تتشكّل الطرق غير الطبيعية والخاطئة في تربية الطفل، إمّا من خلال جهل الوالدين بهذه الطرق، أو باتباع طريقة الوالدين والجدات، أو حرمان الأب أو الأم من اتجاه معين، عندما يكون الأب محروماً من الحنان في صغره، يرى أنه يضفي على طفله هذا الشغف أو العكس، بعض الآباء يرغبون في تطبيق نفس الطريقة المستخدمة في تربية والده على ابنه والشيء نفسه هو الحال بالنسبة للأم.
أخطاء الآباء في التربية
سأتطرق هنا لتلك الاتجاهات غير السوية والخاطئة التي ينتهجها الوالدان، أو أحدهما في تربية الطفل والتي تترك بآثارها سلبـاً على شخصية الأبناء. وسوف نتحدث في هذا المقال عن بعض الأساليب والطرق الخاطئة وتأثيرها على شخصية الأطفال ونفسيتهم، مثل: التسلط، الحماية الزائدة، الإهمال، التدليل، القسوة، التذبذب في معاملة الطفل وغيرها.
التسلط أو السيطرة
التسلّط هو تحكّم الأب او الأم في نشاطات الأطفال وعدم التماشي مع رغباتهم الشخصية، أيضاً القيام بمنعهم من عمل أي سلوك معيّن قد تتحقق فيه رغباتهم التي يريدونها، حتى لو كانت معقوله، أو إجبار الأطفال على القيام بمهام وواجبات تفوق قدراتهم وإمكاناتهم. ويرافق ذلك استخدام العنف أو الضرب أو الحرمان أحيانـاً. وتكون قائمة الممنوعات أكثر من قائمة المسموحات.
كأن تفرض الأم على الطفل ارتداء ملابس معينة أو طعام معين أو أصدقاء معينين، أيضاً عندما يفرض الوالدان على الابن تخصص معيّن في الجامعة، أو دخول قسم معين في الثانوية أو غيرها من القرارات؛ ظنـاً من الوالدين أن ذلك في مصلحة الطفل، من دون أن يعلموا أن لذلك الأسلوب خطراً على صحة الطفل النفسية وعلى شخصيته في المستقبل.
ونتيجة لذلك الأسلوب المتبع في التربية ينشأ الطفل ولديه ميل شديد للخضوع واتباع الآخرين. ولا يستطيع أن يبدع أو أن يفكر وعدم القدرة على إبداء الرأي والمناقشة.
وينتج عن هذا الأسلوب أيضاً تكون شخصية متوترة وخائفة باستمرار من التسلط، كما يبدو عليه الخجل الزائد، تصبح ثقته بنفسه متدنية، عاجز عن اتخاذ أي قرار، الشعور الدائم بأنه مقصِّر ولا يستطيع أن يُنجز أي شيء.
وبسبب اتباع أسلوب التسلّط من المحتمل أن ينتج طفل عدواني ولا يحب الخير للآخرين؛ لأنه عندما كان صغيراً لم يكن عنده اشباع للحرية ولم يستطيع الاستمتاع بطفولته.
الحماية الزائدة
تعني أن يقوم الوالدين بالمسؤوليات بدلاً من الطفل والتي من المفترض أن يقوم بها الطفل بنفسه، ويعتبر الوالدان أنهما حريصان على حماية الطفل والتدخل في شؤونه، فلا يتاح للطفل فرصة اتخاذ قرارة بنفسه وعدم إعطاءه حرية التصرف في كثير من أموره، كحل الواجبات المدرسية عن الطفل أو الدفاع عنه عندما يعتدي عليه أحد الأطفال.
وقد يرجع ذلك إلى خوف الوالدين على الطفل، لا سيما إذا كان الطفل الأول أو الوحيد، أو إذا كان ولد وسط العديد من البنات أو العكس فيبالغان في تربيته والخوف عليه أكثر من اللازم.
وبالطبع فإن هذا الأسلوب سوف يؤثر بشكل سلبي على شخصية الطفل ونفسيته. وبالتالي ينمو الطفل ويكون ذو شخصية ضعيفة وغير مستقل. وسوف يعتمد على الآخرين دائماً في القيام بأي شيء بدلاً عنه، كما يكون غير قادر على تحمّل أي نوع من المسؤوليات، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الثقة بالنفس وتقبل الإحباط.
كذلك نجد هذا النوع من الأطفال الذي تربى على هذا الأسلوب، لا يثق في قراراته التي يصدرها ويثق في قرارات الآخرين ويعتمد عليهم في كل شيء. ويكون نسبة حساسيته للنقد مرتفعة عندما يكبر. وقد يطالب بأن تذهب معه أمه للمدرسة حتى مرحلة متقدمة من العمر، يفترض أن يعتمد فيها الشخص على نفسه.
وسوف تحدث معه بعض المشاكل في المستقبل، مثل عدم تكيفه مع الأصدقاء؛ بسبب أن هذا الطفل قد انحرم من إشباع الاستقلال في طفولته ولذلك يظل معتمداً على الآخرين دائماً.
الإهمال:
هو أن يترك الأهل الطفل من دون أن يشجعوه على أي سلوك صحيح قام به، أو عدم الاستجابة له وتركه من دون أن يحاسبوه عند قيامه بأي سلوك خاطئ. وقد لا يهتم الوالدان بسبب الانشغال الدائم عن الأبناء وإهمالهم المستمر لهم.
فالأب يكون معظم وقته في العمل ويعود لينام ثم يخرج ولا يأتي إلا بعد أن ينام الأولاد. والأم تنشغل بالعمل أو بكثرة الزيارات والحفلات أو في الهاتف أو على الإنترنت أو التلفزيون وتهمل أبناءها، أو عندما تهمل الأم تلبية حاجات الطفل من طعام وشراب وملبس وغيرها من الأمور. والأبناء يفسرون ذلك على أنه نوع من النبذ والكراهية والإهمال فتنعكس بآثارها سلبـاً على نموّهم النفسي.
ويصاحب ذلك أحياناً السخرية والتحقير للطفل، فمثلاً عندما يقدم الطفل للأم عملاً قد أنجزه وسعد به تجدها تحطمه وتنهره وتسخر من عمله ذلك، كما تطلب منه عدم إزعاجها بمثل تلك الأمور غير المهمة. وكذلك عندما يحصل الطفل على علامة جيدة في أحد المواد المدرسية لا يهتموا ولا يقوموا بمكافأته لا مادياً ولا حتى بشكل معنوي. وبالمقابل إذا حصل على علامة سيئة يقوموا بتوبيخه والسخرية منه. وبالطبع هذا الأمر سوف يحرم الطفل من حاجته الى الإحساس بالنجاح. ومع تكرار ذلك يفقد الطفل مكانته في الأسرة ويشعر تجاهها بالعدوانية وفقدان حبه لها.
وعندما يكبر هذا الطفل يجد في الجماعة التي ينتمي إليها ما يُنمّي هذه الحاجة، كما يجد مكانته فيها ويجد العطاء والحب الذي حُرم منه. وهذا يفسِّر بلا شك هروب بعض الأبناء من المنزل الى شلة الأصدقاء؛ ليجدوا ما يشبع حاجاتهم المفقودة هناك في المنزل. وتكون خطورة ذلك الأسلوب المتبع وهو الإهمال أكثر ضرراً على الطفل في سنوات حياته الأولى بإهماله وعدم إشباع رغباته النفسية والفسيولوجية؛ لأن الطفل بحاجة للآخرين ويكون عاجزاً عن إشباع حاجاته بمفرده.
ومن نتائج اتباع هذا الأسلوب في التربية ظهور بعض الاضطرابات السلوكية لدى الطفل كالعدوان، العنف، أو الاعتداء على الآخرين، أو العناد، أو السرقة، أو إصابة الطفل بالتبلّد الانفعالي، عدم الاكتراث بالأوامر والنواهي التي يصدرها الوالدان.
الدلال الزائد للطفل
هو أن يشجّع الوالدين الطفل على تحقيق جميع رغباته مثلما يريد، أيضاً عدم توجيهه، أو منعه من القيام ببعض السلوكيات غير المقبولة، سواء كانت دينية أو أخلاقية أو اجتماعية والتساهل معه في الكثير من الأمور.
على سبيل المثال عندما يشتم أو يتشاجر طفلها مع الأطفال الآخرين، تقوم الأم بحمايته ولا تصرخ عليه عند قيامه بذلك السلوك، على العكس توافقه وتؤيده.
وقد يقوم الآباء لاتباع هذا الأسلوب مع طفلهم، إمّا بسبب أنه طفلاً وحيداً ولداً أو بنت، أو قد يكون ولداً وحيداً بين أكثر من بنت، أو بنتاً بين أكثر من ولد، أو قد يكون الوالد قاسٍ في معاملته مع الطفل. بالتالي الأم تشعر تجاه الطفل بالحنان الزائد وتعطف عليه، كما تحاول أن تقوم بتعويضه عمّا يفقده، أو قد يكونا الأب أو الأم قد تربوا بنفس هذه الطريقة فيقومان بتطبيقها على طفلهما.
ولا شك أن لتلك المعاملة مع الطفل آثار على شخصيته ودائماً خير الأمور الوسط لا إفراط ولا تفريط، كما يقولون الشيء نفسه إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، فمن نتائج تلك المعاملة أن الطفل ينشأ لا يعتمد على نفسه غير قادر على تحمل المسؤولية. ويكون بحاجة لمساندة الآخرين ومعونتهم، كما يتعوّد الطفل على أن يأخذ دائماً ولا يعطي، وأن على الأشخاص الآخرين أن يقوموا بتلبية جميع طلباته وإن لم يقوموا بذلك يشعر بالغضب. ويعتقد أنهم يكونوا أعداء له وهو ذا حساسية عالية ومستعد للبكاء.
وعندما يكبر يحصل له مشكلات، مثل عدم تكيفه مع المجتمع الخارجي، فيكبر وهو يريد أن يقوم الجميع بتلبية ما يريد ويغضب عندما يُنتقد على أي سلوك. ويضنّ أن كل تصرفاته التي يقوم بها غير ناقصة، كما يعتقد بأنه لا يقع في الأخطاء، عندما يكبر ويتزوج يقوم بتحميل الزوجة كامل المسؤولية بدون أن يُشاركها أو يتعاون معها.
إثارة الألم النفسي
ويكون ذلك بإشعار الطفل بالذنب كلّما أتى سلوكاً غير مرغوب فيه، أو كلّما عبّر عن رغبة سيئة، أيضـاً تحقير الطفل والتقليل من شأنه والبحث عن أخطاءه ونقد سلوكه؛ وهذا الأمر يسبب للطفل قلة ثقة بالنفس، فيصبح دائم التردد عندما يقوم بأي شيء؛ لأنه يخاف من أن يُحرم من حب الأكبر منه.
وعندما يكبر هذا الطفل فيكون شخصية انسحابية منطوية غير واثق من نفسه يوجّه عدوانه لذاته. وعدم الشعور بالأمان، يتوقع الأنظار دائمة موجهة إليه فيخاف كثيراً لا يحب ذاته ويمتدح الآخرين، يفتخر بهم وبإنجازاتهم وقدراتهم، أمّا هو فيحطّم نفسه ويزدريها.
التذبذب في المعاملة (عدم الاستقرار في التعامل)
ويعني عدم استقرار الأب أو الأم من حيث استخدام أساليب الثواب والعقاب، فيعاقب الطفل على سلوك معين مرة، كما يُثاب على نفس السلوك مرة أخرى. وذلك نلاحظه في حياتنا اليومية من تعامل بعض الآباء والأمهات مع أبناءهم، مثلاً عندما يسبّ الطفل أمه او أباه نجد الوالدان يضحكان له ويبديان سرورهما، بينما لو كان الطفل يعمل ذلك العمل أمام الضيوف فيجد أنواع العقاب النفسي والبدني، فيكون الطفل في حيرة من أمره لا يعرف هل هو على صواب أم على خطأ، فمرَّة يثيبانه على السلوك ومرَّة يعاقبانه على نفس السلوك.
وغالباً ما يترتب على اتباع ذلك الأسلوب شخصية متقلبة مزدوجة في التعامل مع الآخرين. وعندما يكبر هذا الطفل ويتزوّج تكون معاملة زوجته متقلبة متذبذبة، فنجده يعاملها برفق وحنان تارة وتارة يكون قاسي من دون أي مبرر لتلك التصرفات. وقد يكون في أسرته في غاية البخل والتدقيق في حساباته. وقد يكون دائم التكشير أمّا مع أصدقائه فيكون شخص آخر كريم متسامح ضاحك مبتسم وهذا دائماً نلاحظه في بعض الناس.
ويظهر أيضاً أثر هذا التذبذب في سلوك أبنائه، حيث يسمح لهم بإتيان سلوك معيّن في حين يعاقبهم مرة أخرى، بما سمح لهم من تلك التصرفات والسلوكيات، أيضاً يفضّل أحد أبنائه مثلاً يميل إلى البنت أو يميل إلى الولد؛ وذلك بحسب الشخص الذي أعطاه الحب والحنية في طفولته أمه أو أبيه. وبالمقابل يكون مع رئيسه في العمل حسن الخلق ومع الأشخاص الذي هو مسؤول عنهم شديد وقاسي. وكل ذلك بسبب ذلك التذبذب؛ ممّا يؤدي به إلى شخصية مزدوجة في التعامل مع الآخرين.
التفرقة
وتعني عدم المساواة بين الأبناء جميعاً والتفضيل بينهم بسبب الجنس، أو ترتيب المولود أو السن، أو غيرها نجد بعض الأسر تفضّل الأبناء الذكور على الإناث، أو تفضيل الأصغر على الأكبر، أو تفضيل ابن من الأبناء بسبب أنه متفوق أو جميل أو ذكي وغيرها من الأساليب الخاطئة. وهذا بلا شك يؤثر في نفسيات الأبناء الآخرين وعلى شخصياتهم، فيشعرون بالحقد والحسد تجاه الأخ المميّز عند والديهم.
وقد يصبح هذا الطفل ذا شخصية أنانية ويتعوّد أن يأخذ كل شيء لنفسه دون مقابل، كما يريد أن يأخذ كل شيء له حتى ولو كان ذلك على حساب الأشخاص الآخرين. ويصبح لا يرى إلا ذاته فقط والآخرين لا يهمونه، فينتج عن ذلك شخصية تعرف ما لها ولا تعرف ما عليها، تعرف حقوقها ولا تعرف واجباتها.