُ القصيدِ في هذا الخُلُقِ الكَريمِ، هو احتمالُ أخطاءِ النّاسِ وعِلّاتِهم وإيذائِهم، وهو من شِيَمِ الكِرامِ، وصِفاتِ الكِبار.
فقدْ قِيل:” ليسَ منْ عادةِ الكِرامِ، سُرعَة الغضبِ والانتقام”.
ـ وفوقَ ذلكَ كُلِّهِ، أنَّ خُلُقَ الحِلْمِ، من صفاتِ نَبيّنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، الذي كان يتّصِف به في سيرته العَطِرة.
فَقَد كان أحلم النَّاس وأحسَنهم خُلُقاً.
ـ ولعلَّ يومَ فتحِ مكة، كان من أروعِ الأمثلةِ على حِلْمِ النّبيِّ على قومهِ، عندما سألوهُ بعدَ أن دخلَ مكة من أبوابِها الأربعة، وجَمَعَ أهْلَ قُريش، وقالَ لهم:
“ما تَرُوني فاعِلٌ بِكُم.
فقالوا: أخٌ كريمٌ، وابن أخٍ كريمٍ.
فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اذهَبوا فأنتُم الطُلَقاءْ.
ـ كان حليماً معهم، وعفا عنهم بعد أنْ كانَ قادِراً عليهم.
وخُلاصة القولِ ما قالَهُ { الأحنفُ بن قيس} عن نفسِهِ، عندما قال:
“مَا آذانِي أحَدٌ إلّا أخَذْتُ في أمْرِهِ إلّا بإحدَى ثلاثٍ:
إنْ كانَ فَوقِي عَرَفْتُ لهُ فَضْله ُ.
وإنْ كانَ مِثْلِي تَفضّلتُ عليهِ.
وإنْ كانَ دُوني أكْرَمْتُ نفسي عنه.