أثر التعرض المهني على الإصابة بمرض سرطان العمل

اقرأ في هذا المقال


ضرورة تحديد أثر التعرض المهني على الإصابة بمرض سرطان العمل:

يمثل التعرض المهني نسبة صغيرة فقط من إجمالي عدد السرطانات في جميع السكان، وكما تشير التقديرات إلى أن 4٪ من جميع السرطانات يمكن أن تُعزى إلى التعرض المهني، وذلك بناءً على بيانات من الولايات المتحدة؛ انسجاما مع نطاق من عدم اليقين من 2 إلى 8٪. وهذا يعني أنه حتى الوقاية الكاملة من السرطانات التي يسببها المهنيون لن تؤدي إلا إلى انخفاض هامشي في معدلات السرطان الوطنية.

ومع ذلك، ولأسباب عديدة؛ لا ينبغي أن يثبط هذا الجهود المبذولة للوقاية من السرطانات التي يسببها المهنيون، حيث تشير التقديرات الى أن 4٪ هو رقم متوسط ​​لجميع السكان، بما في ذلك الأشخاص غير المعرضين للخطر، ومن بين الأشخاص المعرضين فعلياً لمواد مسرطنة مهنية؛ تكون نسبة الأورام المنسوبة إلى المهنة أكبر بكثير.

كذلك فإن التعرضات المهنية هي مخاطر يمكن تجنبها ويتعرض لها الأفراد بشكل لا إرادي، كما لا ينبغي على الفرد قبول زيادة خطر الإصابة بالسرطان في أي مهنة؛ خاصةً إذا كان السبب معروفاً ويمكن منع السرطانات المستحثة مهنياً عن طريق التنظيم، وذلك على عكس السرطانات المرتبطة بعوامل نمط الحياة.

كما تتضمن الوقاية من السرطان المستحث مهنياً مرحلتين على الأقل:

أولاً: تحديد مركب معين أو بيئة مهنية على أنها مادة مسرطنة.

ثانياً: فرض الرقابة التنظيمية المناسبة، حيث تختلف مبادئ وممارسات الرقابة التنظيمية على مخاطر السرطان المعروفة أو المشتبه بها في بيئة العمل بشكل كبير، كما أنه ليس فقط بين الأجزاء المختلفة من العالم المتقدم والنامي، ولكن أيضاً بين البلدان ذات التنمية الاجتماعية والاقتصادية المماثلة.

خلفية تاريخية حول مسببات سرطان بيئة العمل:

في تسعينيات القرن التاسع عشر، تم الإبلاغ عن مجموعة من سرطان المثانة في مصنع صبغ ألماني من قبل جراح في مستشفى قريب، كما تم تحديد المركبات المسببة لاحقاً على أنها أمينات عطرية، وهي تظهر الآن في قوائم المواد المسببة للسرطان في معظم البلدان.

كما تشمل الأمثلة اللاحقة سرطان الجلد في رسامي مينا الراديوم وسرطان الأنف والجيوب الأنفية بين عمال الأخشاب الناجم عن استنشاق غبار الخشب وتكتلات سرطان كيس الصفن بين عمال صناعة القطن الناجم عن رذاذ الزيت المعدني، كذلك اللوكيميا الناجم عن التعرض للبنزين في إصلاح الأحذية، كما أن صناعة التصنيع يمثل أيضاً خطراً تم تقليله بعد تحديد المواد المسرطنة في مكان العمل.

وفي حالة ربط التعرض للأسبستوس بالسرطان، يوضح هذا التاريخ حالة مع فارق زمني كبير بين تحديد المخاطر والإجراءات التنظيمية، وكما تشير النتائج الوبائية إلى أن التعرض للأسبستوس كان مرتبطاً بزيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة بدأت بالفعل في التراكم بحلول الثلاثينيات، حيث ظهرت أدلة أكثر إقناعاً حوالي عام 1955م، ولكن لم تبدأ الخطوات الفعالة للإجراء التنظيمي حتى منتصف السبعينيات.

كما يمثل تحديد المخاطر المرتبطة بكلوريد الفينيل تاريخاً مختلفاً، حيث يتبع الإجراء التنظيمي الفوري تحديد المادة المسرطنة، وفي الستينيات؛ اعتمدت معظم البلدان قيمة حدية للتعرض لكلوريد الفينيل تبلغ 500 جزء في المليون.

وفي عام 1974م، سرعان ما أعقبت التقارير الأولى عن زيادة وتيرة الورم الوعائي النادر في الكبد بين عمال كلوريد الفينيل بدراسات تجريبية إيجابية على الحيوانات، وذلك بعد تحديد كلوريد الفينيل على أنه مادة مسرطنة، حيث تم اتخاذ إجراءات تنظيمية لتقليل التعرض الفوري للحد الحالي من 1 إلى 5 جزء في المليون.

  1. الطرق المستخدمة لتحديد المواد المسرطنة المهنية:

تتراوح الطرق في الأمثلة التاريخية المذكورة أعلاه من ملاحظات مجموعات المرض من قبل الأطباء المخضرمين إلى دراسات وبائية أكثر رسمية؛ أي تحقيقات معدل المرض (معدل السرطان) بين البشر، حيث كانت نتائج الدراسات الوبائية ذات أهمية كبيرة لتقييم المخاطر على البشر.

لذلك فإن العيب الرئيسي للدراسات الوبائية للسرطان هو أن فترة زمنية طويلة، وعادة لا تقل عن 15 عاماً، كما أنها ضرورية لإثبات وتقييم آثار التعرض لمادة مسرطنة محتملة، وهذا غير مرضٍ لأغراض المراقبة، ويجب تطبيق طرق أخرى لإجراء تقييم أسرع للمواد التي تم إدخالها مؤخراً.

ومنذ بداية هذا القرن؛ تم استخدام دراسات السرطنة الحيوانية لهذا الغرض، ومع ذلك؛ فإن الاستقراء من الحيوانات إلى البشر يقدم قدراً كبيراً من عدم اليقين، حيث أن هذه الأساليب لها أيضاً قيود معروفة ومحددة، لذلك يجب اتباع عدد كبير من الحيوانات لعدة سنوات.

أيضاً تمت تلبية الحاجة إلى طرق ذات استجابة أسرع جزئياً في عام 1971م، وذلك عندما تم تقديم اختبار الطفرات قصير المدى (اختبار أميس)، كما يستخدم هذا الاختبار البكتيريا لقياس نشاط الطفرات الجينية لمادة ما، بحيث تكون قدرتها على إحداث تغييرات لا يمكن إصلاحها في المادة الوراثية الخلوية، مثل الحمض النووي.

كما تتمثل إحدى المشكلات في تفسير نتائج الاختبارات البكتيرية في أنه ليست كل المواد المسببة للسرطان البشري مطفرة، ولا تعتبر جميع المطفرات البكتيرية من مخاطر الإصابة بالسرطان للإنسان، ومع ذلك؛ فإن اكتشاف أن المادة تسبب الطفرات الوراثية يؤخذ عادة كمؤشر على أن المادة قد تمثل خطر الإصابة بالسرطان على البشر.

كما تم تطوير طرق جديدة في البيولوجيا الجينية والجزيئية خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، وذلك بهدف الكشف عن مخاطر الإصابة بالسرطان البشري، حيث أن هذا التخصص يسمى “علم الأوبئة الجزيئية”، لذلك تتم دراسة الأحداث الجينية والجزيئية من أجل توضيح عملية تكوين السرطان، وبالتالي تطوير طرق للكشف المبكر عن السرطان أو مؤشرات على زيادة خطر الإصابة بالسرطان.

كما تشمل هذه الطرق تحليل الأضرار التي لحقت بالمادة الجينية وتشكيل روابط كيميائية (تقارب) بين الملوثات والمواد الوراثية، كما يشير وجود الانحرافات الصبغية بوضوح إلى التأثيرات على المادة الوراثية التي قد تترافق مع تطور السرطان، ومع ذلك؛ لا يزال دور النتائج الوبائية الجزيئية في تقييم مخاطر الإصابة بالسرطان في البشر بحاجة إلى التحديد؛ والبحث جار للإشارة بشكل أكثر وضوحاً إلى الكيفية التي ينبغي بها تفسير نتائج هذه التحليلات.

أهمية المراقبة والفحص:

تختلف استراتيجيات الوقاية من السرطانات المستحثة مهنياً عن تلك المطبقة للسيطرة على السرطان المرتبط بنمط الحياة أو التعرضات البيئية الأخرى، وفي المجال المهني؛ تتمثل الاستراتيجية الرئيسية لمكافحة السرطان في الحد من التعرض للعوامل المسببة للسرطان أو القضاء عليه تماماً، كما أن الأساليب المعتمدة على الكشف المبكر عن طريق برامج الفحص، مثل تلك المطبقة على سرطان عنق الرحم أو سرطان الثدي، حيث كانت ذات أهمية محدودة للغاية في الصحة المهنية.


شارك المقالة: