إن ما نسبته تسع وتسعون بالمئة من تصرفاتنا هي ناتجة عن تقليدنا الأعمى للآخرين، وكثير من هذه التصرفات لا نعرف مدى صحّتها من عدمه، ولا نعرف حتّى المصدر الذي أتتنا منه وكيف أصبحت عادة لدينا، كلّ ما نعرفه بهذا الخصوص أنّ ما نقوم به هو عادة لدى المجتمع الذي نعيشه لا يمكننا الخروج عنها، وهذا الأمر لا يمنح شخصيتنا أي طابع تجديدي وتبقى الذات تتمحور في نفس الدائرة دون أي تطوّر أو تجديد، فنشعر حينها بأننا لسنا ملك ﻷنفسنا بل تبَع وعبيد ﻷفكار غيرنا.
التقليد الأعمى عادة ظاهرية:
نادراً ما نرى أحداً يثق في قدراته الشخصية ويثق في عقله وحواسه بشكل منفرد، فمعظمنا يرغب في أن يحظى برضا وقبول المجتمع حوله على أن يكون شاذاً أو مخالفاً للتوافق العام، وبالتالي يضحّي بقناعاته وأفكاره الشخصية مقابل عدم خروجه على تقاليد المجتمع الخاطئة ربما، فالذين يخرجون على تقاليد المجتمع رغم معرفة البعض بأنها أصبحت من الماضي أو أنها ليست صحيحة من الأساس، يتم مواجهتهم من قبل المحافظين وكأنهم ارتكبوا جرماً لا يُغتفر.
ما فائدة دراسة ظاهرة التقليد؟
إن ظاهرة التقليد مهمّة لفهم كيفية تفكير المجتمعات، ولماذا تتصرف بطريقة موحدة تشبه الاتجاه الذي يسلكه القطيع؟ وكذلك فهي مهمة لمعرفة تأثير المجتمع على الفرد بمجرد أن يتعرّف على مجموعة صغيرة تفعل الشيء ذاته، بصرف النظر عن حسناته أو سيئاته، فالمجتمعات التي نعيشها تكاد تشترك بشكل تام في جميع التصرفات والعادات الموروثة، وحتّى الصغار يتم تطبيعهم بشكل مباشر من قبل آبائهم، لتأكيد بلورة هذه العادات وزرعها في ذاتهم منذ الصغر.
عندما يدرك أحدنا حماقة الفكرة أو خطورة الفعل الذي يقوم به، لا يتوقّف عن فعله وتكراره، فترك العادات تزيد من خوفنا من تبعات النبذ والعداء والخروج عن المألوف، أما الأسوأ من كلّ ذلك فهو حين يبدأ التأثير فينا منذ سنّ الطفولة، أو يأتينا من قبل أفراد العائلة، أو يشترك فيه ملايين الناس من حولنا، فالتقليد يقتل الإبداع بشتّى أنواعه ويجعل من صاحبه نسخة مطابقة لمن قبله ولمن سيأتي بعده، فهي من العادات التي يتوجّب علينا محاربتها بشتّى الطرق والأساليب.