العلاقة بين الدماغ والسلوك الرياضي:
يحظى الرياضيون باهتمام كبير من قبل علماء علم الاجتماع الرياضي وعلماء التربية الرياضية؛ وذلك بسبب سماتهم الجسدية، مثل السرعة والقوة والتنسيق والنعمة، حيث أن التفوق في الرياضة يتطلب أكثر من العضلات والبراعة الجسدية، ويأخذ الرياضي المتمرس إشارات بصرية مهمة، ويضبط الإشارات الدخيلة ويرسم الأنماط ويضع الخطط، حيث أن كل ذلك في غمضة عين.
ففي غضون أجزاء من الألف من الثانية قبل أن يقوم لاعبي كرة السلة برمية حرة، أو أن يقوم لاعبي البيسبول بالتصويب على أرضية الملعب، فإنهم يقومون بإصلاح نظراتهم على الشبكة أو قفاز الماسك، كما أنهم يأخذون المعلومات الأساسية مثل موقع ومسافة أهدافهم أو موقع اللاعبين الآخرين أو اتجاه الريح، كما أنهم يستخدم مصطلح “العين الهادئة” لوصف تلك اللحظة لاستيعاب كل شيء قبل الانطلاق إلى العمل.
ولكن عندما تكون العيون هادئة فإن الدماغ ليس له شيء يقوم به، حيث ترتبط العين الهادئة بقوة بالأداء، فعندما تصبح العين الهادئة أطول، يكون لدى اللاعب فرصة أكبر للأداء الجيد، ولكنه لا يمكنه التركيز إلى الأبد، وفي الواقع يمكن أن يؤدي التركيز لفترة طويلة جدًا إلى تدهور الأداء.
كما تعتبر ألعاب القوى أكثر من مجرد وظيفة يومية تعمل على إظهار وظيفية الدماغ في التحكم في السلوك الحركي، حيث أنها طريقة للحياة، حيث تظهر الأبحاث أن ممارسة الرياضة تعزز تدفق الدم إلى عقل الفرد الرياضي الممارس لأنشطة الرياضية، حيث يتيح ذلك لجسم الفرد الرياضي بناء المزيد من الروابط بين الأعصاب داخل الدماغ، وتحسن الذاكرة وتحفز الإبداع، وتساعد عقل الفرد الرياضي على تطوير مهارات أفضل في حل المشكلات، حيث وجدت إحدى الدراسات أن ممارسة الرياضة يمكن أن تحسن وظائف الدماغ بشكل أساسي متطور.
فإن اللدونة العصبية هي الآلية التي يقوم الدماغ من خلالها بترميز التجربة وتعلم مهارات وسلوكيات وعادات جديدة في الحياة اليومية وفي المجال الرياضي، حيث تشكل خلايا الدماغ المسماة بالخلايا العصبية شبكة اتصال تعمل كأساس لمعالجة المعلومات الرياضية في الدماغ، وتمتلك الشبكة العصبية للدماغ القدرة على إعادة ترتيب وتقوية كفاءة الاتصال من خلال عملية إعادة الترتيب اللدونة العصبية، بحيث تمكّن الفرد الرياضي تجربة التغييرات في الطريقة التي تفكر بها عقولنا وتشعر بها وتتصرف.
حيث يتضمن ذلك كل شيء بدايةً من تغيير تأرجح ظهر اللاعب في لعبة الجولف أو التنس، إلى تطوير روتين عقلي جديد للإعداد للتسديد، أو استعادة الوظيفة بعد إصابة الجهاز العصبي أو الميكانيكي الحيوي، وبالتالي يتم تحقيق الأداء الأمثل وتعلم المهارات والاسترداد عندما يتم تعظيم القدرة على اللدونة العصبية، كما أظهرت الأبحاث أن التمارين البدنية تزيد من قدرة الدماغ على المرونة، وينعكس ذلك جزئيًا من خلال التغيرات في بنية الدماغ ووظيفته بعد التدريب على التمرين في الملاعب الرياضية أو الساحات الرياضية.
حيث أظهرت الدراسات أن الأشخاص الأكثر نشاطًا بدنيًا يؤدون بشكل أفضل في اختبارات الأداء المعرفي مقارنة بأقرانهم الأقل نشاطًا جسديًا، ودرست الدراسات الأولى قدرة فنانين الأداء على إكمال المهام المزدوجة بنجاح عن طريق قياس وقت الاستجابة البسيط في المقام الأول، وسرعة الاستجابة السريعة والدقيقة ووقت التمييز، وسرعة الضغط على مفتاح واحد إذا ظهر المحفز الرياضي قدرته على تحقيق الاستجابة.
حيث تؤثر التمرينات على الأداء جزئيًا من خلال تحسين الخصائص الهيكلية للدماغ، فعلى سبيل المثال، تؤدي الشيخوخة عادةً إلى تقلص حجم الدماغ في قشرة الترابط الأمامية والزمنية، ويمكن قياس ذلك باستخدام تقنية تصوير الدماغ في الجسم الحي والتي تسمى التصوير بالرنين المغناطيسي.
ومع ذلك فقد أظهرت الدراسات أن النشاط البدني الأكبر على سبيل المثال، المشي لمسافات طويلة أو التدريب على التمارين الهوائية المعتدلة على مدى 6 أشهر بين كبار السن، يرتبط بزيادة حجم المادة الرمادية في القشرة الأمامية والزمانية وحجم أكبر للمادة البيضاء في القشرة الأمامية.
فإن الرياضات الجماعية مثل كرة القدم وكرة الشبكة وكرة الماء وكرة السلة تعد مثال على الرياضة الأفضل للدماغ، حيث يتم تعزيز نمو الدماغ من خلال الرياضات التي تتطلب التوازن والتنسيق بين جانبي الجسم، وبالتالي كلا نصفي الدماغ، كما تعتبر رياضة ركوب الدراجات في الجبال والسباحة وفنون الدفاع عن النفس والجمباز، أمثلة مثالية للوظائف الدماغ في تكامل السلوك الحركي.
المصدر:
علم الاجتماع الرياضي، مصطفى السايح، 2007علم الاجتماع الرياضي، إحسان الحسن، 2005علم الاجتماع الرياضي، خير الدين عويس وعصام الهلالي، 1997 الاجتماع الرياضي، جاسب حمادي، 1998