نبذة عن الكوارث الكبرى:
في عام 1990، أطلقت الجمعية العامة الرابعة والأربعون للأمم المتحدة عقداً للحد من تواتر وتأثير الكوارث الطبيعية (لانسيت 1990)، حيث أقرت لجنة من الخبراء تعريف الكوارث على أنها “خلل في البيئة البشرية يتجاوز قدرة المجتمع على العمل بشكل طبيعي”.
على مدى العقود القليلة الماضية، كشفت بيانات الكوارث على المستوى العالمي عن نمط مميز له سمتان رئيسيتان، هما زيادة مع مرور الوقت في عدد الأشخاص المتضررين، والارتباط الجغرافي (الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وعلى الرغم من الاختلاف الكبير من سنة إلى أخرى، هناك اتجاه واضح واضح للعيان، يوضح الشكل التالي البلدان الأشد تضرراً من الكوارث الكبرى في عام 1991، كما تؤثر الكوارث على كل بلد في العالم بلا استثناء، لكن أشد البلدان فقراً يفقد فيها الناس حياتهم.
تتوفر تعريفات وتصنيفات عديدة ومختلفة للكوارث وتمت مراجعتها بواسطة (Grisham 1986؛ Lechat 1990؛ Logue، Melick and Hansen 1981؛ Weiss and Clarkson 1986)، هناك ثلاثة منها مذكورة هنا كأمثلة، وكما حددت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض (CDC 1989) ثلاث فئات رئيسية من الكوارث وهي:
- الأحداث الجغرافية مثل الزلازل والانفجارات البركانية.
- وأخيراً المشكلات التي يسببها الإنسان والتي تشمل المجاعات وتلوث الهواء والكوارث الصناعية والحرائق وحوادث المفاعلات النووية.
تصنيف آخر حسب السبب (Parrish وFalk وMelius 1987)، شمل الطقس والأحداث الجيولوجية بين الكوارث الطبيعية، في حين تم تعريف الأسباب من صنع الإنسان على أنها أحداث غير طبيعية وتكنولوجية وهادفة يرتكبها الناس، على سبيل المثال: النقل، الحرب، الحريق أو الانفجار، المواد الكيميائية والإشعاعية).
تم الحصول على معلومات إضافية حول نوع وتواتر وعواقب الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية بين عامي 1969 و1993 من بيانات الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر 1993.
على الرغم من أن الوكالات تقيس شدة الكوارث من خلال عدد القتلى، تزداد أهمية أيضاً النظر إلى عدد المتضررين في جميع أنحاء العالم، بحيث يتأثر عدد الأشخاص المتأثرين بالكوارث بما يقرب من ألف مرة من عدد القتلى، وبالنسبة للعديد من هؤلاء الأشخاص، فقد أصبح البقاء على قيد الحياة بعد الكارثة أكثر صعوبة، مما يجعلهم أكثر عرضة للصدمات المستقبلية.
هذه النقطة مهمة ليس فقط للكوارث الطبيعية، ولكن أيضاً للكوارث التي من صنع الإنسان، خاصة في حالة الحوادث الكيميائية التي قد تظهر آثارها على الأشخاص المعرضين بعد سنوات أو حتى عقود (Bertazzi 1989)، إن معالجة تعرض الإنسان للكوارث هو في صميم استراتيجيات التأهب للكوارث والوقاية منها.
لا تزال عوامل الجفاف والمجاعة والفيضانات تؤثر على الناس أكثر بكثير من أي نوع آخر من الكوارث، حيث تتسبب الرياح العاتية والأعاصير في وفيات أكثر نسبياً من المجاعات والفيضانات، فيما يتعلق بالسكان المتضررين ككل، بالإضافة الى الزلازل، وهي أكثر الكوارث التي تحدث بشكل مفاجئ، لا تزال تسجل أكبر نسبة من الوفيات مقارنة بالسكان المتضررين، حيث أثرت الحوادث التكنولوجية على الناس أكثر من الحرائق.
يعتبر عدد أنواع الكوارث المجمعة على مدى 25 عاماً، وحسب القارة، تمثل الرياح العاتية والحوادث (معظمها حوادث النقل) والفيضانات أكبر عدد من أحداث الكوارث، حيث تقع أكبر نسبة من الأحداث في آسيا، تمثل أفريقيا الغالبية العظمى من أحداث الجفاف في العالم، بينما يُقتل عدد قليل من الناس بسبب الكوارث في أوروبا، فإن المنطقة تعاني من كوارث على نطاق مماثل لتلك الموجودة في آسيا أو إفريقيا، وتعكس الأرقام المنخفضة للوفيات ضعفاً شديداً في تعرض الإنسان للأزمات، ومن الأمثلة الواضحة مقارنة أعداد القتلى البشرية بعد الحوادث الكيميائية في سيفيسو (إيطاليا) وفي بوبال (الهند).
أنواع الكوارث الكبرى:
الكوارث الصريحة:
الكوارث الصريحة هي إطلاقات بيئية لا تترك أي غموض حول مصادرها وأضرارها المحتملة، ومن الأمثلة على ذلك سيفيسو وبوبال وتشرنوبيل.
يلعب (Seveso) دور النموذج الأولي للكوارث الصناعية الكيميائية، حيث وقع الحادث في 10 يوليو 1976 في منطقة سيفيسو، بالقرب من ميلانو بإيطاليا، في إحدى المصانع، حيث تم إنتاج ثلاثي كلورو الفينول، كما تسبب في تلوث عدة كيلومترات مربعة من الريف المأهول بالسكان بقوة 2،3،7،8 – رباعي كلورو ثنائي بنزو ديوكسين (TCDD)، وتم إجلاء أكثر من 700 شخص، وفُرضت قيود على 30 ألف شخص آخرين، حيث كان التأثير الصحي الأكثر وضوحاً هو الحروق، لكن صورة العواقب الصحية المحتملة المرتبطة بهذا الحادث لم تكتمل بعد (Bruzzi 1983 ، Pesatori 1995).
تمثل بوبال على الأرجح أسوأ كارثة صناعية كيميائية على الإطلاق، في ليلة 2 ديسمبر 1984، تسبب تسرب للغاز في انتشار سحابة قاتلة فوق مدينة بوبال وسط الهند، مخلفة آلاف القتلى ومئات الآلاف من الجرحى في غضون ساعات قليلة.
وقع الحادث بسبب تفاعل سريع في أحد الخزانات التي تم فيها تخزين ميثيل أيزوسيانيت (MIC)، خزان تخزين الخرسانة، الذي يحتوي على حوالي 42 طناً من هذا المركب، والذي كان يستخدم لتصنيع المبيدات ينفجر ويتفجر (MIC) ومواد كيميائية أخرى في الهواء، بالإضافة إلى التأثير الكارثي الواضح للحادث، لا تزال هناك أسئلة حول العواقب طويلة المدى المحتملة على صحة المتضررين أو المعرضين.
الكوارث بطيئة الظهور:
قد تظهر الكوارث البطيئة الظهور فقط لأن الأهداف البشرية تصادف أن تكون على طريق الإطلاق، أو لأنه بمرور الوقت، تظهر بعض الأدلة البيئية على وجود تهديد من مواد ضارة.
أحد الأمثلة الأكثر إثارة للإعجاب والأكثر إفادة من النوع الأول هو “مرض ميناماتا”، في عام 1953، بدأت اضطرابات عصبية غير عادية تضرب الأشخاص الذين يعيشون في قرى الصيد على طول خليج ميناماتا باليابان، سمي المرض كيبيو، “المرض الغامض”.
بعد العديد من التحقيقات، ظهرت الأسماك المسمومة باعتبارها الجاني المحتمل، وفي عام 1957 تم إنتاج المرض تجريبياً عن طريق إطعام القطط بالأسماك التي يتم صيدها في الخليج، وفي العام التالي، تم طرح اقتراح مفاده أن الصورة السريرية لـ (kibyo)، والتي تضمنت التهاب الأعصاب، ترنح المخيخ والعمى القشري فقد كانت مشابهة لتلك الناتجة عن التسمم بمركبات الزئبق الألكيل، حيث كان لابد من البحث عن مصدر للزئبق العضوي، وتم العثور عليه في النهاية في مصنع يقوم بتصريف نفاياته السائلة في خليج ميناماتا، وبحلول يوليو 1961، حدث المرض في 88 شخصاً.
مثال على النوع الثاني هو (Love Canal)، وهو موقع تنقيب بالقرب من شلالات نياجرا في الولايات المتحدة، تم استخدام المنطقة كموقع للتخلص من المواد الكيميائية والبلدية على مدار فترة تقارب 30 عاماً، حتى عام 1953.
تم بناء المنازل في وقت لاحق بجوار مكب النفايات وفي أواخر الستينيات، كانت هناك شكاوى من الروائح الكيميائية في الأقبية المنزلية، وبدأ الإبلاغ عن ترشيح المواد الكيميائية في المناطق المحيطة بالموقع بوتيرة متزايدة بمرور الوقت، لكن وفي سبعينيات القرن الماضي، بدأ السكان يخشون من ظهور تهديد خطير على صحتهم، وقد دفع هذا التصور المشترك إلى إجراء تحقيقات بيئية وصحية.
لا يمكن لأي من الدراسات المنشورة أن تدعم بشكل قاطع وجود علاقة سببية بين التعرض للمواد الكيميائية في موقع التخلص والآثار الصحية الضارة بين السكان، ومع ذلك لا شك في أن عواقب اجتماعية ونفسية خطيرة قد نتجت عن سكان المنطقة، لا سيما أولئك الذين تم إجلاؤهم (هولدن 1980).
الكوارث النامية:
يتضمن النمط الناشئ للتصنيع وكذلك تحديث الزراعة في البلدان النامية تطبيق واستخدام التكنولوجيا والمنتجات المستوردة أو المعتمدة، وذلك ضمن سياقات مختلفة تماماً عن تلك التي كان من المقرر استخدامها فيها، قد تقوم الشركات التي تواجه تشديد اللوائح في البلدان الصناعية بتصدير الصناعات الخطرة إلى مناطق العالم، حيث توجد تدابير أقل صرامة لحماية البيئة والصحة العامة.
أصبحت الأنشطة الصناعية مركزة في المستوطنات الحضرية القائمة وتضيف بشكل كبير إلى الضغط الناجم عن الاكتظاظ ونقص الخدمات المجتمعية، يتم توزيع هذه الأنشطة بين قطاع صغير منظم للغاية وقطاع كبير غير منظم؛ تغتبر الضوابط الحكومية فيما يتعلق بالعمل والسلامة البيئية في القطاع الأخير أقل صرامة، مثال يأتي من باكستان، حيث من بين 7500 عامل ميداني في برنامج مكافحة الملاريا في عام 1976، عانى ما يصل إلى 2800 من بعض أشكال السمية، كما تشير التقديرات إلى حدوث حوالي 500000 حالة تسمم حاد بالمبيدات سنوياً، مما أدى إلى وفاة حوالي 9000 حالة، وأن حوالي 1٪ فقط من الحالات المميتة تحدث في البلدان الصناعية، على الرغم من أن تلك البلدان تستهلك حوالي 80 ٪ من إجمالي إنتاج الكيماويات الزراعية في العالم.
وقد قيل أيضاً إن المجتمعات النامية قد تجد نفسها في الواقع تحمل عبئاً مزدوجاً بدلاً من تطهيرها من عبء التخلف، وفي الواقع يمكن أن تكون عواقب التصنيع غير السليم قد أضيفت ببساطة إلى عواقب الدول المتخلفة في البلدان النامية، ومن الواضح أنه يجب تعزيز التعاون الدولي بشكل عاجل في ثلاثة مجالات وهي: العمل العلمي والصحة العامة وتحديد المواقع الصناعية وسياسات السلامة.