المبادئ النفسية التي تحكم النفاق

اقرأ في هذا المقال


الأغلب يعتبر أن النفاق موضوع غير سليم وغير أخلاقي، ويتم الحكم على صاحب هذه الشخصية غالباً بأنه شخص لا يوثق به، ولكن قد يبرز النفاق في عدة أساليب، ولأسباب عديدة، وعادةً يكون هذا السلوك غير ناجم من رغبة الفرد ولا يخدم المصالح الشخصية له.

المبادئ النفسية التي تحكم النفاق

طبيعة وتوقيت النفاق

من الممكن إصدار الحكم على العديد من التصرفات بأنها شكل من النفاق، رغم أنها غير ذلك في الحقيقة، ففي أغلب الأحيان، يتم تجاوز الأمور التي تعد في جوهرها نوع من النفاق كونها تتفق مع المحيط التي تم وضعها فيه.

مثلاً إذ قام شخص ما بحث الآخرين بالتبرع للجمعيات وهو لا يقوم بهذا، فإن هذا يعد نوع من النفاق، وإنما في حال كان هذا الشخص معروف بأنه بخيل وقام فجأة بحث الآخرين على التبرع للجمعيات الخيرية، على الرغم من أن البعض قد يعتبرون هذا التصرف بأنه نوع من النفاق، وإنما البعض الآخر من وجهة نظرهم بأن الشخص قد تغير بشكل أو بآخر، حيث تغير وجهة النظر أو الفعل من أجل الصالح العام يعد دائماً بأنه من الأمور الإيجابية.

وغالباً ما ينحاز الأشخاص للاستجابة بصورة أكثر سلبية على النفاق الذي يتضمن النقد أو الحكم السلبي، فالشخص الذي يتفاخر بأنه من عشاق الاستماع إلى الموسيقى المباشرة، ولكن لم يذهب أبداً لحضور حفلة موسيقية، قد يعد منافق ومزعج، غير أن الأمر قد لا يستحق إثارة غضب الآخرين الذين حوله.

والأشخاص عادةً يكونوا شديدين الانتباه للنفاق عندما يتعارض مع تصوراتهم الشخصية، فإذا كان هنالك شخص ما يدعم القيم الأسرية، وتبين أنه كان قد مر بعلاقة حب مشبوهة، واحدهم على خلاف معه فعندها سوف يكون من وجهة نظره بأنه شخص منافق، ولكن إن كان شخص مقرب، فعندها سوف يكون التبرير بأنه لا يوجد أحد كامل مثالي.

والبشر في الأساس غير ثابتين في الرأي أبداً، فالأحكام التي تستند على القيم غالباً ما تكون ذاتية وغير موضوعية، وبالتالي فإن نسبة النفاق غالباً ما تعتمد على وجهة نظر كل فرد لوحده، وهذا يعزز النفاق بطريقة ما.

اعتقاد الشخص بأنه أفضل من الآخرين

غالباً ما يعطي الشخص تقديرات لنفسة أعلى مما هي عليه في الواقع، كما أن معظمهم يمتلكون تحيز يخدم مصالحهم الشخصية، حيث أنهم يقدرون قدراتهم وأدائهم بمقدار أعلى بمراحل مما هو عليه في الحقيقة، وهذا ليس مستهجن، فأن الدماغ يمتلئ بالتحيزات المعرفية وتلك التي ترتبط بالذاكرة والتي تهدف لجعل الشخص يشعر بأنه طيب ومحترم وقادر على فعل كل شيء، وذلك بغض النظر عن الحقيقة، والمشكلة هي أن الأحكام على الآخرين تكون أكثر واقعية.

مثلاً، هناك حالات يمكن أن تسبب في ظهور الشخص وكأنه المنافق، حيث يمكن للطيار أن يمنع  الأشخاص غير المدربين من تولي السيطرة على الطائرة، على الرغم من أنه يقوم بالطيران بنفسه طول الرحلة، وفي هذه الحالة لا يكون شخص منافق، بل هو واثق من مستوى قدراته، وبالمثل، قد يقوم بعض الأشخاص حث الآخرين على فعل شيء ما من غير أن يقوموا به بأنفسهم، وذلك لأنهم يتصورون بأنهم لا يحتاجون لفعله، ولكنهم بحاجة لإخبار الأشخاص الآخرين الأقل شأن منهم بما يفعلونه، بالرغم من أن هذا شيء غير محبب إلا أنه طبيعي، ولا يكون ناجم حتى عن وعي، وهنا لا يكون النفاق متعمد.

التنافر المؤذي

عدم التساوي بين السلوك والمواقف المرتبطة بالتصورات قد تسبب عدم الراحة للدماغ، في كثير من الأوقات، يكون مبدأ أنا أفضل من الآخرين لذا لا بأس بأن أفعل هذا، كافي للتوفيق بين السلوك والمواقف المرتبطة بالمعتقدات، ولكن في حالات أخرى يكون أحدهم مناهض لفعل معين ولكن اتضح فيما بعد الانغماس في مثل هذه الأفعال، فإن هذا يعد من أشكال المنافقة التي يشتكي صاحبها من التنافر القوي جداً.

ولكن علم النفس يفسر فعل هذا الشخص على أنها محاولة منه لحل هذا التنافر، حيث أن أغلب هؤلاء الأشخاص يكونون قد عاشوا في بيئة تؤمن بأن هذا الفعل هي خطيئة كبيرة، ونتيجة لهذا، فقد كبروا ليؤمنوا بذلك أيضاً، وهذا أمر طبيعي جداً، ولكن في سن المراهقة، اتضح لهم بأنهم يميلون لهذا الفعل، وهذا ما أدى توليد تنافر كبير في داخلهم.

النفاق هو الطريق الأسهل

من الجانب العقلاني، فإن الذي يقوم بحث الآخرين على ضرورة التبرع للجمعيات أو الامتناع عن القيام ببعض الأعمال غير الأخلاقية، لا بد وأن يكون يطبق هذه المبادئ على نفسه في البداية، ولكن ماذا في حال كان هذا الشخص يخبر الآخرين بأنه يفعل هذه الأشياء، دون أن يقوم بها، هذا يمكن أن يمنحه جميع المميزات ويظن الآخرين بأنه شخص مميز، من غير أن يقوم الشخص بوضع نفسه في ضغط لضبط ذاته، وهذا سوف يكون ممتاز بالنسبة للشخص المنافق.

بالعادة يكون البشر ذو انحياز أكبر لمبدأ العمل بجهد أقل قدر الإمكان، ويقومون بأخذ أي خيار يحتاج أداء عمل أقل، والنفاق يتيح لهم بالبروز بأحسن صورة ممكنة من غير أن يكون عليهم القيام بأي شيء، وهذا أسهل بكثير من التمسك بالمبادئ القاسية.


شارك المقالة: