المقاربات العامة لدراسة الإدراك في علم النفس المعرفي

اقرأ في هذا المقال


يُفهم علم النفس المعرفي عموماً على أنه أحد فروع علم النفس، لكنه متخصص في دراسة العملية العقلية الداخلية للإدراك والذاكرة واتخاذ القرار، فهو يدرس العمليات النفسية الداخلية الرئيسية التي تشارك في فهم البيئة وتحديد الإجراء الذي قد يكون مناسب.

علم النفس المعرفي:

يعتبر علم النفس المعرفي أحد مجالات علم النفس العلمية الذي انطلق من خلال الفرضية التي تقول بأن التفكير هو أساس معالجة المعلومات، يرجع تاريخ تسمية هذا الفرع إلى المعرفة Cognition الذي ركّز على آليات النشاط الذهني ودراسة الذكاء وأصل المعارف والاستراتيجيات المعرفية المستعملة في الاستيعاب والتذكر واستثمار المعارف ومعالجة المعلومات في الذاكرة واللغة، ذلك من خلال وظيفة الدماغ وقد نشأ هذا الاتجاه في ظل الثورة المعرفيةRévolution Cognitive التي انطلقت في منتصف القرن العشرين.
يدرس علم النفس المعرفي نشاطات الفرد العقلية والداخلية بالأصل؛ ذلك في تقابل مع النشاطات التي تخضع للملاحظة، فهي النشاطات التي قامت بتشكيل معنى خاص بالسلوك، تغيرت السيكولوجيا وقامت بالانتقال مع المنظور المعرفي من دراسة السلوك القابل للملاحظة والقياس إلى الاهتمام بمشكلات سيكولوجية مختلفة ترتبط بالأنشطة العقلية وآليات الاشتغال الذهني، أي تلك الأنشطة الداخلية للفرد والتي أقصيت من الدراسة والتحليل ضمن الاتجاه السلوكي بدعوى عدم إمكانية إخضاعها لصرامة المنهج التجريبي.

المقاربات العامة لدراسة الإدراك في علم النفس المعرفي:

علم النفس المعرفي موضوع يصعب دراسته ليس لأنه يمثل تحدي فكري، لكن موضوع الدراسة غير مرئي للعين البشرية، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ العمليات المتضمنة داخل دماغنا ليست دائماً واضحة؛ على سبيل المثال كان هناك وقت كان يُعتقد أنّ عملية التفكير تعمل بطريقة متسلسلة، بعبارة أخرى كان يعتقد أننا نعالج المعلومات واحداً تلو الآخر وأن هذه العمليات لا تحدث على التوازي أبداً، لكن هذه الفكرة لا يمكن أن تفسر كيف يمكن للإنسان القيام بمهام متعددة، تم استبدال هذا الآن بنظرية المعالجة المتوازية.
بالمثل كان يعتقد أن الحافز يولد استجابة دائماً؛ وفقاً لهذه النظرية يمكن أن تكون قطعة من مادة القراءة شكلاً من أشكال التحفيز والذي بدوره يؤدي إلى بعض الاستجابة أو الفعل الذي يمكن قياسه، هذا الإطار المفاهيمي يسمى المعالجة من أعلى إلى أسفل، مع ذلك فقد تم تصميم العديد من التجارب وعرضها وأن الناس يفوتون قراءة العبارات؛ لأن الدماغ لا يتفاعل بشكل محض وبسيط مع المنبه، على العكس من ذلك لدينا إدراكنا وتوقعاتنا الخاصة والتي قد تتداخل مع الطريقة التي نعالج بها معلومات التحفيز.
بشكل عام هناك رسالة قوية في هذه الفصول التمهيدية مفادها أن التحدي الرئيسي في علم النفس المعرفي هو تحديد العملية الدقيقة التي يستخدمها الدما، من الناحية الهندسية يمكن للمرء أن يصف الموقف بأنه دراسة للصندوق الأسود حيث يمكن التحكم في المدخلات والمخرجات ولكن فتح الصندوق الأسود محظور، أو ربما من الناحية الرياضية يمكن للمرء أن يصف الموقف بأنه دراسة لمربع الوظيفة؛ حيث يمكن مرة أخرى قياس المدخلات والمخرجات ولكن الوظيفة الرياضية الدقيقة للمربع غير معروفة.
في كلا التشبيهين يمكننا أن نرى العديد من الاحتمالات والنظريات التي يمكن تطويرها لأي مجموعة معينة من المدخلات والمخرجات؛ لذلك لا يمكننا أبداً التأكد من أن العملية المقترحة تمثل الطريقة التي يعمل بها الدماغ، في أحسن الأحوال نصل إلى نموذج مفاهيمي يساعدنا في فهمنا.

طرق بحث رئيسية في علم النفس المعرفي:

بالنظر إلى أننا ندرس الصندوق الأسود الذي قد لا نفتحه؛ فإن السؤال المنطقي التالي هو كيف يدرسه المرء؟ سيظهر في مجال علم النفس المعرفي، هناك أربع طرق رئيسية لدراسة الإدراك من خلال مقارنة المرضى المتضررين بالدماغ عن طريق تطوير نماذج حسابية عن طريق مسح الدماغ، من بين جميع الطرق فإن الأساليب التجريبية هي الأسهل للفهم؛ عادة ما يتم إجراؤها في بيئة خاضعة للرقابة والتي تفسح المجال للدراسات العلمية للبيانات.
مع ذلك يتم تحدي هذا النوع من الأساليب بشكل عام لسببين؛ يمكن أن توفر فقط أدلة غير مباشرة حول العمليات الداخلية المعنية، نظراً لسياق البيئة الخاضعة للرقابة وهو مصطنع للغاية، غالباً ما يكون صعب لتبرير أو الاعتقاد بأن الأشخاص سيتصرفون بطريقة متطابقة في الحياة الواقعية.
طريقة المقارنة مثيرة للاهتمام، في الأساس يبحث علماء النفس المعرفي عن المرضى المتضررين في الدماغ ويقارنون ما يمكنهم فعله أو لا يمكنهم فعله مع المرضى الآخرين؛ على سبيل المثال إذا كان لديهم مرضى يمكنهم التحدث جيداً ولكن لا يمكنهم السمع، فيمكنهم حينئذٍ استنتاج أن العمليات التي ينطوي عليها التحدث مستقلة عن تلك الخاصة بالسمع، تكون هذه الطريقة حاسمة للغاية عند حدوث مرضى لديهم مصفوفة مهارات معاكسة.
على سبيل المثال إذا تمكنت مجموعة من المرضى من أداء المهمة “أ” بشكل جيد للغاية ولكن ليس المهمة “ب”، يمكن لمجموعة أخرى من المرضى القيام بالمهمة “ب” بشكل جيد للغاية ولكن ليس المهمة “أ”، فيمكننا حينئذٍ أن نستنتج بثقة أن العمليات التي تنطوي عليها المهمة “أ” أو “ب” مستقلة تماماً عن بعضها البعض، هذه الطريقة لها حدودها الخاصة بالرغم من ذلك؛ على سبيل المثال حيث يمكن للمرضى أداء جزء من المهمة، هل لا يزال بإمكاننا التوصل إلى نتيجة؟ أيضاً هذه المشكلة هي أن هناك دماغ واحد أو اثنين فقط يساهم في وظيفة معينة.
مع ذلك في كثير من الأحيان، ما لم تكن المهمة بسيطة للغاية، سيتم استدعاء وظائف مختلفة للدماغ، خذ الأشكال المتطابقة كمثال؛ غالباً ما يتم إعطاء الأطفال الصغار ألعاب تتطلب منهم التعرف على الأشكال المختلفة، هذه مهمة بسيطة للغاية في حد ذاتها، مع ذلك فهو يتضمن ذاكرة طويلة المدى (تذكر التعليمات المقدمة) وذاكرة قصيرة المدى (ما شاهدته أعينهم للتو) واتخاذ القرار والمهارات الحركية، غالباً ما يكون من الصعب جداً عزل هذه العمليات على أنها مستقلة تماماً عن بعضها البعض.

النماذج الحسابية:

النماذج الحسابية أقرب إلى فرع من علوم الكمبيوتر يسمى الذكاء الاصطناعي، من خلال التغذية بالمعلومات التي تم جمعها من خلال الأساليب السابقة، يبني المبرمجون نماذج حسابية لتمثيل العمليات المعرفية، على الرغم من أنه لا يمكن ضمان أن تكون ممثل للعملية الإدراكية الدقيقة المعنية، إلا أنها تسمح بطريقة منهجية للتحقيق في العمليات، عادةً ما يستخدم المبرمجون المشاركون ما يُعرف بشبكات الاتصال، حيث توجد روابط إدخال ووحدات معالجة وارتباطات إخراج.
على عكس شبكات الكمبيوتر حيث يوجد موقع محدد للذكريات، فإن شبكات الاتصال في علم النفس لها ذكريات موزعة عبر الشبكة.

مسح الدماغ:

يستخدم النهج الأخير تقنية حديثة في مسح الدماغ لتحديد مكان وزمان حدوث العمليات المعرفية داخل الدماغ، كانت طريقة الدراسة هذه مفيدة للغاية في المناطق التي تعمل فيها المعالجات بطرق سرية، مع ذلك ، فقد كان أقل نجاح في الوظائف المعرفية العليا؛ مثل التفكير واتخاذ القرار أو حيث تتداخل الوظائف والعمليات المعرفية.


شارك المقالة: