العقول البشرية مقلدة أكثر مما هي مفكرة

اقرأ في هذا المقال


نحن كبشر نتعلم ونكتسب المهارات من بعضنا البعض أكثر مما نفكّر ونبدع، فمعظم العادات والتقاليد والقيم والأفكار التي تصل إلينا قد اكتسبناها من خلال المجتمعات التي نعيشها، إذ أن العقول البشرية تستطيع أن تكتسب العادات بصورة سريعة تتلاءم وواقع الحال للمكان والزمان الذي تتواجد فيه، ليصبح قيمة لا يمكن التنازل عنها دون معرفة صحّتها من عدمه.

نحن لسنا مستقلين بأفكارنا قدر ما نحن مقلدون:

الكّل يعتقد أنه مستقل بأفكاره، الأوحد باستنتاجاته وغير مقيّد بقراراته، ولكن الحقيقة هي أننا مقلّدون أكثر من أننا مفكّرون، وأننا غير مستقلين، وأننا نخضع لحكم العرف والقيمة الموروثة والمجتمع، مغيبون عن نداء العقل والمنطق إلا في حالات نادرة قد يتم وصف من ينادي بها بأنه منحل وخارج عن الموروث والعادات المجتمعية وقد يتم تهميشه ورفض أفكاره الجديدة حتى ولو كانت صحيحة وواقعية.

عندما نقوم بتأمل حياتنا وأفكارنا ومعتقداتنا التي نعتقد أنها آرائنا الشخصية، نكتشف أن ما نسبته تسع وتسعين بالمئة منها إما قديم موروث، أو تم اقتباسه، أو عادة مجتمعية، وأصبح ذلك مؤكداً بفضل العديد من التجارب النفسية التي أثبتت أننا مخلوقات اجتماعية مقلّدة أكثر من كوننا مستقلين نملك الإرادة الحرّة.

الطبيعة البشرية تميل إلى التقليد اللاشعوري:

تم عمل العديد من التجارب التي أثبتت أننا مقلدون من خلال وضع تسعة أشخاص في غرفة واحدة استعداداً لإجراء مقابلة وظيفية، ثمانية منهم كانوا ممثلين يعرفون طبيعة الخدعة التي سيتم إجراؤها، وواحد فقط لا يعلم شيئاً هو موضوع التجربة، وفي لحظة معينة صدر صوت جرس فوقف الثمانية مرّة واحدة فقام التاسع بالوقوف معهم بشكل تلقائي، وعند سماع صوت الجرس مرّة أخرى جلسوا جميعاً بمن فيهم التاسع موضوع التجربة، وتكرّر هذا الأمر مراراً وكان في كلّ مرّة يقف ويجلس كما يفعل الآخرون دون معرفة أو السؤال عن السبب.

المذهل في الأمر أنه ولدى خروج الثمانية الممثلين واحداً تلو الآخر وبقاء التاسع موضوع التجرية، كان في كل مرة يقف ويجلس لدى سماع صوت الجرس، وعندما قاموا بإدخال شخص آخر برفقته أخبره أنّه يتوجب عليه الوقوف والجلوس عند سماع صوت الجرس، فقد تبنّى الفكرة وأصبح يدافع عنها، وكانت النتيجة ذاتها مع كلّ شخص تم إجراء التجربة عليه، دليل على أننا مقلّدون دون أن نعرف حتى السبب.


شارك المقالة: