العلاج الوظيفي والنظريات السلوكية ونظريات الإدراك الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


العلاج الوظيفي والنظريات السلوكية:

شهدت السنوات الستون الماضية تقدمًا هائلاً في مجال نظريات التعلم. كما أكد منظرو التعلم المبكر على الارتباط بين السلوك والمكافأة أو العقوبة الناتجة كتفسير بسيط لتغيير السلوك. ومنذ أكثر من 60 عامًا، طوّر الباحثون نظريات التعلم بناءً على اعتقادهم بأن البيئة تشكل جميع السلوكيات البشرية وأن السلوكيات قد تنبعث عشوائيًا استجابةً لمحفز بيئي.
يحدث التعلم عندما يحاول الشخص سلوكًا نجح في موقف سابق ويعزز السلوك من خلال العواقب البيئية التي تتبعه. كما يمكن أن يحدث التعلم أيضًا عندما يُظهر الشخص استجابة لا إرادية وانعكاسية لمحفز بيئي، وبالتالي يتم تعزيزه نتيجة لذلك. حيث يشكل هذا التسلسل حالة التحفيز، والاستجابة السلوكية والنتائج البيئية – حالة طارئة للسلوك – وهي الآلية التي تشكل البيئة من خلالها السلوك.
من خلال الأحداث الطبيعية في البيئة، يتم تعزيز سلوكيات الطفل التكيفية ويتم تجاهل أو معاقبة السلوكيات غير القابلة للتكيف. حيث ان مفهوم النظريات الذي أصبح أساسيًا للتدخلات للأطفال هو التعلم الفعال أو التعلم ذو هدف، أو استخدام التعزيز لتعديل السلوك. كما يتم تقوية السلوك والحفاظ عليه عندما ينتج عنه تعزيز إيجابي (بدلاً من العقاب). إذا كان التعزيز غائبًا (أي غير معطى وبالتالي سلبيًا)، فقد يتم إخماد السلوكيات الإيجابية.

تم تطوير تحليل السلوك التطبيقي بشكل جيد في مجالات التعليم وعلم النفس. حيث تستخدم التدخلات السلوكية التطبيقية في المقام الأول تكييفًا فعالًا في بيئات خاضعة للتحكم بدرجة عالية حيث يعطي المعالج أو المعلم المهني للطفل تعليمات ويكافئ الطفل على الاستجابة المناسبة (التعزيز). إن مكونات النهج هي تحليل متعمق للسلوك لفهم متى ولماذا يحدث السلوك وتطوير استراتيجيات لتعديل السلوك المستهدف. كما يُقدم للطفل حافزًا يحث على سلوك جديد يكافأ أو يتعزز. ويتكرر التحريض والتعزيز حتى يتم تعلم السلوك. وقد أكدت الأبحاث المكثفة أنه عندما ينتج عن سلوكيات معينة عواقب محددة ومتسقة، يتم تعلم هذه السلوكيات.

يمكن للمعالجين المهنيين الذين يستخدمون تقنيات تكييف فعالة مساعدة الطفل على تحقيق مستوى أعلى من الأداء أو تحسين مهارة موجودة من خلال عملية تسمى التشكيل. كما يتضمن التشكيل تقسيم السلوك المعقد إلى مكونات وتقوية كل مكون من مكونات السلوك بشكل فردي ومنهجي حتى يقترب من السلوك المطلوب. وعلى الرغم من أن هذه التقنية منظمة، إلا أن المعالج المهني يطبق تقنيات تشكيل في لعب الطفل ويستخدم أنشطة اللعب لتحفيز تصرفات الطفل.

التشكيل:

التشكيل هو عملية منهجية لاكتساب تدريجي لسلوك جديد من خلال أداء أعمال متتالية تمثل مجتمعة مهارة أكثر تقدمًا. في هذه العملية، يعرّف المعالج المهني
1- السلوك على أنه سلسلة من الخطوات أو الأجزاء الإضافية.
2- يحث الطفل ويوجهه لإظهار الخطوات.
3- يكافئ كل تقريب متتالي للمهارة.
كما يعتبر التشكيل مناسبًا للمهارات متعددة المكونات التي لها تقدم تطوري يمكن من خلاله تقسيم المهارات إلى خطوات ويمكن استنباط تقدم في الأداء. حيث يتم تنفيذه ضمن أنشطة لعب الطفل وضمن التفاعل الطبيعي، كما يمكن نمذجة الخطوات الصغيرة أو تلخيصها أو المطالبة بها. حيث يتم تعزيز ردود فعل الطفل وأفعاله على الفور. خلال هذا التكرار، يتم المطالبة بمهارة ذات مستوى أعلى ويتم تعزيزها عند تنفيذها.

في السنوات الأخيرة، تطورت نظريات التعلم والسلوك المستخدمة مع الأطفال الصغار إلى مناهج يمكن تطبيقها على نطاق واسع عبر الإعدادات. كما تنجح التدخلات السلوكية التطبيقية في تنمية المهارات، ومع ذلك، فإن المهارات المكتسبة في بيئة منعزلة، كما هو الحال في التدريب التجريبي المنفصل، لا تعمم دائمًا في سلوكيات جديدة أو أعلى في جميع البيئات.
طور المعلمون مناهج سلوكية تستخدم أيضًا للتعلم الفعال ويمكن تنفيذها في بيئة الطفل الطبيعية لتعليم الأطفال السلوكيات التكيفية التي يمكن تعميمها عبر البيئات. كما يتم تنفيذها في جلسات منظمة بالحد الأدنى في مواقع وسياقات مختلفة مع مجموعة متنوعة من المحفزات.
على الرغم من أن المعلمين والمعالجين المهنيين الذين استخدموا إجراءات التدريس الطبيعية لديهم نفس الأهداف التنموية للأطفال مثل المحترفين الذين يستخدمون النظرية السلوكية الكلاسيكية، فإن إجراءاتهم تميل إلى أن تكون أكثر مرونة وتضم أقرانها وتستخدم الظروف الطبيعية والمعززات. كما أن كثيرًا ما يستخدم المعالجون المهنيون إجراءات التعلم والتعليم العرضي والتدريب على الاستجابة المحورية من قبل المعالجين المهنيين مع الأطفال الصغار في برامج الطفولة المبكرة. كما يستخدم التطور الثالث للنظريات السلوكية، وهو الدعم السلوكي الإيجابي، التقييم السلوكي الوظيفي لتحديد السوابق للسلوك الذي يمكن إزالته أو تعديله مع البيئة. كمايتم تنفيذ دعم السلوك الإيجابي على مستوى المدرسة من قبل فرق من المعلمين والمساعدين والمعالجين المهنيين لتعزيز السلوك الإيجابي للطلاب ومنع السلوك الضار وغير اللائق.
في التدريس العرضي، يتم إنشاء بيئة اللعب لتحفيز اهتمام الطفل الصغير وفضوله. كما أنه من المهم أن تكون الألعاب المستخدمة مناسبة من الناحية التنموية وأن تشتمل على ألعاب جديدة ومألوفة. الهدف هو أن يختار الطفل نشاطًا ويبدأ اللعب تلقائيًا.
يعتمد المعالج المهني على اختيار لعب الطفل من خلال توسيع سيناريو اللعب بحيث يصبح أكثر صعوبة أو يخلق مشكلة للطفل لحلها. وقد يوجه المعالج المهني الطفل للقيام بعمل مختلف ويكافئه على محاولته إجراءات أكثر تحديًا، حيث تتخذ جلسات التدريس هذه نهجًا مختلفًا عن التدخلات السلوكية، والتي تستخدم تدريبًا تجريبيًا منفصلاً يتم فيه إعطاء الطفل توجيهات محددة ومكافأته على استجابة محددة.
التدريب على الاستجابة المحورية هو أيضًا نهج طبيعي للتعليم والتعلم يستخدم مع الأطفال الصغار والهدف من التدريب على الاستجابة المحورية هو تعليم الأطفال مجموعة من السلوكيات المحورية التي يعتقد أنها مركزية في التعلم. كما تشمل النتائج المرجوة للتدريب على الاستجابة المحورية زيادة (1) دافع الطفل للتعلم (2) الانتباه إلى مهام التعلم (3) المثابرة في المهام (4) بدء التفاعلات (5) التأثير الإيجابي.
الإجراءات التي تُستخدم في التدريب السلوكي المحوري المشابهة للإجراءات المستخدمة في التدريس العرضي مع التركيز على طرق تعزيز تعميم التعلم. حيث أنه عند تطبيق التدريب على الاستجابة المحورية، يعطي المعالج المهني للطفل خيارًا في مواد اللعب ويستخدم المعززات الطبيعية ويتخلل المهام المتقنة مع المهام المكتسبة ويعزز محاولات التعلم الجديد.

نظريات الإدراك الاجتماعي:

بشكل عام، تشرح النظرية المعرفية الاجتماعية التعلم الذي يحدث في سياق اجتماعي. وقد كان الاكتساب الأولي للسلوكيات شديدة التعقيد والتجريد صعبًا على علماء النظريات شرحه حتى ظهور النظرية المعرفية الاجتماعية التي اقترحها العلماء.
يتعلم الأطفال من خلال مراقبة سلوك الآخرين، كما قد لا يتم ملاحظة هذا التعلم على الفور في السلوك ولكنه يصبح جزءًا من فهم الطفل العام للعالم. على النقيض من علماء السلوك، الذين يعتقدون أن كل التعلم ينتج تغييرًا سلوكيًا، حيث يعتقد المنظرون المعرفيون الاجتماعيون أن التعلم يمكن أن يحدث دون تغييرات سلوكية ملحوظة. ويمكن للطفل أن يتعلم من خلال ملاحظة سلوك الآخرين، مثل الإيماءات غير اللفظية الدقيقة التي يتم استخدامها في المحادثة. لذلك قد يتم ملاحظة هذه الإيماءات وتخزينها في الذاكرة وقد لا يتم عرضها من قبل الطفل حتى وقت لاحق، حيث قد يُظهر الطفل إيماءات مماثلة ولكن بأسلوبه الفريد.
في النظرية المعرفية الاجتماعية، يحدد الناس التعلم الخاص بهم من خلال البحث عن تجارب معينة والتركيز على أهدافهم الخاصة. كما لا يتعلم الأطفال ببساطة عناصر عشوائية من البيئة، إنهم يوجهون تعلمهم وهم موجهون نحو الهدف فيما يتعلمونه. كما يعتقد منظرو الإدراك الاجتماعي أيضًا أن الأطفال يتعلمون بشكل غير مباشر من خلال ملاحظة كيفية مكافأة سلوكيات أقرانهم أو معاقبتهم.
لا تنطبق هذه المبادئ دائمًا في حالة الأطفال المصابين بالتوحد، والذين يحتاج التعلم غالبًا إلى أن يكون أكثر وضوحًا وتنظيمًا وتوجيهًا.
مع بعض الاستثناءات، قد يتعلم الأطفال في كثير من الأحيان من خلال ملاحظة عواقب سلوكيات الأفراد من حولهم. حيث أن التعلم الذي يحدث عند ملاحظة سلوكيات الآخرين يعتمد أيضًا على أهداف الطفل واهتماماته وعلاقته بالفرد المرصود. كما يزداد تعلم الأطفال عندما يتم منحهم حافزًا لتعلم سلوك جديد (على سبيل المثال، نتيجة أو مكافأة متوقعة). كما يتم تعزيز التعلم أيضًا عندما يحدد الطفل أهدافه الخاصة، ويتم منحه فرصًا للعمل على تلك الأهداف وتقييم ما إذا كان الهدف قد تم تحقيقه.

عندما يضع الأطفال أهدافهم الخاصة، فإنهم يوجهون سلوكهم بطريقة محددة؛ هم أكثر عرضة للاستمرار في السلوك لتحقيق الهدف، وغالبًا ما يكونون أكثر رضا عن النتيجة.

المناهج المعرفية:

النهج المعرفية هو نهج “من أعلى إلى أسفل” أو نهج قائم على المهنة لأن التركيز في العلاج المهني ينصب على مساعدة الطفل على تحديد وتطوير واستخدام الاستراتيجيات المعرفية لأداء الوظائف اليومية بفعالية. كما تعتمد هذه النماذج على بحث (Bandura) الذي يدعم أهمية الكفاءة الذاتية ووضع أهداف لتحفيز الإنجازات الفردية.
في الأساليب المعرفية، يصمم المعالج المهني تدخلات لزيادة مخزون الطفل من الاستراتيجيات المعرفية وتحسين قدرة الطفل على اختيار ومراقبة وتقييم استخدامه أو استخدامها لهذه الاستراتيجيات أثناء أداء المهمة. الافتراض المتأصل هو أن الأداء المحسن ينتج عن التفاعل الديناميكي لمهارات الطفل مع معلمات المهمة في السياق الذي يجب القيام به، حيث يكتشف الطفل ويطبق ويقيم الاستراتيجيات المعرفية أثناء أداء المهمة في بيئاته النموذجية.
في النموذج المعرفي للممارسة، يحدد المعالج المهني ويستخدم استراتيجية عالمية لحل المشكلات، والتي توفر إطارًا متسقًا يكتشف الطفل من خلاله استراتيجيات محددة تنطبق على المهام التي يحتاجها أو يرغب في القيام بها. كما تستند هذه الاستراتيجية العالمية إلى بنية حل المشكلات المكونة من خمس مراحل التي تم تحديدها باستخدام مصطلحات العلاج المهني، تشمل هذه الخطوات ما يلي:
1- تحليل المهام.
2- توقع صعوبات الطفل.
3- الاستكشاف واختيار استراتيجيات خاصة بالمهمة.
4- تطبيق استراتيجية للمهمة.
5- تقييم فعالية الاستراتيجية.
يوجه المعالج المهني الطفل لتطوير استراتيجياته المعرفية الخاصة بناءً على المشكلات التي واجهتها أثناء المهام. الاستراتيجيات المحددة للمهمة التي يكتشفها الطفل هي فريدة بالنسبة له أو لها.


شارك المقالة: