نظرية الفيلسوف روجر بيكون للسبب المادي والمنظور

اقرأ في هذا المقال


تمثل أطروحات الفيلسوف روجر بيكون حول تكاثر الأنواع (De Multiplicatione Specierum) والمنظور الخطي (Perspectiva)، والتي تشكل هذه الأطروحات الجزء الخامس من العمل العظيم (Opus Maius)، وهو عمله العلمي في أفضل حالاته.

فلسفة بيكون الفيزيائية:

على الرغم من أنّ بيكون كان يقرأ جيدًا في جميع العلوم الجديدة المقدمة في سياق حركة الترجمة اللاتينية في العصور الوسطى، إلّا أنّه كان أكثر إنجازًا في مجالات الضوء والرؤية والانبثاق العالمي للقوة، ومع ذلك فإنّ المدى الفعلي لإنجازاته في هذا المجال كان موضوع قدر كبير من النقاش، ويتوفر كل من حول تكاثر الأنواع (De Multiplicatione Specierum) والمنظور الخطي (Perspectiva) في طبعات نقدية حديثة مصحوبة بترجمات إنجليزية أعدها المؤرخ الأمريكي ديفيد ليندبرج (David C. Lindberg).

في تطوير حساب للسببية الجسدية في عقيدته عن تكاثر الأنواع، وقف بيكون في تقليد طويل من الكتاب الفلسفيين والإنجيليين الذين استخدموا الاستعارات الخفيفة في سياقات معرفية وميتافيزيقية وفيزيائية مختلفة، وعلى الرغم من عدم معرفته خلال العصور الوسطى إلّا أنّ عقيدة الانبثاق لأفلوطين -مع عواقبها الجسدية المتمثلة في أنّ جميع الكائنات تشع تشابهًا مع نفسها- كان لها تأثير غير مباشر على عقيدة بيكون الفيزيائية لتكاثر الأنواع وعقيدة الانبثاق المادية إذا جاز التعبير.

تضمنت القنوات التي وصلت من خلالها الأفكار الأفلاطونية والأفلاطونية الحديثة إلى بيكون أوغسطين، والمصادر العربية مثل الكندي في الأشعة وكتاب المناظر، وأفيسبرون في ينبوع الحياة (Fons Vitae) وكتاب الأسباب (Liber de Causis) التي تنقل الأفكار من عناصر بروكلوس في اللاهوت.

بجانب الأعمال الأرسطية المترجمة حديثًا كانت المصادر الأخرى المهمة لعقيدة بيكون عن السببية الجسدية، وهي عبارة عن أطروحات حول مواضيع أكثر تقنية مثل بصريات إقليدس (Euclid’s Optica) وبصريات بطليموس (Ptolemy’s Optica) وكتاب المناظر لابن الهيثم.

فلسفة السببية بين بيكون وجروسيتيست:

كان روبرت جروسيتيست من أوائل العلماء الذين اعتنقوا هذا الهيكل المعرفي، والذي كان تأثيره على بيكون محل جدل كبير، على أي حال كان من المهم لكل من جروسيتيست وبيكون في اعتباراتهما المادية والميتافيزيقية أنّ فكرة الكندي أنّ: “كل مخلوق في الكون هو مصدر للإشعاع والكون نفسه شبكة واسعة من القوى”، حيث في الكندي وجد كل من جروسيتيست وبيكون تحليلًا رياضيًا وفيزيائيًا لإشعاع القوة أو الوكالة الفيزيائية وفقًا لقواعد البصريات الهندسية.

ووفقًا لهذا التحليل تنتشر أشعة الضوء عن طريق الانتشار المستقيم والانعكاس والانكسار، وبطريقة مماثلة يمكن أيضًا فهم إشعاع أنواع أخرى من الأنواع على طول الخطوط الهندسية البصرية، ومقارنةً بالكندي وجروسيتيست تمثل إنجاز بيكون في تجنيس فيزياء جروسيتيست للضوء وهو بحد ذاته نتيجة لإشعاع القوة العالمي للكندي.

أخذ بيكون عقيدة جروسيتيست من سياقها الميتافيزيقي والكوني وقام بتعديلها لتصبح عقيدة السببية الفيزيائية، وبعبارة أخرى في كتابه حول تكاثر الأنواع (De Multiplicatione Specierum) قدم بيكون عقيدة تمكن من خلالها من شرح جميع أنواع السببية الجسدية من مثل البصرية والتنجيمية والنفسية، والإجابة على السؤال عن كيفية قدرة جسم مادي على التأثير على كائن مادي آخر حتى لو لم يكن متجاورين.

من وجهة نظر بيكون لا يجب الخلط بين المصطلح التقني للأنواع والأنواع العالمية لبورفيري، حيث يشير الأول إلى تشابه أو تطابق أي شيء يتصرف بشكل طبيعي، أو (تأثيره الأول) كما أسماه، وما يعنيه هذا هو أنّ المادة أو الصفة قادرة على التأثير في محيطها من خلال إرسال تشابه لها في جميع الاتجاهات ما لم يتم إعاقتها، وهو نشاط يجعل متلقي شكلهم مثلهم.

من خلال هذه العملية تؤثر العوامل الطبيعية على الآخرين عن طريق القوى التي تحمل الطبيعة المحددة للعامل الأصلي، ومع ذلك فإنّ عملية السببية هذه تحدث دون أن ينبعث العامل الأصلي شيئًا ما لأنّ هذا سيؤدي إلى فساده وهو احتمال يستبعده بيكون، ويؤكد بيكون أنّه بدلاً من فهم عملية إنتاج الأنواع من حيث اصدار أو الانبعاث المادي، وكما فعل الذريون القدامى يجب فهمها من منظور انتقال من خلال تغيير طبيعي وإخراج احتمالية المادة المتلقي.

بالنسبة للطبيعة الفيزيائية للأنواع فإنّ هذا يعني أنّها نشأت في المادة المتلقية عن طريق إخراج (تعليم)، وهو استنباط من الإمكانات النشطة للمادة المتلقية الموجودة بالفعل هناك، وفي الحالات التي يكون فيها الوكيل والمتلقي متجاورين، يمكن للمادة الفعالة للوكيل التي تلامس مادة المتلقي دون وسيط أن تغير بفضيلتها وقوتها النشطة الجزء الأول من المتلقي الذي تلامسه، ويتدفق هذا الإجراء إلى داخل ذلك الجزء لأنّ الجزء ليس سطحًا ولكنه جسم،

في الحالات التي لا يمكن أن يكون فيها هذا الإخراج مستمراً لأنّ العامل والتأثير ليسا متجاورين، فإنّه يحدث بطريقة تدريجية من خلال وسيط، وفي تلك الحالات تحدث السببية الطبيعية في شكل توالد أو تكاثر الأنواع على طول خطوط مستقيمة أو مباشرة أو منعكسة أو منكسرة أو ملتوية أو عرضية.

يتم مضاعفة الأنواع خطوة بخطوة بدءًا من قسم صغير من وسيط مجاور للعامل الأصلي، ومن حيث يتم رسم شكله في الجزء المجاور التالي وهكذا دواليك، حتى أخيرًا الجزء الأخير من الوسيط يقوم في النهاية بتراكب طبيعة الوكيل على المتلقي، في المنظور الخطي الجزء الخامس من العمل العظيم (Opus maius) طبق بيكون عقيدته في تكاثر الأنواع على موضوعات انتشار الضوء والرؤية.

على الرغم من أنّ الكثير من وصف بيكون للرؤية تم استعارته من ابن الهيثم وغيره من أسلافه، فقد قام بيكون بتجميع هذا الحساب في شكل أصبح مهمًا تاريخيًا، وفي الواقع ظل هو الحساب القياسي للنظرية البصرية حتى عمل يوهانس كيبلر.

في تطوير مذهبه عن الفاعلية الطبيعية اعتمد بيكون أساسًا على التقليد البصري، لأنّه اعتبر الضوء الذي يتصرف عن طريق الأشعة كحالة نموذجية للسببية الجسدية، وفي الواقع كان يعتقد أنّ الضوء يمثل حالة مميزة بسبب رؤيته إشعاع القوة يشبه الشمس، ومستوحى من أرسطو صرح بيكون بأننا نعرف كل شيء من خلال الرؤية، والمنظور هو علم الرؤية الذي من خلاله يمكن للمرء أن يفهم بنية الكون وقوانينه.

أصبح المنظور علمًا نموذجيًا لبيكون للسببية الفيزيائية، وكان مقارنة بجميع العلوم الأخرى مهمًا بشكل خاص لفهم الإنسان للعالم، ووفقًا لبيكون نظرًا لأنّ إشعاع الضوء يتبع المبادئ الهندسية للانتشار المستقيم والانعكاس والانكسار، فإنّه يستخدم طرقًا رياضية ويتضمن إمكانية العرض الهندسي، وهو ما اعتبره بيكون (تجربة)، علاوة على ذلك هو تقسيم فرعي للرياضيات.

بقدر ما يتعلق الأمر بإنجازات بيكون في هذا المجال، فمن المتفق عليه عمومًا أنّه كان أحد المؤيدين الغربيين الرئيسيين لعقيدة تكاثر الأنواع، وكان بيكون أكثر من أي مؤلف آخر في العالم اللاتيني، حيث قام بتعليم الأوروبيين كيفية التفكير في الضوء والرؤية وانبثاق القوة.


شارك المقالة: