كشخصية مؤسسية للحركة التحليلية في الفلسفة، ساعد برتراند راسل في تحويل جوهر وشخصية وأسلوب الفلسفة في العالم الناطق باللغة الإنجليزية، كان أيضًا أحد أعظم علماء المنطق في القرن العشرين، مصلح اجتماعي صريح حيث قام بحملة فعالة ضد العوائق الظالمة وغير المنطقية أمام حرية الإنسان وسعادة.
مشاعر راسل وخطأ أخلاقه الفوقية:
يقدم برتراند راسل تنازلاً حاسمًا في الدفاع عن نفسه ضد تهمة التناقض، ولكن ما هي الرغبات (الجيدة)؟ هل هم أكثر من رغبات تشاركها؟ بالتأكيد يبدو أنّ هناك شيئًا آخر، ففي معارضة الاقتراح (كجملة: إدخال مصارعة الثيران إلى أمريكا)، يجب أن يشعر المرء ليس فقط أنّه كان يعبّر عن رغباته، ولكن أنّ رغباته في هذا الأمر صحيحة مهما كان معنى ذلك.
ما الذي يشعر به راسل بالضبط؟ إنّ أولئك الذين يعتقدون أنّ مصارعة الثيران أمر جيد، وبالتالي يرغبون في ذلك ويرتكبون نوعًا من الخطأ، وعلى العكس من ذلك فإنّ أولئك الذين يعتقدون أنّ مصارعة الثيران أمر سيء، وبالتالي يعارضونها فهم بطريقة ما يفعلون نوعًا صحيحًا.
وبالتالي فإنّ الشيء الأكثر الذي لم يستطع راسل الشعور به هو أنّ وجهات نظره حول سوء مصارعة الثيران كانت صحيحة وأنّ آراء هواة مصارعة الثيران الوهمية خاطئة. ولكن كيف يمكن أن يكون ذلك إذا كانت مصارعة الثيران سيئة حقًا في الاختيار؟ ولكي تكون الجملة صحيحة أو خاطئة، يجب أن تكون قادرة لغويًا على الحقيقة والخطأ أو كما هو الحال في المصطلحات الحالية مناسبة للحقيقة.
وهكذا في اعترافه بأنّه لا يستطيع الشعور بأنّه سيكون على حق، أي على صواب في معارضة مصارعة الثيران في أمريكا كان راسل يعترف بمشاعر توحي بأنّ أخلاقه الفوقية خاطئة. علاوة على ذلك فإنّ حقيقة أنّ لديه هذه المشاعر تقدم دليلاً على زيف نظريته، فلو تم وضع في الاعتبار جملة: ” أن أكون في إنجلترا الآن بعد شهر أبريل هنا”، وهي جملة واضحة في الاختيار، باستثناء الجزء المتعلق بتواجد أبريل هنا.
من الصعب أن نرى كيف يمكن لأي شخص يفهم هذه الجملة أن يشعر أو يعتقد أنّها صحيحة أو خاطئة، فطابعها الاختياري واضح لأولئك الذين يفهمون اللغة الإنجليزية، وحقيقة أنّها في الاختيار تستبعد إمكانية الحقيقة والباطل.
ونظرًا لأنّ راسل كان يميل إلى الشعور بأنّ مصارعة الثيران أمر سيء فهذا أمر صحيح، وبما أنّ هذا ليس شيئًا غير مترابط يجب الشعور به أو التفكير فيه فإنّ هذا يشير بقوة إلى أنّ مصارعة الثيران أمر سيء، وعلى عكس جملة: “يا أن تكون في إنجلترا!”، ليس في الحالة المزاجية الاختيارية.
في الواقع هناك شيء غريب في فكرة الاختيار المقنع، وبالطبع من الممكن إعطاء الأوامر أو التعبير عن الرغبات عن طريق الجمل التي تكون نحويًا في الحالة المزاجية الإرشادية.
ففي جملة “هنري الرابع: لديك إجازة جيدة لمغادرتنا”، نحويًا في الدلالة ولكنها مجرد متغير أقل بقليل من الأمر الواضح “ورسستر احصل على ما تريد”، ولكن عندما نستخدم المؤشرات للتعبير عن الرغبات أو نقل الأوامر، فإننا ننخرط في أعمال تواصلية من شأنها أن تنجح بشكل سيء إذا فشل الأشخاص الذين نتحدث معهم في فهم النقطة.
حتى لو كان الملك هنري قد اقتصر على “لديك إجازة جيدة لتركنا”، متجاهلًا الأمر الصريح “ورسستر احصل على رحيلك”، كان على ورسستر أن يكون منفردًا بشكل منفرد حتى لا يدرك أنّه أمر بالمغادرة. عادة ما يكون المتحدثون المختصون مدركين جيدًا عند استخدام جملة إرشادية نحوية لإعطاء أمر أو للتعبير عن رغبة، وفي الواقع هذا هو أحد معايير الكفاءة اللغوية!.
لكن فرضية راسل هي أنّه على الرغم من المظاهر فإنّ “(X) جيد”، بمعنى الخير كنهاية يكون حصريًا في الحالة المزاجية الاختيارية على الرغم من أنّه بالنسبة لمعظم الناس، لا يُقصد به ولا يفسر على هذا النحو. لقد كنا نرغب في تحسين الأمور وتراجعها لمئات السنين بينما نسيء فهم معاني أقوالنا بشكل جذري، لنفترض أن هذا يعني افتراض أنّ المعنى مستقل عن نوايانا الجماعية.
قد يرد راسل بأنّ استخدامنا يناقض نوايانا المعلنة، وأننا نستخدم “(X) جيد” كما لو كانت في الخيار الاختياري، وعلى الرغم من اعتراضاتنا على العكس فإنّ نظريته تقدم أفضل تفسير لاستخدامنا الفعلي.
المشكلة في هذا الرد أنّه يقوم على فرضية خاطئة بشكل واضح، ولا نستخدم في الواقع “(X) جيد” كما لو كان في الحالة المزاجية الاختيارية، بحيث نتعامل معها كما لو كانت مناسبة للحقيقة، يقودني هذا إلى الاعتراض الأكثر وضوحًا وربما الأكثر إقناعًا على الانفعال العاطفي، وهو من المحبب أن يسمّى حجة البطة.
الافتراضات والأحكام الأخلاقية:
المشكلة الرئيسية لمعظم أشكال اللادراكية هي أنّ الأحكام الأخلاقية تبدو وتتصرف مثل الافتراضات، أي في هذا الصدد أنواع الأشياء التي يمكن أن تكون صحيحة أو خاطئة.
كما تقول المصطلحات (سطح مقترح)، وندّعي أنّ هذه الجمل صحيحة أو خاطئة، ونتحدث عن معرفة الفرق بين الخير والشر والصواب والخطأ، حيث يبدو أنّ المعرفة تنطوي على الحقيقة، ونتساءل عما إذا كانت آرائنا الأخلاقية صحيحة أم خاطئة بمعنى أنّها صحيحة أو غير صحيحة، ونعتقد أننا أو الآخرين كذلك أو على الأقل قد نكون مخطئون في معتقداتنا الأخلاقية، بمعنى أنّها قد تكون خاطئة.
كل هذا يصعب فهمه إلّا على افتراض أنّ الأحكام الأخلاقية هي ما تبدو عليه عبارات تعبر عن معتقدات وتصف بعض الحقائق المزعومة، وبالتالي فهي قادرة على الحقيقة والخطأ.
لا تُظهر الحجة وجود مثل هذه الحقائق، ففي النهاية يمكن طرح نفس النقاط حول الخطاب اللاهوتي، ولا يمكن لمجموعة من الجمل الملائمة للحقيقة أن تستحضر وجود الله.
قد لا تكون هناك حقائق أخلاقية تتوافق مع آرائنا وبالتالي فهي خاطئة في الغالب، مثل افتراضات الأساطير اليونانية، ولكن الطريقة التي نتحدث بها تشير بقوة إلى أنّ تصريحاتنا الأخلاقية هي في لعبة الصواب أو الخطأ، وبالتالي فهي مناسبة للحقيقة أو لها قيمتها الحقيقية.
إذا كان هناك شيء يشبه البطة إذن يسبح مثل البطة ويصيح مثل البطة، فمن المحتمل أنّه بالفعل بطة! وبالمثل إذا كان شيء ما يبدو وكأنه تعبير مناسب للحقيقة، لأنّه على السطح يكون في الحالة المزاجية الإرشادية، وإذا كان يتصرف بشكل منطقي كتعبير مناسب للحقيقة.
وهو مرة أخرى ما يفعله “(X) جيد” بلا شك، وإذا كان يتم التعامل معها من قبل الأشخاص الذين يحافظ استخدامهم على معناها كما لو كان مناسبًا للحقيقة، وبالتالي في غياب الحجج المقنعة التي تشير إلى عكس ذلك فمن المحتمل أن تكون مناسبة للحقيقة.