مفهوم الملكية الخاصة وعلاقتها بالإرادة لدى الفيلسوف جرين

اقرأ في هذا المقال


قال توماس هيل جرين: “الملكية هي تعبير عن وعي الفرد بالرضا الذاتي المحتمل كشيء يجب تحقيقه” وهكذا يكون الفرد مدركًا لنفسه باعتباره ذاتًا دائمة يخدمه استخدامه الشخصي للأشياء المادية، وبهذه الطريقة يتعرف الإنسان على الطبيعة كمجموعة من المواد الخام والموارد التي يمكنه استخدامها للتعبير عن شخصيته وتطوره وقيمته الأخلاقية.

فلسفة جرين في مفهوم الملكية:

من خلال العمل على شيء ما يكتسب الفرد إحساسًا أكبر بإمكانياته، وبالتالي يصبح أكثر عرضة لتطويرها وبالتالي يصبح كائنًا أكثر اكتمالاً، وهذا يعني أشياء كثيرة في الممارسة، حيث إنّه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بفهم جرين للإرادة، وهنا يكتب جرين:

“باختصار يتطلب الأساس المنطقي للملكية أن يتماشى كل شخص مع الشرط الإيجابي لامتلاكها، أي العمل والحالة السلبية، بمعنى يجب أن يكون احترامه كما يمتلكه الآخرون بقدر ما تجعله الترتيبات الاجتماعية كذلك مالكًا للممتلكات بنفسه وممتلكات تمكّنه على الأقل من تطوير إحساس بالمسؤولية متميزًا عن مجرد ملكية في الضروريات المباشرة للحياة”.

يوضح هذا المقطع أسباب جرين للاعتقاد بأنّ الملكية الخاصة مهمة أخلاقياً في مجتمعه، حيث سلبيًا لا يمكن للمرء أن يدعي حقًا لنفسه بشكل عقلاني بناءً على قدرة المرء على تحديد مسار حياته بحرية مع إنكار نفس الحق لأي شخص آخر يمتلك هذه الصفات أيضًا، وهذا تطبيق لأمر كانط القاطع بنفس الطريقة التي طبقها كانط وهيجل في نظريات كل منهما عن الملكية.

يبدو أنّ الشرط الإيجابي في البداية يردد صدى حجة لوكيان بأنّ حق الفرد في حيازة الملكية الخاصة يتم تأسيسه من خلال ممارسة عمله، ومع ذلك بالنسبة إلى جون لوك فإنّ مزج عمل الفرد مع شيء ما يُفهم بمصطلحات مادية أكثر بكثير مما يفهمه جرين أو هيجل، وبالنسبة لهم فإنّ النقطة الأساسية هي أنّ تكوين كائن عن عمد هو عملية إخراج إرادة المرء.

العلاقة بين الملكية الخاصة والإرادة في فلسفة جرين:

وفي جزء منه يهتم جرين بإظهار أنّ الملكية هي تعبير عن وجود المرء وقيمته، وعند الاستيلاء على شيء ما يمكن للمرء أن يقول: “هنا يجب أن أفعل ما يحلو لي لإشباع رغباتي والتعبير عن مشاعري عند ظهورها”، إنّ امتلاك الملكية الخاصة هو علامة على قدرة الفرد على الإرادة وخلق الذات، كما أنّه يدرك الفرد أنّ الشيء الذي يمتلكه ويسيطر عليه موجود بسبب عمله ومواهبه.

يُفهم هذا العمل وهذه المواهب بدورها على أنّها تعبير خارجي عن إرادته وقدراته -بمعنى ما قوته- وبالتالي قيمته، ويمكّن هذا الاعتراف الفرد من تصور الرغبات الحالية والرغبات المستقبلية التي يمكن له إشباعها، وبالتالي تمثل تطورًا لإرادته وعقله، ومن هذه المرحلة يمكن للفرد أن يتصور نفسه ككائن يمتلك رغبات وحاجات ذاتية الإشباع كفئة عامة -أي في تجريد من أي حاجة معينة- وبهذا المعنى يصبح الفرد أكثر وعيًا لنفسه باعتباره كائنًا يحتمل على الأقل تحقيق الذات.

ومع ذلك فإنّ تطوير الإرادة يستلزم بالضرورة ميلًا متزايدًا إلى الاعتراف بفكرة خير مطلق مشتركة بين الفرد مع جميع أعضاء المجتمع الآخرين، ومن هذا المنطلق يمكن للمرء أن يفهم تأكيد جرين على أنّ امتلاك الملكية الخاصة يميل إلى تطوير إحساس الرجل بالمسؤولية، وفي جزء منه يجادل جرين بأنّه من خلال حيازة الملكية بشكل خاص يتزايد إدراك البشر لقيمة مبدأ كانط القائل بأنّه: “لا ينبغي أبدًا معاملة الناس ببساطة كوسيلة ولكن دائمًا في نفس الوقت كغاية”.

ومع ذلك يقول جرين إنّ الطريق للوصول إلى هذه المرحلة من الاحترام العقلاني والتنمية الشخصية سوف يختلف بين الأفراد، ولهذا السبب جزئيًا يجب أن تُحمل الملكية بشكل خاص الملكية الجماعية للموارد تمنع بالضرورة الاختيار الفردي وتفرض تخصيصات واستخدامات معينة بينما تقيد الآخرين، وتسمح علاقات الملكية الخاصة للفرد باختيار الأشياء التي يعمل عليها ومعها وبالتالي كيفية تطويرها.

كما يشير جرين أنّه يجب أن يختلف هذا التخصيص في آثاره وفقًا للموهبة والفرصة، ومن هذا الاختلاف يؤدي مرة أخرى إلى اختلافات في الشكل الذي تتخذه الشخصية عند الرجال المختلفين حيث يظهر هنا ما يلي:

1- أولاً: يدافع جرين عن نظام ملكية قائم على التوزيع وفقًا لاستخدام الفرد للمواهب والفرص، وذلك بما يتماشى مع الحجة المذكورة أعلاه.

2- ثانيًا: يتبنى حجة هيجل بأنّ التوزيعات المختلفة للسلع المادية لأفراد محددين تميل إلى تكوين شخصيات مختلفة واضحة في هؤلاء الأفراد.

يقول جرين أيضًا أنّ الملكية مهمة للتنمية البشرية بطريقة غير محايدة، فعلى سبيل المثال يتطلب الفنان كفنان الوصول إلى موارد معينة قد يجدها المزارع كمزارع عديمة الفائدة، ومن ثم إذا رغب الأفراد في التحكم في تنميتهم الخاصة وفقًا لإرادتهم فإنّهم بحاجة إلى التحكم في توزيع الموارد من خلال نظام علاقات الملكية الخاصة.

من المهم أن نتذكر حجة جرين بأن الحياة الأخلاقية حقًا يجب أن تفرض نفسها بنفسها، فعلى سبيل المثال الشخص الذي يُجبر على العيش بطريقة معينة من خلال علاقات الملكية المجتمعية وحقوق التملك الجماعية لا يمكنه أن يعيش حياة أخلاقية حقًا، وهذا لأنّه بدون تجربة اختيار طرق سيئة للعيش ولا يمكن للفرد أن يقدّر أو يعرف ما هي الحياة الأفضل، وهذا هو الحال حتى لو كان المظهر الخارجي هو الكمال لأنّه حتى ذلك الحين لم يتم استيعاب طريقة الحياة ولم يتم اختيارها بحرية.

ومع ذلك من نواح كثيرة فإنّ أهم فائدة لنظام علاقات الملكية الخاصة هي الانضباط الذاتي الذي ينتجه في الفرد، وإذا لم يتعلم الفرد التصرف بطريقة تمكنه من تحقيق أهدافه طويلة المدى فلن يكون قادرًا على تطوير قوة الشخصية اللازمة للتغلب على الرغبات قصيرة النظر التي يختبرها ولكن إذا تم اتباعها ستمنع من اكتسابه رضا ذاتي حقيقي.


شارك المقالة: