ميراث الفلسفة الاسكتلندية

اقرأ في هذا المقال


انتهى التنوير الاسكتلندي في أوائل القرن التاسع عشر، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ظهور التقوى المسيحية في اسكتلندا، لرجال الدين الراديكاليين من الكنيسة المشيخية والسياسيين من حزب المحافظين، الساخطين على (الوثنية المصقولة) والنبرة الهويجية للفلاسفة الاسكتلنديين، الذين سيطروا في النهاية على الأكاديميات والجامعات الاسكتلندية، وأعادوا تنظيم التعيينات والمناهج لصالح الأكاديميين الأكثر تحفظًا وذوي العقليةالدينية.

مجالات الفلسفة الاسكتلندية:

كان هناك ثلاثة مجالات الرئيسية التي تهم الفلاسفة الاسكتلنديين، حيث شق ديفيد هيوم الطريق مع الفلاسفة الاسكتلنديين الآخرين الذين تبعوه في الدعم أو النقد:

1- الفلسفة الأخلاقية: كان السؤال الرئيسي هو ما إذا كان من الممكن جعل الأخلاق المقتناة للرأسمالية متوافقة مع الفضائل التقليدية للتواصل الاجتماعي والتعاطف والعدالة.

2- التاريخ: كان الاسكتلنديون يميلون إلى تقديم حسابات ميتا-سوسيولوجية عن التقدم الطبيعي للحضارة.

3- الاقتصاد: حيث بدأ ديفيد هيوم نهجًا مختلفًا، فبدلاً من تضمين الاقتصاد في سياق اجتماعي وتاريخي حيث كان لديه الأخلاق والدين، قرر هيوم بدلاً من ذلك ترك قوانين الاقتصاد قائمة بذاتها خارجيًا وأبديًا.

التنوير الاسكتلندي:

أولئك الذين يرجعون تاريخ نهاية التنوير الاسكتلندي إلى بداية الثورة الفرنسية في عام 1789، معرضون لحقيقة أنّ آدم سميث (Adam Smith) عاش حتى عام 1790 وتوفي جيمس هوتون (James Hutton) في عام 1797،  وقد تم نشر النسخة النهائية المكونة من مجلدين من أعظم أعمال هوتون نظرية الأرض، والتي يمكن القول إنّها وضعت أسس العلم الذي يسمى الآن الجيولوجيا وتم نشره في عام 1795.

علاوة على ذلك شغل دوجالد ستيوارت (Dougald Stuart) الذي كان تأثيره الواسع دورًا ناشرًا ومعلمًا وليس مفكرًا أصليًا، كرسي الفلسفة الأخلاقية في جامعة إدنبرة من عام 1785 حتى عام 1820، وكان لهذا الكرسي تأثير كبير على الشباب الذين أخذوا الأفكار من التنوير الاسكتلندي إلى لندن وخارجها.

التنوير الاسكتلندي وأثرها على الحركات المتنوعة:

تم رسم نتيجة هذا النشاط الفكري في عبارات ضخمة وشاملة مثل (اختراع العالم الحديث) أو ببساطة (الحداثة) كما وصفها المؤرخ آرثر هيرمان (Arthur Herman)، وبدلاً من ذلك تم وصفه أيضًا بشكل أكثر تحديدًا من حيث المؤسسات وأنماط التفكير والكتابة أو الأعمال الأساسية للفلسفة أو الأدب، وبالمثل يمكن التعرف على آثار التنوير الاسكتلندي في العديد من الحركات الثقافية والسياسية والفلسفية الرئيسية التي تلت ذلك.

يقدم هيرمان حالة مفصلة للعثور على العناصر الرئيسية للمجتمع الحديث التي تنشأ أو تتطور بشكل كبير في سياق التنوير الاسكتلندي، ولقد أشاد السياسيون والاقتصاديون في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بسميث، على سبيل المثال باعتباره مؤسس الرأسمالية ومصدر إلهام لها، وليس هناك شك في أنّ المبادئ الأساسية للرأسمالية، من مثل التخصص وتقسيم العمل وأولوية الأسواق الحرة، في كتاب سميث ثروة الأمم قد صيغت في النظرية الاقتصادية والاجتماعية القوية التي تهيمن اليوم على السياسة في كثير من العالم المتقدم.

إلى جانب ذلك يتم استبدال الجدارة والموهبة وخلق الثروة كمحركات رئيسية للتنمية الاقتصادية، بدلاً من الثروة الموروثة والمحسوبية الأرستقراطية، ومن الناحية العملية كان التغيير الأكثر أهمية الذي أحدثته المبادئ التي صاغها سميث في المجتمع هو خلق الطبقة الوسطى، وكانت زيادة منح حق الاقتراع مرافقة حتمية، ومع ذلك جاءت تحولات زلزالية في موقع وممارسة السلطة السياسية.

أثر التطور الصناعي والنقل في اسكتلندا:

بالطبع كان هناك العديد من القوى الأخرى التي تلعب دورًا هنا، ولا يمكن إرجاعها كلها مباشرة إلى عصر التنوير الاسكتلندي، ومع ذلك كان لدى الاسكتلنديين أدوار مهمة في تطوير التصنيع، ولا يمكن المبالغة في تقدير أهمية تسخير جيمس وات (James Wattلقوة البخار، ويقدم هيرمان حجة قوية لتأثير اثنين من المهندسين الاسكتلنديين على تطوير الأساليب الحديثة للنقل وهما:

1- جون ماك آدم (John McAdam) مخترع سطح طريق مكادام.

2-تيلفورد (Telford) الذين قدموا مساهمات هائلة في هندسة بناء الجسور وبناء القنوات.

إنّ إنجازات ماك آدم وتيلفورد هما مثالان لمبدأ مركزي للتنوير الاسكتلندي، ألا وهو مرافقة توسيع المعرفة من خلال الاستفسار والملاحظة والتجربة مع البحث عن تطبيقات لهذا الفهم المتزايد كمعرفة مفيدة.

أثر التعليم على التنوير الاسكتلندي:

تم توضيح أهمية التعليم في التقدم الفردي والمجتمعي بشكل جيد وكان له إرث محدد، وكانت مجموعة من الاسكتلنديين الذين تلقوا تعليمهم من قبل ستيوارت وقادهم هنري بيتر بروجهام (Henry Peter Brougham) مركزية في إنشاء أول جامعة ما بعد القرون الوسطى في إنجلترا في جامعة لندن، ولقد أقنعوا مواطني لندن بحقيقة ما شاهده مواطنو إدنبرة قبل حوالي 250 عامًا بأن العاصمة بحاجة إلى جامعة.

كانت جامعة إدنبرة وسمعتها تحظى بتقدير دولي في هذا الوقت،  فعلى سبيل المثال كان توماس جيفرسون(Thomas Jefferson) كان سعيدًا بالتوصية به لقريبه الشاب، وقد تم اعتبارها نموذجًا مبكرًا في المؤسسة في عام 1826 لما هي الآن الكلية الجامعية (University College) في لندن.

تدين جامعة برينستون في الولايات المتحدة أيضًا بقدر كبير للاسكتلنديين الذين شكلهم تعلم التنوير، حيث جون ويذرسبون (John Witherspoon) الموقع على إعلان الاستقلال والرئيس الأول لبرينستون (المعروف آنذاك باسم كلية نيو جيرسي)، درس في جامعة إدنبرة كما فعل جيمس ماكوش (James McCosh)، مؤلف أول كتاب مهم عن تاريخ فلسفة الفطرة السليمة ورئيس جامعة برينستون في القرن التاسع عشر.

ما هو أقل شهرة هو تأثير فلسفة الفطرة السليمة ولا سيما كتابات ريد وستيوارت على أندريس بيلو (Andrés Bello)، رجل الأدب الأكثر شهرة في فنزويلا والذي كان معلمًا ثم مبعوثًا لسيمون بوليفار (Simón Bolívar) لاحقًا خلال أوائل القرن التاسع عشر، حيث أمضى بيلو ما يقرب من 20 عامًا في لندن، ومعظمها في المكتبة البريطانية كممثل سياسي لبوليفار، بينما خاض بوليفار حروب أمريكا الجنوبية للتحرر من إسبانيا.

تضمنت مكافأة بيلو ومسؤولياته الإضافية تأسيس جامعة تشيلي وكتابة القانون المدني التشيلي في عام 1855، والذي استندت إليه دول أمريكا اللاتينية الأخرى في صياغة قوانينها الخاصة، وتجاوزت مصادره الفلسفية اسكتلندا إلى فرنسا، ولكن أعماله المنشورة تظهر دينًا قويًا لريد وستيوارت على وجه الخصوص.

مما لا شك فيه أنّ أكثر نتائج التنوير الاسكتلندي ديمومة قد اتخذت شكلاً ماديًا، سواء كانت مباني الأخوين آدم أو صور رايبورن أو كتب بيرنز أو طبعات الموسوعة البريطانية، ومع ذلك فإنّ الأبرز من بينها الكتابات الفلسفية لهيوم وسميث، ففي الحالة الأولى تم تكريم إيمانويل كانط بأنّ هيوم أيقظه من سباته العقائدي، ويلخّص مدى تأثير هيوم الفكري على مدى 200 عام التالية.

كان كتاب سميث ثروة الأمم حاسمًا بالطرق المختلفة، وقد تم إيلاء الأهمية الواجبة بشكل متزايد له نظرية المشاعر الأخلاقية في عام 1759 كأداة لفهم نظريته الاقتصادية، والعديد من الكتابات الأخرى عن عصر التنوير الاسكتلندي لها أهمية تاريخية لتطور العلم والفلسفة، وأبرزها نظرية هوتون للأرض وكذلك ريد تحقيق في العقل البشري حول مبادئ الفطرة السليمة في عام 1764، ولكن الجائزة لمواصلة المشاركة مع يجب أن تذهب أفضل عقول القرن الحادي والعشرين إلى هيوم وسميث.


شارك المقالة: