تمييز المنحى السلوكي بين سلوك الإنسان والحيوان في استجابات معدلي السلوك:
إن إجراءات تعديل السلوك انبثقت من البحث المخبري المعروف بالتحليل التجريبي للسلوك، الذي وضع أسسه (سكنر) في الثلاثينيات من القرن العشرين، ونتيجة لهذه الحقيقة ادعى بعضهم أن السلوكية تتعامل مع سلوك الإنسان، وكأنه لا يختلف عن سلوك الحيوان.
فليس نادراً أن نقرأ في بعض كتب علم النفس، أن (سكنر) يحاول تفسير السلوكيات الإنسانية المعقدة من خلال نتائج بحوثه على الحمام والفئران وبالذات البيضاء منها، وإن هذا الاتهام باطل من أساسه ولا يأخذه السلوكي على محمل الجد.
إذ إن لا أحد من السلوكيين لم يقل في يوم من الأيام أن سلوك الإنسان لا يختلف عن سلوك الحيوان، ولكن ما اقترحه السلوكيون (وبالذات سكنر) هو تجريب القوانين التي اكتشفت في البحوث المخبرية على المستوى الإنساني، وعندئذ فالنتائج وحدها هي المخولة بتقديم أجوبة لما يدور من تساؤلات.
وقد يكون من المناسب هنا تذكير القارئ بحقيقة أن هذه الاستراتيجية تتفق، والفلسفة السلوكية التي ترفض القفز إلى الفرضيات في غياب المعلومات المشتقة من التحليل التجريبي واكتشف العلماء أيضاً فائدة الامتناع عن تقديم الأجوبة إلى أن يتم التوصل إلى أجوبة مرضية.
فليس من السهل تجنب القفز إلى الاستنتاجات غير الناضجة، والامتناع عن صياغة القوانين استناداً إلى الأدلة غير الكافية، وتجنب التفسيرات التي لا تعدو كونها مجرد خزعبلات، وعلى الرغم من ذلك كله أوضح تاريخ العلم مرة تلو الأخرى فائدة هذه الممارسات.
والأهم من ذلك كله هو أن نتذكر أننا عندما نتحدث عن تعديل السلوك الآن، فنحن نتحدث عن اتجاه علمي أوضحت فعاليته آلاف الدراسات على المستوى الإنساني، فالسلوكية لم تعد منذ أكثر من أربعين سنة مجرد بحوث مخبرية، وهذا ما يتجاهله الكثيرون من نقاد السلوكية.
وفي هذا الصدد يقول (سكنر) الذين يتهمون السلوكية بأنها تحاول تفسير سلوك الإنسان من خلال البحوث على الحيوان ساذجون فعلاً، وهم في اتهامهم هذا لها إنما يتهمون العلم نفسه، ويضيف (سكنر) قائلاً إن العلم لا يقفز مرة واحدة إلى دراسة الظواهر الأكثر تعقيداً ولكنه ينتقل تدريجياً.
فالسلوكية ابتدأت بدراسة سلوك الحيوان لا لأنه كسلوك الإنسان، ولكن لأنه من السهل التحكم في المتغيرات في المختبر، ومع هذا فلا يزال هذا الانتقاد يوجه للسلوكية من وقت إلى آخر، وكأنها لا تزال مجرد بحوث مخبرية.