بعض تحديات فلسفة التعليم

اقرأ في هذا المقال


هناك عدد من المشكلات والمهام الفلسفية الأساسية التي شغلت فلاسفة التعليم عبر تاريخ الموضوع.

مشكلة أهداف التعليم:

إنّ المشكلة الأساسية لفلسفة التربية هي تلك المتعلقة بالأهداف أي ما هي الأهداف الصحيحة والمثل العليا للتعليم؟ وما هي المعايير المناسبة لتقييم الجهود والمؤسّسات والممارسات والمنتجات التعليمية؟، وقد تم اقتراح العديد من الأهداف من قبل الفلاسفة والمنظرين التربويين الآخرين، حيث أنّها تشمل:

  • تنمية الفضول والاستعداد للإستفسار.
  • رعاية الإبداع.
  • إنتاج المعرفة والطلبة المطلعين.
  • تعزيز التفاهم وتعزيز التفكير والشعور والعمل الأخلاقي.
  • تضخم الخيال.
  • تعزيز النمو والتنمية تحقيق الذات.
  • تحقيق الإمكانات.
  • تربية الأشخاص “المتعلمين بشكل متحرّر”.
  • التغلب على الإقليمية والانغلاق الأفق.
  • تطوير الحكم السليم.
  • تنشئة الانقياد والطاعة للسلطة.
  • تعزيز الحكم الذاتي.
  • تعظيم الحرية أو السعادة أو احترام الذات.
  • تنمية الرعاية والاهتمام والمواقف والميول ذات الصلة.
  • تعزيز مشاعر المجتمع والتضامن الاجتماعي والمواطنة والعقلية المدنية.
  • إنتاج مواطنين صالحين.
  • “حضارة” الطلاب.
  • حماية الطلاب من الآثار الضارة للحضارة.
  • تنمية التقوى والإيمان الديني والوفاء الروحي.
  • تعزيز النقاء الأيديولوجي.
  • تنمية الوعي السياسي والعمل.
  • تكامل أو موازنة احتياجات ومصالح الطالب الفرد والمجتمع الأكبر.
  • تنشئة المهارات والتوجهات المكونة للعقلانية أو التفكير النقدي.

كل هذه الأهداف المقترحة تتطلب تفصيلاً ودفاعًا دقيقين، حيث قد تعرضت جميعها لإنتقادات مستمرة، وقد كرّس فلاسفة التعليم المعاصرون والتاريخيون أنفسهم على الأقل جزئيًا للدفاع عن مفهوم معين لأهداف التعليم أو لانتقاد مفاهيم الآخرين.

إنّ النطاق الكبير من الأهداف التي تم اقتراحها يجعل فيلسوف التعليم حاجة حية لمناشدة مجالات الفلسفة الأخرى والتخصصات الأخرى – على سبيل المثال علم النفس والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والعلوم الفيزيائية – والممارسة التعليمية نفسها، وبالنظر إلى أنّ النظر في أهداف التعليم الصحيحة له أهمية أساسية للتوجيه الذكي للأنشطة التعليمية، فمن المؤسف أنّ المناقشات المعاصرة للسياسة التعليمية نادراً ما تتناول هذه المسألة.

مشكلة الانتقادات النسوية والمتعددة الثقافات وما بعد الحداثة:

تمتد الإنتقادات النسوية والمتعددة الثقافات وما بعد الحداثة للتعليم إلى ما هو أبعد من مسألة التفكير النقدي، بحيث تتناول السمات العامة للفلسفة والنظرية التربوية والممارسة، وهذه الحركات الثلاث الحاسمة ليست أحادية الجانب داخليًا ولا يمكن دمجها بشكل غير معقد، وبالتالي فإنّ ما يلي هو المبالغة في التبسيط.

فلسفة التعليم والانتقادات النسوية:

وغالبًا ما يجادل فلاسفة التعليم النسويون بأهمية الأهداف التعليمية المستبعدة عادةً من المجموعة التقليدية الموجهة للذكور، ويتمثل أحد أهداف النسوية في الاهتمام، أي تعزيز قدرات الطلاب وميولهم لرعاية أنفسهم والآخرين، والهدف الأكثر عمومية هو التركيز بشكل أقل على الإدراك والمزيد على التطور العاطفي والبديهي والمخاطب لجميع الطلاب.

وعلى نحو متصل فإنّ العديد من فلاسفة التعليم النسويين يشككون في التمييز التقليدي بين المجالين العام والخاص، ويجادلون بأنّ التعليم يجب ألا يركز فقط على تنمية القدرات والخصائص التي تمارس عادة في المجال العام، وعلى سبيل المثال العقل والموضوعية وعدم التحيز، ولكن أيضًا فيما يتعلق بالقدرات والخصائص المخصّصة تقليديًا للمجال الخاص بالمنزل والأسرة، وعلى سبيل المثال الاتصال العاطفي والرحمة والحدس والحساسية تجاه الاحتياجات الجسدية والنفسية للآخرين.

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا التوصيف للفلسفة النسوية للأوراق التربوية يتخطى بعض الخلافات والنقاشات الداخلية الهامة، على سبيل المثال في حين أنّ بعض فلاسفة التعليم النسويين يقترحون أنّه يجب على الفتيات والفتيان إتقان كل من الأدوار والقدرات التقليدية للذكور والإناث يرفض البعض الآخر هذه الفئات المألوفة، بينما لا يزال آخرون لا يثقون أو يرفضون صراحة العقل والموضوعية على أنّهم “ذكور”.

فلسفة التعليم متعدد الثقافات:

يؤكد فلاسفة التعليم متعدد الثقافات كما توحي التسمية على أهمية التنوع الثقافي لأنّه يتجلى في التعليم وفلسفته، مع إيلاء اهتمام خاص لهذا التنوع، ويشير تعدد الثقافات إلى الطرق التي تفضل بها الأهداف والممارسات التعليمية الفعلية مصالح مجموعات ثقافية معينة على حساب الآخرين، حيث إنّهم يؤكدون على الاختلافات ليس فقط في اللغة والعادات ونمط الحياة ولكن بشكل أساسي أكثر في المعتقدات الأساسية والقيم ووجهات النظر العالمية، وهم يجادلون بأنّ التعليم يجب ألّا يميّز ثقافات مجموعات معينة ولكن يجب أن يعامل جميع المجموعات بنفس الجدية والاحترام.

ومع ذلك فإنّ ما يعنيه هذا في الممارسة العملية بعيد كل البعد عن الوضوح، ويجادل بعض أتباع التعددية الثقافية بأنّ العدالة والاحترام يتطلبان اعتبار تقاليد ومعتقدات وقيم كل مجموعة شرعية على قدم المساواة، حيث يرى البعض الآخر أنّه من الممكن احترام مجموعة بينما لا تزال تعتبر معتقداتها خاطئة أو أنّ قيمها ناقصة.

هذا النقاش له عواقب مهمّة في مجال المناهج الدراسية الخاصة بتعليم العلوم، ولكنّ القضية العامة تنشأ في كل مجال من مجالات المناهج الدراسية تقريبًا، وهناك أيضًا مشكلة مفادها أنّ مفاهيم العدالة والاحترام التي يميل التعدديون الثقافيون إلى الاستناد إليها ليست مشتركة عالميًا ولكنّها مأخوذة من مواقع ثقافية معينة، وبالتالي يبدو أنّها تفضل تلك المعتقدات والقيم المحددة ثقافيًا على عكس الدافع التحفيزي للحركة.

إنّ أفضل طريقة لحل هذه المشكلة لا تزال موضع نقاش داخل معسكر التعددية الثقافية حيث يختار البعض شكلاً من أشكال النسبية الثقافية والبعض الآخر يختار مزيجًا من التعددية الثقافية والعالمية.

فلسفة التعليم لما بعد الحداثة:

يتحدى الفلاسفة وفلاسفة التعليم ما بعد الحداثة الجوانب الأساسية للتنظير الفلسفي التقليدي من خلال التشكيك في إمكانية الموضوعية وحياد العقل واستقرار المعنى والتمييز بين الحقيقة والسلطة، حيث إنّهم يثيرون الشكوك حول جميع النظريات العامة – للفلسفة أو التعليم أو أي شيء آخر – من خلال اقتراح أنّ كل هذه “الروايات الكبرى” تنشأ في ظروف تاريخية معينة وبالتالي تعكس حتما وجهات النظر العالمية والمعتقدات والقيم ومصالح المجموعات التي تحدث تكون مهيمنة في تلك الظروف.

مثل النسويات ومتعددي الثقافات ما بعد الحداثيين لا يتحدثون بصوت واحد، ويسعى البعض مع التركيز على السلطة والعدالة إلى فضح الممارسات غير المشروعة للسلطة المسيطرة من أجل تحقيق ترتيب اجتماعي أكثر عدلاً حيث لم يعد المهيمن عليه كذلك، بينما يؤكد البعض الآخر على عدم استقرار المعنى وعيوب السرديات الكبرى، ويطرحون التساؤلات حول سرديات الهيمنة والعدالة، ممّا يقود تبرير الجهود السياسية الرامية إلى القضاء على الأولى وتعزيز الثانية.

تشترك هذه الحركات المتميزة ولكن المتداخلة جزئيًا في الإصرار على أنّ التعليم وفلسفته هما سياسيان حتمًا والدافع للكشف عن علاقات القوة في النظرية والممارسة التربويين وتطوير حسابات فلسفية للتعليم تأخذ في الاعتبار الكامل قيم ومصالح الجماعات التي تم استبعادها تقليديًا من التفكير التربوي.

وغالبًا ما تتساءل هذه الحركات أيضًا عن إمكانية وجود مُثل وقيم تعليمية عالمية، وعلى هذا النحو فهم يتحدون في بعض النواحي إمكانية فلسفة التعليم والفلسفة بشكل عام على الأقل كما تمّ ممارسة هذه التخصصات تقليديًا، وكانت الاستجابات الحاسمة لهذه التحديات عديدة ومتنوعة، ويتمثل أحد أبرزها في الإشارة إلى التناقض الواضح الذي ينطوي عليه الإدعاء بأنّ الحسابات العامة للتعليم والعدالة وما شابه ذلك مستحيلة بشكل عام، كما هو الحال في أي مكان آخر فإنّ القضايا هنا معقدة وبعيدة عن الحل.


شارك المقالة: