نظرية الإرادة للفيلسوف توماس هيل جرين

اقرأ في هذا المقال


سيتم هنا البحث في الطرق التي يتطور بها الوعي الأبدي من خلال عقول الأفراد ومؤسسات المجتمع، ويبدأ بدراسة مفاهيم جرين للحرية والإرادة والعقل، ثم يرسم نظريته حول اعتماد الإنسان الأساسي على المجتمع وإمكانيات الأخير لتفسير الأشكال الاجتماعية على مستوى أعلى، وإنّ الترابط بين الأعراف والقوانين الاجتماعية والحرية الفردية والأخلاق هو موضوع متكرر في هذه المناقشة.

فلسفة مفهوم الإرادة لدى جرين:

“ما هو بالضبط ما نعنيه بالذات أو بالرجل؟ ونعني به استنساخًا معينًا لنفسه على جزء من موضوع العالم.”


لفهم موقف جرين من الأخلاق يجب على المرء أولاً أن يفهم تحليله للإرادة البشرية، لأنّه من نواحٍ عديدة فإنّ السؤال الأساسي هو: ما الذي يجعل الإرادة حرة؟ ويمكن إعادة طرح هذا السؤال من خلال طرح السؤال التالي: ما هو الفرق بين الإرادة الحسنة والسيئة؟ لأنّ جرين يرى أنّ الإرادة الحرة حقًا هي بحكم التعريف الإرادة الحسنة حقًا.
 

مفهوم الرغبة لدى جرين:

يجادل جرين بأنّ الرغبات هي دوافع عاطفية يشعر بها الفرد ويعترف بها على أنّها تشكل جزءًا لا غنى عنه من كيانه، وفي الرغبة يعترف المرء بالضرورة بوجوده كشخص حيث يكون بالضرورة واعياً بذاته، وعادة سيرغب الأفراد في العديد من الأشياء في نفس الوقت.

في كثير من الأحيان يكون الاحتفاظ بها في وقت واحد أمرًا مستحيلًا وبالتالي يضطر المرء إلى تحديد الشيء الذي يحاول بنشاط امتلاكه، وبمعنى أنّه سيتعين على المرء أن يختار أي كائن يريد امتلاكه، وبهذه الطريقة يمثل الاختيار تبني الذات للدافع كتقرير للفعل أي مثل الإرادة، وعلى سبيل المثال قد أرغب في امتلاك كتاب وتمثال ومع ذلك بما أنني أستطيع شراء أحدهما ولكن ليس كليهما وشرائهما هو الطريقة الوحيدة لكسب أي منهما-فإنّه يجب أن أختار بينهما، وعند اختيار التمثال على سبيل المثال تصبح إرادتي أن أمتلك التمثال لم يعد مجرد رغبة، وحافزي هو واحد من تلقاء نفسه، وفي حين أنّ رغبتي يمكن أن تكون واحدة من العديد.

في الإرادة يجب على المرء أولاً أن يرغب وبالرغبة في الاعتراف بوجوده، وثانيًا يجب على المرء أن يجعل الشيء جزءًا من نفسه لأنّه في فعل الإرادة يجعل المرء بالضرورة من المستحيل فهم الموضوع المختار دون الرجوع إلى فعل الاختيار، وفي مصطلحات جرين يتم إنشاء طبيعة الكائن جزئيًا بواسطة إرادة الفرد لامتلاكه.
وكما يكتب فإنّ مثل هذه الأشياء هي: “أشياء لا يمكن أن يولدها إلى الوجود إلّا من خلال اتصال الوعي الذاتي ولهذا السبب، فإنّ علاقتي بالموضوع ومن ثم طبيعة تغيرت باختياري له، ولقد تحول بفعل إرادتي لأنّ الحصول على الشيء الذي يريده هو مصدر رضائي عن النفس”.

ولفهم ما يعنيه جرين هنا يجب على المرء أن يضع في اعتباره أنّه لا يتحدث بلغة ميتافيزيقية بل من منظور معرفي، وتعكس هذه الحجة زعمه بأنّ خلق الطبيعة هو عملية معرفية وليست ميتافيزيقية، كما يستخدم جرين مصطلحات مثل (الخلق) و(الطبيعة) و(الواقع) بطرق مختلفة جدًا عن استخداماتهم الشائعة، ومن ثم فإنّ العالم والطبيعة هما (خلق) العقل البشري، وهم موجودون فقط في وعي المدرك الفردي، ويصبح هذا الخلاف غير مثير للجدل نسبيًا عندما يتم فهم الطريقة التي يستخدم بها جرين مصطلحاته، وفي هذه الحالة يجادل بأنّه لا يمكن للمرء أن يعرف ما هو الشيء المختار دون أن يدرك أنّ امتلاكه هو إرادة شخص ما.

يجادل جرين بأنّ إرادة الرجل يجب أن تكون دائمًا حرة بمعنى واحد على الأقل: “بما أنّ الإنسان في كل شيء هو هدفه لنفسه والهدف الذي يتم من خلاله تحديد الفعل والإرادة دائمًا حرة يشكل الحرية” والرضا عن النفس مجاني دائمًا وهو دائمًا موضوع الإرادة.
وهناك العديد من الأشياء التي يجب ملاحظتها هنا كما يلي:

  1. أولاً: في الرغبة في شيء ما يجب على الفرد أن يتداول، وعندما يرغب الفرد في ذلك “يسعى إلى تحقيق فكرة عن مصلحته التي يدرك تقديمها لنفسه”، والفعل الذي يحدث بدون تفكير – عمل غير مفكر – ليس فعل إرادة وبالتالي ليس حرًا.
  2. ثانيًا: يرى جرين أنّ الدافع لتحديد الإرادة هو جزء من الإرادة نفسها، ولهذا السبب من الخطأ التساؤل عما إذا كان الرجل يتصرف على طبيعته عندما يرغب في مسار عمل معين، على سبيل المثال تعاطي المخدرات لأول مرة، وهكذا “في كونه مُحدَّدًا بدافع أقوى، بالمعنى الوحيد الذي يُحدد فيه حقًا فإنّ الرجل يتحدد بنفسه بواسطة شيء من صنعه”.

الإرادة الحرة في فلسفة جرين:

يمكن تمديد هذه الحجة بالنسبة إلى جرين ليست الرغبات شيئًا خارجيًا عن الفرد وتتصرف وفقًا له، فهي جزء من جوهره على سبيل المثال يحذر جرين من الحديث عن “الرغبة التي تدفعنا إلى التصرف بهذه الطريقة أو تلك أو تضليلنا أو التغلب علينا بما يتعارض مع السبب.
وإذن فإنّ (الرغبة) هي تجريد منطقي نخطئ في اعتباره حقيقة، وبمصطلح الرغبة (مقابل الرغبات) هنا تعني جرين “نفس الإنسان بصفتها واعية بذاتها وتسعى بوعي في إشباع الرغبات إشباع نفسها”، وثم يتم توحيد الرغبة في الذات من خلال علاقتها بالعقل التي تضمن عدم وجود موضوع للفهم على ما هو عليه دون وجود الرغبة والعكس صحيح، وبما أنّ عناصر الذات هذه متحدة فإنّ الإرادة دائمًا بمعنى ما حرة.

ومع ذلك يدعي جرين أيضًا أنّه يتساءل عن حرية الإرادة التي نتخذها ليكون سؤالًا عن أصل دافع الفرد الأقوى، ومع الأخذ في الاعتبار أنّ جرين قد قال بالفعل إنّ الإرادة تشكل الحرية ويبدو هذا البيان إشكاليًا، وكما يبدو أنّه يجادل في أنّ الإرادة تعني أن تكون حراً في نفس الوقت الذي يجادل فيه بأنّ الإرادة ليست دائمًا مجانية.


شارك المقالة: