التماس اﻷعذار للآخرين

اقرأ في هذا المقال


بما أنَّ عقولنا لا يمكنها سوى الاحتفاظ بفكرة واحدة في المرة الواحدة، بمجرد أن نبدأ في التماس الأعذار للآخرين، فإنَّنا نلغي العواطف السلبية كالغضب والحزن والشعور بالانتقام، وما تتطلبه من طاقة أو وقود لكي تزداد وتشتعل في أنفسنا.

حالتنا النفسية والجسدية عندما نتميز بالإيجابية

عندما نستعيد سيطرتنا العقلية، ونحتفظ بهدوئنا ومواقفنا الإيجابية، في غضون وقت قصير، يَمرّ الموقف بسرعة وننساه تماماً، ولا يُشكّل في عقولنا أي شي من الحقد والكراهية، حيث نستطيع التخلص من المواقف والعواطف السلبية مهما كانت، عن طريق استبدال فكرة إيجابية بأخرى سلبية، حيث تظل القاعدة نفسها بالتميّز بالإيجابية والقدرة على تجاوز المُعضلات الحياتية الأخرى، كالطلاق مثلاً، أو فقدان الوظيفة، أو أي إخفاق في العمل.

علينا أن نتوقف عن ترديد الكلمات التي تزيد من غضبنا وانزعاجنا، وبدلاً من ذلك علينا التماس الأعذار للآخرين كلّما فكّرنا بشأن موقف مزعج، حتّى تختفي الحالة السلبية من داخلنا، وحين نُخفّف من وطأة المشاعر السلبية في نفوسنا، علينا أن نحوّل اهتمامنا نحو أمر إيجابي.

إنَّ أهم قواعد النجاح والسعادة، هي بعدم الاستسلام للقلق والانزعاج بشأن أمر لا يمكننا القيام بشيء تِجاهه، وأن لا ننتقد أي شخص من أجل شيء لا يمكننا تغييره، حيث تنص إحدى القواعد الشهيرة على أنَّه ” إذا لم يكن هناك حل، فليس هناك مشكلة أصلا”.

مفهوم التماس الأعذار

التماس الأعذار يعني محاولة فهم الأسباب والدوافع التي قد تدفع شخصاً ما إلى التصرف بطريقة معينة، حتى وإن كانت هذه التصرفات تبدو غير مبررة أو مؤذية للوهلة الأولى. يتطلب ذلك من الشخص أن يكون قادراً على التعاطف مع الآخرين، ووضع نفسه في مكانهم، وفهم الظروف التي قد تكون أثرت على سلوكهم.

أهمية التماس الأعذار في الحياة اليومية

  • تعزيز التسامح والتفاهم: التماس الأعذار للآخرين يعزز من قدرة الفرد على التسامح. عندما نحاول فهم دوافع الآخرين وأسباب تصرفاتهم، نصبح أكثر قدرة على مسامحتهم على أخطائهم، مما يقلل من الشعور بالغضب والضغينة ويعزز من التفاهم بين الأطراف.

  • تقوية العلاقات الاجتماعية: العلاقات البشرية تقوم على الثقة والاحترام المتبادل. التماس الأعذار يسهم في الحفاظ على هذه الثقة، حيث يشعر الآخرون بأنهم مفهومون ومقدرون، مما يعزز من الروابط الاجتماعية ويقوي الصداقات والعلاقات الأسرية.

  • الحد من النزاعات: الكثير من النزاعات والخلافات تنشأ بسبب سوء الفهم أو تفسير السلوكيات بشكل خاطئ. التماس الأعذار يساعد على تجنب هذه النزاعات من خلال توفير تفسير إيجابي أو محايد لسلوكيات الآخرين، مما يفتح المجال للحوار بدلاً من الصراع.

  • تعزيز الصحة النفسية: القدرة على التماس الأعذار للآخرين ترتبط بشكل مباشر بالصحة النفسية. الأشخاص الذين يمارسون هذا السلوك يتمتعون بسلام داخلي أكبر، حيث يتجنبون الدخول في مشاعر سلبية مثل الغضب أو الحقد. كما أن التسامح يعزز من الشعور بالراحة النفسية والرضا.

  • تحقيق العدالة والإنصاف: التماس الأعذار هو جزء من تحقيق العدالة الشخصية، حيث يمنح الشخص الآخر فرصة لتقديم تفسير أو تبرير قبل الحكم عليه. هذا يعكس إنصافاً وعدلاً في التعامل مع الآخرين ويعزز من القيم الإنسانية السامية.

كيفية التماس الأعذار للآخرين

  • التعاطف وفهم الظروف: حاول دائماً أن تضع نفسك في مكان الشخص الآخر. اسأل نفسك: “ما الذي كان يمكن أن يدفعه للتصرف بهذه الطريقة؟” هذا النوع من التفكير يساعدك على رؤية الأمور من منظور مختلف وفهم الأسباب الكامنة وراء السلوك.

  • عدم التسرع في الحكم: قبل أن تصدر حكماً على شخص ما، حاول أن تجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات. قد يكون هناك أسباب خفية أو ظروف صعبة يمر بها الشخص وتؤثر على سلوكه.

  • التواصل المفتوح: إذا شعرت بالضيق من تصرف معين، حاول التحدث إلى الشخص الآخر بشكل هادئ ومفتوح. اسأله عن دوافعه أو الظروف التي يمر بها، فقد تكتشف أن هناك أسباباً لم تكن تعلم بها.

  • التفكير في العلاقات طويلة الأمد: عند مواجهة موقف صعب مع شخص ما، حاول التفكير في العلاقة على المدى الطويل. هل ترغب في الحفاظ على هذه العلاقة؟ إذا كانت الإجابة نعم، فإن التماس الأعذار يصبح ضرورة لضمان استمراريتها.

  • التركيز على النوايا الحسنة: بدلاً من التركيز على التصرفات السلبية، حاول التركيز على النوايا الحسنة التي قد تكون خلف هذه التصرفات، قد يكون الشخص قد أخطأ دون قصد، والتماس الأعذار يساعدك على رؤية ذلك.

فوائد التماس الأعذار للذات

  • تحقيق السلام الداخلي: عندما تلتمس الأعذار للآخرين، فإنك تتجنب الوقوع في فخ الغضب والانتقام. هذا يساعدك على تحقيق السلام الداخلي والشعور بالراحة النفسية.

  • تعزيز الثقة بالنفس: التماس الأعذار يتطلب قوة داخلية وقدرة على التحكم في المشاعر. ممارسته بشكل مستمر يعزز من ثقتك بنفسك ويجعلك أكثر قدرة على التعامل مع المواقف الصعبة بفعالية.

  • التحرر من المشاعر السلبية: الأشخاص الذين يمارسون التماس الأعذار للآخرين يكونون أقل عرضة للوقوع في مشاعر الحقد والكراهية. هذا التحرر من المشاعر السلبية يعزز من صحتهم النفسية والجسدية.

التماس الأعذار للآخرين ليس مجرد تصرف اجتماعي، بل هو فن يتطلب مهارات عالية من التعاطف والتفهم. من خلال ممارسته، يمكننا تعزيز علاقاتنا الاجتماعية، تقوية الروابط الإنسانية، وتحقيق السلام الداخلي. إن قدرة الإنسان على فهم دوافع الآخرين والسعي لرؤية الأمور من منظورهم تعكس نضجاً عاطفياً ووعياً إنسانياً عالياً. التماس الأعذار ليس فقط لفائدة الآخرين، بل هو أيضاً طريق لتحقيق الذات وبناء حياة مليئة بالسلام والرضا.


شارك المقالة: