اقرأ في هذا المقال
قدم الفيلسوف جون لانجشو أوستن مثالًا معروفًا في ورقته البحثية عام 1946 بعنوان عقول أخرى، فزعم أوستن أنّه عندما يقول المرء: “أنا أعلم”، لا يصف المرء حالة عقلية، بل في الواقع لا يصف أي شيء على الإطلاق، وبدلاً من ذلك يشير المرء إلى أنّ المرء في وضع يسمح له بتأكيد أنّ كذا وكذا، هو الحال (لدى المرء أوراق الاعتماد والأسباب المناسبة) في الظروف التي يكون فيها من الضروري حل الشك، وعندما يتم استيفاء هذه الشروط -أي عندما يكون المرء في الواقع، في وضع يسمح له بتأكيد أنّ كذا وكذا هو الحال- يمكن القول بشكل صحيح أنّه يعرف.
مقالة عقول أخرى لأوستن:
في عقول أخرى الذي أحد أكثر أعماله استحسانًا، حيث ينتقد أوستن الطريقة التي استخدمها الفلاسفة منذ ديكارت لتحليل والتحقق من عبارات من مثل نموذج: “هذا الشخص (S) يشعر (X)” تعمل هذه الطريقة من الافتراضات الثلاثة التالية:
- لا يمكننا أن نعرف إلّا إذا شعرنا بما يشعر به بشكل مباشر.
- من المستحيل القيام بذلك.
- قد يكون من الممكن العثور على دليل قوي للإيمان بانطباعاتنا.
على الرغم من أنّ أوستن يتفق مع فرضية رقم (2)، وساخرًا من أنّه: “يجب أن نكون في مأزق كبير إذا فعلت ذلك”، فقد وجد رقم (1) خطأ ورقم (3) لذلك غير ضروري.
يدعي أوستن أنّ افتراض الخلفية لـ (1) هو أنني إذا قلت إنني أعرف (X)، واكتشفت لاحقًا أنّ (X) خطأ فأنا لم أكن أعرف ذلك، كما يعتقد أوستن أنّ هذا لا يتوافق مع الطريقة التي نستخدم بها اللغة بالفعل، وهو يدعي أنني إذا كنت في وضع يمكنني القول فيه عادةً إنني أعرف (X) وإذا تبين أنّ (X) خطأ فسأكون عاجزًا عن الكلام بدلاً من التصحيح الذاتي.
أوستن يقدم حجة مفادها أنّ هذا صحيح من خلال الإيحاء بأنّ الإيمان هو معرفة النية هو الوعد، أي المعرفة والوعود هما نسخا الفعل الكلامي للاعتقاد والنية على التوالي.
معرفة الحقائق التجريبية الخاصة:
ينخرط أوستن في فحص أنواع الإجابات التي سيتم تقديمها في الظروف العادية والملموسة والمحددة لتحديات ادعاءاتنا بالمعرفة، فعلى سبيل المثال عند الرد على سؤال شخص ما: كيف تعرف؟ وفي مواجهة ادعاء المرء: “هذا طائر الحسون“، من الممكن الإعجاب بالإجابة بناءً على تجربتي السابقة، والتي من خلالها تعلم المرء شيئًا عن طائر الحسون، ومن ثم إلى معايير تحديد أنّ شيئًا ما هو طائر الحسون أو للظروف من الحالة الحالية، والتي تمكّن المرء من تحديد أنّ الطائر الذي يتحرك حول حديقته الآن هو طائر الحسون.
الطرق التي يمكن من خلالها في الظروف العادية الطعن في مطالباتنا أو أن تكون خاطئة، هي طرق محددة (طرق يساعدنا السياق في تحديدها)، وهناك إجراءات معترف بها مناسبة لنوع معين من القضايا يمكننا استئنافها تبرير أو التحقق من هذه الادعاءات.
الاحتياطات الواجب اتخاذها في الحالات العادية من أجل الادعاء بمعرفة شيء ما، فلا يمكن أن تكون أكثر من معقولة بالنسبة إلى المقاصد والأغراض الحالية، بقدر ما من أجل افتراض أنّ المرء مخطئ يجب أن يكون هناك سبب ملموس يتعلق حالة محددة، وعلى العكس من ذلك يدّعي أوستن أنّ حيلة الميتافيزيقيا ترقى إلى صياغة شكوكها وأسئلتها بطريقة عامة جدًا، وعدم تحديد أو تحديد ما قد يكون خطأ حتى يشعر المرء بالحيرة لكيفية إثبات ما يتحداه.
من خلال رسم مقارنة مع الصيغة الأدائية (أعدك) يدّعي أوستن أنّه في نطق: “أعلم” لا تصف المتحدث حالته العقلية، وسيكون هذا في مصطلحات أوستن مغالطة وصفية، وبدلاً من ذلك في الظروف المناسبة يفعل شيئًا: إنه يعطي للآخرين كلمته أي سلطته لقول: “(S) هي (P)”.
يهدف تحليل أوستن للمصطلحات المعرفية في استخداماتها العادية والمحددة إلى تحديد الظروف التي تكون فيها ادعاءاتنا بمثابة أفعال كلام جيدة وناجحة، وهذه الشروط هي التي نلجأ إليها عادةً لتبرير ادعاءاتنا بالمعرفة في حالة الطعن فيها، وما إذا كانت إستراتيجية أوستن قد أثبتت نجاحها في مواجهة التحدي المتشكك الذي يعتمد على الاحتمال الميتافيزيقي والمنطقي فهي مسألة أخرى يجب حلها.
معرفة الحالات العقلية لشخص آخر:
يعترض أوستن على الفكرة كما ادّعى الحكمة على سبيل المثال، أننا نعرف (إذا فعلنا ذلك) مشاعر شخص آخر فقط من الأعراض الجسدية لهذه المشاعر، أي لا نعرف أبدًا مشاعر شخص آخر في نفسه كما نعرف مشاعرنا، ووفقًا لأوستن يمكن معالجة الادعاءات المتعلقة بالحالات العقلية لشخص آخر مثل تلك المتعلقة بحقائق تجريبية معينة، على الرغم من أنّ الأولى أكثر تعقيدًا بسبب الطبيعة الخاصة جدًا (أي القواعد والمنطق) للمشاعر، وعلى هذه الطبيعة الخاصة يهدف تحليل أوستن في هذه الورقة إلى تسليط الضوء.
للتأكيد على شخص ما “أعلم أنّه غاضب” يتطلب من ناحية معرفة معينة بالشخص الذي ننسب إليه الشعور، وعلى وجه الخصوص الإلمام بمواقف من نفس النوع مثل الحالة الحالية، ومن ناحية أخرى يبدو أنّه من الضروري أن يكون لديك تجربة الشخص الأول للشعور أو العاطفة ذات الصلة.
يزعم أوستن أنّ الشعور على سبيل المثال الغضب يقدم ارتباطًا وثيقًا بكل من تعبيراته ومظاهره الطبيعية، وبالمناسبات الطبيعية لتلك المظاهر، بحيث يبدو من العدل أن نقول إنّ الغضب هو في كثير من النواحي مثل النكاف (وهو مرض فيروسي يصيب الغدد النكفية)، وإنّه وصف لنمط كامل من الأحداث بما في ذلك المناسبة والأعراض والشعور والمظهر وربما عوامل أخرى أخرى.
ضد ادعاء الحكمة بأننا لا نواجه غضب شخص آخر ولكن فقط عند ظهور أعراض وعلامات غضبه يلفت أوستن الانتباه إلى الطرق التي نتحدث بها عن مشاعر الآخرين، ويسلط الضوء على النمط العام للأحداث الخاصة بحالة المشاعر (العواطف) التي تقوم عليها صفاتنا، وعلاوة على ذلك يتم التركيز على حقيقة أنّه من أجل أن تُنسب المشاعر والعواطف وأيضًا إسناد الذات، يبدو أنّ مشكلة الاعتراف والإلمام بتعقيدات هذا النمط موجودة، وبسبب الطريقة التي تم بها تعلم استخدامات المصطلحات ذات الصلة.
من ناحية أخرى تعتبر مصطلحات العاطفة غامضة لأنّها من جانب غالبًا ما يتم تطبيقها على مجموعة واسعة من المواقف، بينما من جانب أخر فإنّ الأنماط التي تغطيها معقدة نوعًا ما، بحيث قد يكون هناك في الحالات غير التقليدية يتردد في الإسناد، وبصرف النظر عن هذا النوع من الغموض الجوهري، قد تنشأ شكوك حول صحة إسناد الشعور أو أصالته، بسبب حالات سوء الفهم أو الخداع، ولكن هذه الحالات خاصة وهناك كما في حالة طائر الحسون إجراءات ثابتة للتعامل معها.
على عكس حالة طائر الحسون حيث المعنى غبي ففي حالة الشعور بالإسناد يتم شغل مكان خاص ضمن نمطه المعقد من الأحداث، وذلك من خلال بيان الرجل نفسه حول ماهية مشاعره، ووفقًا لأوستن فإنّ: “الإيمان بأشخاص آخرين في السلطة والشهادة هو جزء أساسي من فعل التواصل، وهو فعل نقوم به جميعًا باستمرار، وإنّه جزء غير قابل للاختزال من تجربتنا مثل تقديم الوعود أو لعب ألعاب تنافسية أو حتى استشعار بقع ملونة”.
وبالتالي يهدف أوستن إلى منع الحجة المتشككة من خلال الادعاء بأنّ إمكانية معرفة حالات عقول ومشاعر الآخرين هي سمة أساسية لممارساتنا العادية على هذا النحو، والتي لا يوجد لها مبرر، ومرة أخرى قد يظل الجدل مفتوحًا حول ما إذا كان هذا كافياً لدحض الشكوك.