اقرأ في هذا المقال
- كيف قامت الجغرافيا التطبيقية في خدمة الحروب؟
- أهمية دراسة الظروف البيئة الجغرافية واستغلالها في الحروب
كيف قامت الجغرافيا التطبيقية في خدمة الحروب؟
إن الجغرافيا التطبيقية تقصد بأنها عبارة عن استعمال مجموعة من الأساليب الجغرافية من مسح وتحليل، وذلك من أجل القيام بحل مشاكل العالم، أو بمعنى آخر هي: استخدام الجغرافيا في مجالات التنمية وحل مشاكل الإنسان، حيث أن الجغرافي هو المتخصص الوحيد الذي يعمل على دراسة كافة العناصر البيئية التي يعيش فيها الإنسان.
كما يوجد هناك رابطة وثيقة بين كل من علم الجغرافيا والحروب، فإن المعارك الحربية ليست إلا مواجهة بين قوتين بشريتين في ميدان، إمَّا أن يكون مساحة من الأرض أو مسطحاً مائياً، أو من الممكن أن تكون هذه المعارك في الجو، ونتائج الحروب قد تكون خسارة بعض الدول لأجزاء من رقعتها الجغرافية، وإضافة أجزاء من الأرض للدول التي تنتصر.
ولا يوجد شك بأن معرفة الخصائص الجغرافية لميدان المعارك تساعد قيادة المعارك بنجاح، ويمكن أن نقول بأن الجيش الذي يعرف كيف يستفيد من الظروف الجغرافية لمكان المعركة يستطيع أن يحقق الكثير من خططه، حيث أن مكان المعركة ليس إلا مكاناً يمتاز بخصائص طبيعية وبشرية متباينة، وليست شخصية المكان مجرد مجموعة هذه الخصائص الطبيعية والعوامل البشرية، بل أنها نتيجة تفاعل مستمر بين الإنسان والظروف الطبيعية التي تتمثل في كل من الموقع، السطح، المظاهر الطبوغرافية، المناخ بعناصره جميعها من حرارة ورياح وأمطار والنباتات الطبيعية سواء أكانت أعشاباً أم غابات.
كما أن الموقع الجغرافي مهم جداً حيث أن له دوراً في نتائج المعارك الحربية، حيث يكون هذا على حسب أهميته واستراتيجيته وقدرة تحكمه في الطرق، ومن الأمثلة على ذلك عندما أعلنت إسرائيل أنها ستحتفظ بشرم الشيخ ذات الأهمية البحرية من أجل تأمين ملاحتها داخل البحر الأحمر، إلا أن حرب رمضان في عام 1393هـ أثبتت عدم صدق هذا الادعاء، وذلك من واقع إحكام سيطرة العرب على مضيق باب المندب الذي يعد منفذا للبحر الأحمر، وكثيراً ما تكون أهمية الموقع الجغرافي لبعض الدول السبب في طمع الدول الكبيرة من أجل التنافس والسيطرة على هذه الدول، والتي تتميز بمواقع ذات أهمية حربية.
لقد كانت أهمية موقع مصر وقناة السويس السبب في تنافس الدول الاستعمارية في السيطرة عليها منذ أقدم عصور التاريخ، لهذا فإن مصر قد عانت كثيراً؛ وذلك بسبب تتابع حملات الغزاة الطامعين فيها، حيث جذبهم موقعها الاستراتيجي المهم، ولقد ساعدت الدول الاستعمارية على قيام إسرائيل في قلب الأمة العربية؛ لتكون حاجزا يحول دون اتحاد الدول العربية الآسيوية بالدول العربية الأفريقية.
كما أن بريطانيا يوماً ما كانت سيدة البحار؛ وذلك بسبب ما تملكه من أساطيل بحرية، فقد حرصت على السيطرة على الممرات البحرية المهمة مثل كل من قناة السويس، باب المندب، مضيق جبل طارق، ممر ملقا؛ وذلك حتى لا تتوقف هذه الممرات في وجه سفن أساطيلها، حيث أن مظاهر السطح تؤثر تأثيراً كبيراً في حركة المعارك الحربية، إذ أن الجبال تمنع سهولة الاتصال، وتقف عقبة كبيرة في وجه الجيوش الغازية، ولذا استخدمت الجبال كحدود سياسية للفصل بين الدول كما هي الحال بين فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا.
أهمية دراسة الظروف البيئة الجغرافية واستغلالها في الحروب:
إن المناطق الجبلية تعتبر مناطق مناسبة من أجل الهجوم ووضع الكمائن؛ وذلك بسبب امتداد الرؤية القليل التي تحددها الحواف الجبلية، وعلى الرغم من التغير التدريجي لوسائل النقل العسكرية الحديثة، بحيث أصبحت تستعمل الطائرات بأنواعها المختلفة، وبذلك تتخطى العقبات الجبلية، إلا أن الجبال ما زالت عقبة عسكرية تحد من مدى نيران المدفعية وما زال التاريخ يذكر خسائر العثمانيين التي تكبدوها حينما حاولوا فتح اليمن المعروفة بجبالها الوعرة، ممَّا دفع إلى القول بأن اليمن (مقبرة الأناضول).
كما أنها تقوم على حجب الرؤية وتعوق موجات الرادار، حيث تعتبر المناطق السهلية مجالاً سهلاً أمام المواصلات تساعد على الحركة بكل سهولة، كما تسمح بمدى بعيد للرؤية، وعلى العموم لا يستمر القتال لفترة طويلة في المناطق السهلية، حيث يتقرر فيها مصير المعارك بشكل أسرع حسب الإمكانات العسكرية المتاحة.
كما يتم استغلال المناخ كثيراً ويراعى عند القيام بالتخطيط للمعارك، حيث يعرف المناخ بأنه حالة الجو بجميع عناصره المختلفة من حيث الحرارة والرياح والسحب والأمطار، والحرارة مثلاً فإنها تتطلب ملابس خاصة، فإذا كانت المعركة في منطقة حارة فإن ذلك يفرض استخدام ملابس خفيفة.
ومن المعروف أنه يوجد لدى الجيش الأمريكىي بضعة عشر نوعاً من الملابس التي تلائم أنواع المناخ المختلفة، ولقد هزم نابليون في عام 1812 ميلادي حينما هاجم موسكو؛ لأنه لم يعطِ انخفاض درجة الحرارة أهمية كبيرة حتى لقد قيل: إن (جنرالات البرد هم الذين قهروا نابليون).
وحينما تستخدم الغازات السامة خلال الحروب لا بد من معرفة اتجاهات الرياح، حيث قامت الشعوب القديمة باستغلال الرياح كسلاح في مهاجمة الأعداء، إذ أن هذه الشعوب كانت تختار الأوقات التي تهب فيه الرياح إلى مناطق الأعداء فيشعلون النار ويضيفون إليها بعض النباتات التي تتسبب في تصاعد أبخرة وغازات سامة.
وللسحب أيضاً دورها في الحروب، فإذا كانت كثيفة فإنها تحجب الأهداف عن الطائرات، ومما يذكر أن الولايات المتحدة عندما قررت في عام 1945 ميلادي أن تستخدم القنبلة الذرية في حربها مع اليابان، حيث أنها قامت باختيار ثلاثة أهداف في كل من هيروشيما، كوكورا ونجازاكي ولم يحدد القرار الأمريكي ساعة الصفر، ولكن كانت هناك ثلاث طائرات استكشاف أمريكية تواصل الطيران بشكل مستمر فوق الأهداف وتعطي تقارير كافية عن الظروف الجوية، كما أوضحت تلك التقارير بأن ظروف هيروشيما مناسبة ولا توجد سحب تحجبها فألقيت عليها أول قنبلة ذرية في أغسطس عام 1945 ميلادي.
وعندما نقوم بدراسة معارك أمريكا في فيتنام نجد أن هذه المعارك قد كانت موسمية، بمعنى أن الفيتناميين كانوا يشنون هجماتهم خلا فصل الصيف فصل المطر؛ وذلك بسبب عجز الطيران الأمريكي عن أداء دوره بنجاح بسبب كثرة السحب في فصل الصيف، كما أن الدبابات والمصفحات كانت تجد مشقة كبيرة نتيجة الأوحال التي تنشأ عن الأمطار الموسمية فوق تربات رسوبية.
وإذا كان الفيتناميون قد تخصصوا في هجمات خلال فصل الصيف، فإن القوات الأمريكية كانت تشن هجماتها خلال فصل الشتاء؛ حيث أنه فصل الجفاف وندرة السحب، من الأمثلة السابقة يتضح لنا أن للمعرفة الجغرافية دوراً مهما في المعارك الحربية، ولقد أصبحت دراسة ظروف البيئة الجغرافية واستغلالها في المعارك فرعاً أساسياً من فروع الجغرافية التطبيقية هو الجغرافية العسكرية، والتي يمكن إيجاز تعريفها في أنها فن استغلال ظروف البيئة الجغرافية في خدمة المعارك العربية.